كان إعلان الصحيفة الذي نشره أحد مستشفيات علاج السرطان في الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الهند واضحاً دون مواربة: "يجب على أي مريض مسلم بحاجة للعلاج أن يثبت أنه لم يصَب بكوفيد- 19".
واعتذر مستشفى فالنتيس الخاص لعلاج السرطان في ولاية أُتر برديش بعد يوم واحد من نشره هذا الإعلان عن "جرحه للمشاعر الدينية"، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية. لكن الكثيرين رأوا في هذه الرسالة المطبوعة تجسيداً للعداء المتزايد تجاه الأقلية المسلمة في الهند في ظل تنامي عدد إصابات فيروس كورونا في البلاد.
"جهاد كورونا".. اتهام المسلمين بنشر الفيروس
وتعرض المسلمون، من بينهم مزارعون طُردوا من القرى وآخرون تعرضوا للضرب على أيدي غوغاء هندوس لاعتداءات في كافة أرجاء البلاد، من القرى الريفية إلى مدينتي نيودلهي ومومباي، مدفوعة بمجموعة مخيفة من رسائل الواتس آب تتهمهم بالنشر المتعمد للفيروس. وتصدرت هاشتاغات مثل "جهاد كورونا" و"إرهاب كورونا" الشبكات الاجتماعية، وهو ما أثار استياء عدد من دول الخليج التي يعمل بها الملايين من الهنود.
ويهدد هذا التمييز العنصري المتزايد بالإضرار بمكانة الهند في البلدان ذات الأغلبية المسلمة ويؤجج التوترات الدينية القائمة منذ زمن طويل في الدولة التي يدين أغلب سكانها بالهندوسية والتي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة.
والأسوأ من ذلك أن تصاعد التمييز تجاه المسلمين يهدد الآن بتعقيد جهود الهند للتصدي لكوفيد-19، إذ سجلت البلاد حتى يوم السبت 25 أبريل/نيسان 24,530 إصابة و780 حالة وفاة.
المسلمون يخشون التبليغ عن إصاباتهم بسبب تفشِّي العنصرية ضدهم
وفي مومباي، العاصمة التجارية للهند، حيث أصبح حي دهارافي المترامي الأطراف أكثر المناطق تضرراً بالفيروس في البلاد، تقول السلطات إن المسلمين يخشون الإبلاغ عن إصاباتهم.
يقول كيران ديجافكا، المفوض المساعد في مؤسسة بلدية مومباي الكبرى، السلطة المدنية الرئيسية للمدينة: "يسود شعور بخوف هائل بين المسلمين وهم لا يخبروننا بالحقائق. ويبدو أن الكراهية تجاههم ازدادت لأن الآخرين يعتقدون أنهم ينشرون الفيروس. وبسبب هذا، أصبح من غير الآمن لموظفينا زيارة بعض المناطق وأصبح من الضروري أن نصطحب قوات الشرطة معنا".
ولم يعلق مودي رئيس الوزراء الهندوسي المعروف بتشدده حتى الآن، على هذه التوترات الطائفية المتصاعدة بطريقة مباشرة، لكنه قال في تغريدة في وقت سابق من هذا الشهر إن "كوفيد- 19 لا يرى العِرق أو الدين أو اللون أو الطبقة أو اللغة أو الحدود قبل أن يجتاح البلدان".
كيف ترى الدول الإسلامية ذلك؟
يُشار إلى أن منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 عضواً، أعربت عن "قلقها العميق" يوم الأحد الماضي إزاء "تزايد المشاعر المعادية للمسلمين" في الهند.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، دفعت بعض المنشورات التي كتبها المهاجرون الهنود بكلمات شديدة العدائية إلى طردهم من وظائفهم، كما استرعت انتباه أحد أفراد الأسرة الحاكمة. ففي الأسبوع الماضي، ردت الأميرة هند القاسمي على تغريدة محذوفة الآن، قائلة: "هذا الاستهزاء لن يمر مرور الكرام"، وأدان سفير الهند لدى الإمارات خطاب الكراهية.
ورغم أن دول الخليج تدين هذه الخطابات المعادية للمسلمين في الهند، سيحد انخفاض أسعار النفط وتراجع الاقتصاد العالمي من تعمق هذا الخلاف، وفقاً لهرش بانت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كينغز كوليدج في لندن.
وقال: "الهند تتمتع بنفوذ أمام هذه الدول، لأنها واحد من أكبر مستوردي النفط. ودول الخليج تأثرت لا بفيروس كورونا فقط وإنما بتراجع الطلب على النفط أيضاً".
موجة جديدة من العنصرية والتطرف
يُشار إلى أن الموجة الجديدة من الشائعات والعنصرية التي تستهدف 200 مليون مسلم في الهند في الأسبوع الأخير من شهر مارس/آذار بدأت عندما ظهرت تقارير تفيد بأن الآلاف، ومنهم زوار من إندونيسيا وماليزيا، تجمعوا في مقر "جماعة التبليغ" -وهي طائفة مسلمة محافظة- في الحواري المزدحمة بمنطقة نظام الدين في دلهي.
وقد ثبتت إصابة مئات من أعضائها بالفيروس بعد أن أخلت السلطات المبنى. وفي 8 أبريل/نيسان، أصدرت وزارة الصحة بياناً طالبت فيه بعدم استهداف أي طائفة، لكنها لم تفعل الكثير لكبح جماح الغضب والتطرف.
وكان محمد شميم وأسرته من بين هؤلاء المستهدفين، وبدأت مشاعر الكراهية تتنامى ضده بعدما بدأ بيع الفواكه والخضراوات الطازجة على شاحنات صغيرة وقيادتها في عمق قرى ولاية أُتَر برديش عندما أعلنت الهند فرض إغلاق صارم على مستوى البلاد في 25 مارس/آذار. وبدأ أهالي القرى الهندوس في مضايقتهم وطلبوا من الآخرين عدم التعامل معهم.
وقال: "ثم بدأ المزيد من الناس في مضايقتنا بقولهم: "أنتم أيها المسلمون تنشرون هذا المرض، لا نريدكم أن تأتوا إلى هذه القرية". وطلبوا من الناس الذين اشتروا منا الخضراوات إعادتها".