بعد أن شغل العالم واحتل الصدارة في حرب البشرية ضد وباء كورونا، خفتت متابعة علاج الملاريا أو هيدروكسي كلوروكين، ثم عاد فجأة للواجهة بعد أن أُجريت عليه عدة دراسات في البرازيل وفرنسا والصين والولايات المتحدة، فهل يفيد "العقار السياسي" بالفعل في علاج كورونا؟
ماذا أظهرت الدراسات الأمريكية؟
ظهرت أمس الثلاثاء، 21 أبريل/نيسان، نتائج دراسة تعتبر الأكبر من نوعها حتى الآن، بشأن فاعلية دواء الملاريا أو هيدروكسي كلوروكين في علاج مرضى كوفيد-19 أو فيروس كورونا، وجاءت النتيجة مخيبة لآمال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصف الدواء بأنه "سيغير مسار الحرب ضد وباء كورونا".
الدراسة التي موّلتها الحكومة الأمريكية قامت بتحليل استجابة الأفراد العسكريين الأمريكيين الأكبر سناً لعقار الكلوروكين، ورغم أن التجارب كانت محدودة فإنها أضافت إلى الشكوك حول فاعلية الدواء، التي تضم لائحة المؤمنين بقدراته على الشفاء؛ ترامب ومؤيديه من اليمين وشبكة فوكس نيوز، بحسب تقرير لفرانس برس.
الباحثون اطلعوا على السجلات الطبية لـ368 من العسكريين السابقين الذين تعرضوا للإصابة بالوباء ودخلوا المستشفيات في جميع أنحاء البلاد، بعضهم توفوا والبعض الآخر خرجوا من المستشفى بحلول 11 أبريل/نيسان الجاري، وكانت معدلات الوفيات للمرضى الذين تناولوا هيدروكسي كلوروكوين 28%، مقارنة مع 22% لأولئك الذين تناولوا العقار مع المضادات الحيوية أزيثروميسين، وهو مزيج يفضله العالم الفرنسي ديدييه رول ودراسة نشرت في مارس/آذار حفزت الاهتمام العالمي به، بينما كان معدل الوفيات لأولئك الذين يتلقون رعاية قياسية 11% فقط.
وتم وصف هيدروكسي كلوروكوين مع أو من دون أزيثروميسين للمرضى الذين يعانون من أعراض أكثر حدة، لكن الباحثين وجدوا أن زيادة معدل الوفيات استمرت حتى بعد تعديل النموذج إحصائياً بمعدلات استخدام أعلى.
أحد عيوب الدراسة أنها لم تحدد عشوائياً المرضى في مجموعات البحث، لأنها أجرت تحليلاً بأثر رجعي لما حدث بالفعل، بالإضافة إلى ذلك من الصعب تعميم النتائج لأن المستجيبين يتمتعون بخصائص محددة، حيث إن معظمهم من الذكور بمتوسط عمر يزيد عن 65 عاماً، وهي مجموعة تتأثر بشكل غير متناسب بالأمراض الأساسية مثل مرض السكري وأمراض القلب.
دراسات في فرنسا والبرازيل والصين
لكن الدراسة الأمريكية لم تكن الأولى التي أجريت على العقار، الذي تحول لقضية سياسية منذ 19 مارس/آذار الماضي، عندما أعلن ترامب أنه علاج فعال ضد الفيروس، حيث نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز تقريراً بعنوان: "فشل علاج الملاريا في مساعدة مرضى كورونا"، تناولت فيه عدداً من الدراسات حول العالم.
أثبتت الأبحاث التي أجريت في فرنسا أن الهيدروكسي كلوروكين لم يساعد في تقليل وفيات كورونا، ولا تخفيض أعداد المصابين الذين تتدهور حالتهم ويتم نقلهم للعناية المركزة، بينما أظهرت دراسات أجريت في البرازيل والصين أن نفس العلاج فشل في مساعدة المرضى ذوي الأعراض الخفيفة والمتوسطة في التعافي من الفيروس بشكل أسرع من هؤلاء الذين لم يتعاطوه.
ففي البرازيل، استمرت التجارب باستخدام علاج الملاريا 13 يوماً فقط، نتج عنها حالتا وفاة ومشاكل تتعلق بالقلب لدى كل من خضعوا له، ما أدى لتغيير الجرعات أكثر من مرة، وأخيراً تم وقف التجارب بعد تزايد "حالات الخطر" بين من خضعوا للتجربة.
وقال الدكتور مايكل بيلينغر للصحيفة: "انطباعي حتى الآن هو أن تلك العلاجات عبارة عن احتمالية بعيدة الترجيح. والسؤال هو: هل هناك منفعة محتملة من وراء تلك التجارب، حيث نعطي العلاج للمريض وندعو أن تنجح في شفائه، أنا لست متشجعاً لتلك التجارب". بيلينغر أستاذ في جامعة نيويورك ورئيس قسم الروماتيزم في الرعاية الصحية لشؤون المحاربين القدامى في ميناء نيويورك.
