كان للإغلاق العام المفروض في كل أرجاء العالم لمكافحة تفشي فيروس كورونا آثاره الإيجابية غير المقصودة، خالقاً تجربةً عالميةً لخفض التلوث في بعض أكثر مدن العالم اكتظاظاً، كما تقول صحيفة The Independent البريطانية.
الهواء أكثر نظافة
من نيودلهي إلى ميلان، بات الهواء أكثر نظافةً، ولو مؤقتاً، في عديد من المناطق الأكثر تلوثاً بالعالم، في الوقت الذي يلزم الناس فيه منازلهم وتنخفض معدلات السفر بشكلٍ كبيرٍ.
وفي شمال شرقي الولايات المتحدة انخفض تلوث ثاني أكسيد النيتروجين بنحو 30%، في حين انخفضت معدلات تلوث الهواء في روما من منتصف مارس/آذار إلى منتصف أبريل/نيسان 2020 بنحو 49% عما كانت عليه منذ عامٍ.
الحيوانات بدأت تظهر في أماكن غريبة
لاحظ المقيمون كذلك ببعض المدن أن الحيوانات بدأت تظهر في أماكن غريبة، وفي أوقاتٍ غير اعتياديةٍ، فشوهدت حيوانات القيوط على امتداد جادة منتصف مدينة ميشيغان بولاية شيكاغو وقرب جسر البوابة الذهبية بسان فرانسيسكو، كما شوهدت العنزات بمدينةٍ في ويلز، ورُصد أسدٌ جبليٌّ يتجول بشوارع سانتياغو في تشيلي!
تراجع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المناطق الأكثر تلوثاً
في الهند قاد حظر الإغلاق العام الذي طال المدارس ومحال العمل ووسائل المواصلات إلى انخفاضٍ حادٍّ في تلوث الهواء بست من المناطق العشر الأكثر تلوثاً في العالم.
في اليوم الأول للإغلاق العام انخفضت مستويات التلوث بالجزيئات الدقيقة PM 2.5 بنحو 22%، وانخفضت نسبة جزيئات ثاني أكسيد النيتروجين NO2 بنحو 15%، وفقاً لتحليل بيانات تلوث الهواء التي أجراها مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف.
ما يجعل هذه الأرقام مهمةً للغاية للصحة العامة هو أن الهند مسؤولةٌ عن أعلى مستويات الوفاة المرتبطة بالتلوث في العالم بأكثر من مليوني حالة وفاةٍ سنوياً، وفقاً لتقرير ديسمبر/كانون الأول عام 2019، الصادر عن التحالف الدولي للصحة والتلوث.
فرصة ساحرة لوضعٍ أفضل
يقول ستيوارت بيم، عالم الحفاظ على البيئة بجامعة ديوك في ولاية كارولاينا الشمالية: "يمنحنا ذلك نظرةً استثنائيةً إلى كمّ الفوضى التي نُحدثها نحن البشر في كوكبنا الجميل".
وتابع: "يمنحنا ذلك فرصةً ساحرةً لنرى كم يُمكن أن يكون الوضع أفضل".
كان الباحثون يُتابعون الانخفاض في ملوثات الهواء التقليدية، مثل ثاني أكسيد النيتروجين، والضباب الدخاني، والجزيئات الدقيقة، والتي تقتل نحو 7 ملايين شخصاً كل عامٍ حول العالم، وفقاً لما قاله دان غرينبوم، رئيس معهد التأثيرات الصحية.
وقال باري ليفر، عالم الغلاف الجوي بوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، إن الهواء من بوسطن إلى واشنطن بالولايات المتحدة في أنظف مستوياته منذ عام 2005، حين بدأت أقمار ناسا الصناعية تقيس مستويات ثاني أكسيد النيتروجين.
استغلال الوباء
وتُظهر القياسات أن تلوث الهواء في مارس/آذار قد انخفض بنحو 46% في باريس، و35% في بنغالورو بالهند، و38% في سيدني، و29% في لوس أنجلوس، و26% في ريو دي جانيرو، و9% في دوربان بجنوب إفريقيا، بالمقارنة بالسنوات الخمس الماضيات.
قال ليفر: "إننا نرى لمحةً لما يُمكن أن يحدث إذا بدأنا نتحول إلى سياراتٍ غير ملوِّثةٍ".
ومع أن التغيرات قد تكون قصيرة المدى في كثير من المدن، لكن بعض المسؤولين يفكرون بالفعل في كيفية استغلال الوباء ليكون فرصةً لإعادة التفكير في سلوكهم تجاه التلوث والبيئة.
تستعد ميلان مثلاً، التي تُعد من أكثر مدن أوروبا تلوثاً، لإعادة تخصيص نحو 35 كيلومتراً من الشوارع لتكون مساراتٍ للدراجات الهوائية حين يُعاد فتحها من الإغلاق العام، بعد سنواتٍ من محاولات خفض استخدام السيارات في المدينة.
مستقبل أكثر اخضراراً
من جهته حث أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، دول العالم على استغلال فترة التعافي من جائحة فيروس Covid-19 للانتقال إلى مستقبلٍ أكثر اخضراراً ومنع "أزمة البيئة التي تتكشف" على الكوكب.
وقال غوتيريش: "يتعرض التنوع البيولوجي لانخفاضٍ حادٍّ، ويقترب اضطراب المناخ من نقطة اللاعودة". وتابع: "يجب أن نتصرف بشكلٍ حاسمٍ لحماية كوكبنا من فيروس كورونا ومن التهديد الوجودي لاضطراب المناخ".
ودعا الأمين العام الحكومات إلى أن تضمن أن يوفر التعافي وظائف وأعمالاً جديدةً عبر تحوُّلٍ نظيفٍ وأخضر في اقتصادٍ أكثر استدامةً.
وقال إن أموال دافعي الضرائب يجب أن ترتبط بتحقيق وظائف خضراء، وأن تتدفق إلى قطاعاتٍ مستدامةٍ بدلاً من أن تُنفق على أعمالٍ تساهم بكثافةٍ في خلق التلوث.