وكتب الباحثون في الدراسة البرازيلية في تقرير النتائج أنهم لا يوصون باستخدام الكلوروكين بجرعات عالية لعلاج مرضى كورونا، نظراً للمخاطر الصحية المحتملة، وكان الرئيس البرازيلي هايير بولزونارو -أحد المتشبهين بترامب- قد روّج بشدة للعقار تماماً كما فعل ترامب، وعبر الباحثون عن استيائهم من أن تصريحات الرئيس قد تسببت في ضغوط كبيرة عليهم أثناء إجراء الدراسة.
وفي فرنسا أُجريت تجارب سريرية تقليدية على 181 من المصابين بالفيروس، في أربعة مستشفيات فرنسية خلال الأسبوعين الأخيرين من مارس/آذار، وتم مقارنة حالة 84 شخصاً تناولوا جرعات هيدروكسي كلوروكين مقابل 91 مريضاً لم يتناولوا العلاج على الإطلاق، ووجد الباحثون أن علاج هيدروكسي كلوروكين لم يقلل احتمالات وفاة أي من المرضى أو تطور الأعراض لديهم بحيث تستدعي حالاتهم وضعهم على أجهزة التنفس.
لكن العلاج قد رفع من بعض المخاطر الصحية، حيث تعرض 8 من الـ84 مريضاً لمصاعب صحية تتعلق بضربات القلب وانتظامها، لدرجة اضطرت الباحثين لوقف الجرعات، كما ظهرت لدى مريض آخر صعوبات تتعلق أيضاً بانتظام نبضات القلب، وسجل الباحثون الفرنسيون في نتائج الدراسة أن "النتائج السريرية السلبية لهذه الدراسة تدفع بسلبية الاستعمال الكبير للهيدروكسي كلوروكين لعلاج مرضى كوفيد-19 الذين يعانون من الالتهاب الرئوي".
ورغم أن الدراسة التي أُجريت في الصين استمرت 28 يوماً وحملت بعض الأنباء الجيدة، فإنها لم تتعدَ شعور بعض من تناولوا العلاج بتحسن حالتهم، أو بمعنى أدق قدرتهم على تحمل الأعراض، لكن لم تسجل الدراسة نجاحاً في علاج الأعراض أو التقليل من نسبة من تتطور لديهم الأعراض.
هل تتسبب السياسة في إضعاف موقف العلماء؟
الحقيقة أن قصة هذا العلاج تلقي الضوء على أحد أهم أسباب صعوبة وتعقيد الحرب ضد فيروس كورونا، وهي تسييس قضية طبية وعلمية بحتة من جانب القوتين الأكبر وهما الصين والولايات المتحدة، بينما العالم كله بما فيه الشعبان الصيني والأمريكي يدفعون حياتهم ذاتها ثمناً.
فالصين، حيث نشأ الفيروس في وقت ما، من نوفمبر/تشرين الثاني أو ديسمبر/كانون الأول الماضي، لم تتعامل مع الأمر كخطر صحي يجب أن يكون الأطباء وعلماء الفيروسات في مقدمة الصفوف الأولى لمحاربته، بل سعت لاعتقال وقمع الأطباء الذين دقوا ناقوس الخطر في البداية، حتى خرج الفيروس من معقله ووهان، وأخذ يتحور ويتوحش ليودي بحياة أكثر من 182 ألف مواطن حول العالم، وأصاب أكثر من مليونين و600 ألف شخص وقت كتابة التقرير.
وترامب -من جانبه- تلقّف دراسة صغيرة محدودة (لو أردت القصة الكاملة وراء العقار السياسي لعلاج كورونا، اضغط الرابط) لبعض الباحثين، وفي مراحلها الأولى تتحدث عن احتمالية كون عقار الهيدروكسي كلوروكين ذا مفعول جيد في علاج مصابي كورونا، وأعلن أن بلاده وجدت العلاج الناجع لكورونا والسلاح الذي سيقهر الفيروس، واستخدم سلطاته كرئيس لأقوى دولة في العالم كي تصدر هيئة الأغذية والعقاقير في بلاده "موافقة طارئة" على استخدام العقار كعلاج لمصابي الوباء "انتظاراً لمزيد من البيانات ونتائج التجارب"، وهي سابقة لم تحدث في التاريخ.
والسؤال الآن، كم شخصاً فقد حياته بسبب الأعراض الجانبية المؤكدة لعقار الملاريا (أعراضه الجانبية هي التأثير على أداء عضلة القلب بدرجات متفاوتة)؟ والسؤال الآخر هو كم من الوقت يتم إهداره في تلك السجالات السياسية بدلاً من تركيز المختصين على دراسة الفيروس المستجد، وتقليل وقت التوصل للقاح، وهو الأمل الوحيد لانتصار البشرية في تلك المعركة غير المتكافئة مع وباء كورونا.