قد يكون فوز جو بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي باعثاً على الراحة بالنسبة للدول والصناعات التي ترغب في الحفاظ على نهج بقاء الوضع على ما هو عليه مع واشنطن. وأفلتت العلاقات السعودية الأمريكية على وجه التحديد من مرشح أكثر شدّة في مناهضة الرياض، مثل بيرني ساندرز أو إليزابيث وارن.
ويقول خبراء لموقع Middle East Eye البريطاني، إنه مع بايدن، الذي يؤيد تغيير نمط العلاقات وليس هيكلها، قد تجد الرياض نفسها مع حليف في البيت الأبيض أقل التزاماً تجاهها، لكنه من غير المرجح أن يُخضِع العلاقات الثنائية لإعادة تقييم جذري.
لماذا قد لا تشهد العلاقة تغييراً جذرياً؟
كريستيان كوتس أولريكسن، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمعهد بيكر التابع لجامعة رايس، يقول: "حقيقة أنَّ بايدن سيكون المرشح (الديمقراطي لانتخابات الرئاسة) هي مؤشر أكيد على أنَّ العلاقات الأمريكية السعودية لن تشهد تغييراً جذرياً".
وأضاف أولريكسن: "باعتبار بايدن وسطياً، سيواصل التعاون مع السعودية. قد يكون أقل حماية للأمير محمد بن سلمان من ضغط الكونغرس مقارنة بإدارة ترامب. لكن تقل احتمالات حدوث تصدّع أو انقسام أكثر تطرفاً في العلاقات مثلما هو متوقع أن يحدث مع (مرشحين) آخرين".
في ظل شجب الديمقراطيين في الكونغرس دونالد ترامب لعلاقاته الوثيقة مع السعودية على مدى السنوات الثلاث الماضية، تبدو الدعوة إلى تغيير جذري في العلاقات بين الرياض وواشنطن راسخة في سياسات الحزب.
يقول جان فرانسوا سيزنيك، خبير في شؤون الشرق الأوسط وأستاذ في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في واشنطن، إنَّ جزءاً من غضب الديمقراطيين ضد الرياض ربما كان بمثابة "عصا غليظة " ضد ترامب، بدلاً منه ضغط لتغيير موقف الولايات المتحدة في المنطقة.
وأضاف أن السعودية وإدارة ترامب ستحتاجان للوصول إلى تسوية "يقدم فيها كل طرف شيئاً" من دون المخاطرة بالتحالف بين البلدين.
وتابع سيزنيك أن السعوديين سيفرجون عن بعض السجناء السياسيين ذوي الجنسية المزدوجة والميول الليبرالية. كما سيتعين عليهم "التخلي" عن شخص ما من المتورطين في جريمة قتل جمال خاشقجي، ربما يكون سعود القحطاني، أحد كبار مساعدي بن سلمان الذي قيل إنه دبر عملية الاغتيال.
ماذا عن الاتفاق النووي الإيراني؟
وعلى الجانب الآخر، أشار سيزنيك إلى أن الولايات المتحدة ستلتزم بمواصلة تسليح المملكة، مدركة أنَّ صناعة الدفاع توفر فرص عمل في الوقت الذي يقترب فيه الاقتصاد العالمي من ركود كبير بعد أزمة "كوفيد-19".
ونظراً لأنَّ إيران هي العدو الأول لكل من الولايات المتحدة والسعودية، فإنَّ الدولتين على استعداد لإطالة أمد ارتباطهما على الرغم من الانتقادات المتزايدة في الولايات المتحدة ضد ولي العهد السعودي.
خلال فترة تولي جو بايدن منصب نائب الرئيس باراك أوباما، اضطلع بدور نشط في الترويج للاتفاق النووي الإيراني في الكونغرس، والآن وهو مرشح يقول إنه سيعيد إحياء الاتفاق إذا انتُخِب رئيساً.
وألغى ترامب الاتفاقية متعددة الأطراف، والمعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، في مايو/أيار 2018 بدعم واضح من الرياض.
وفي هذا السياق، قال كل من سيزنيك وأولريكسن إنَّ إعادة الانضمام إلى الاتفاقية لن يتمثل ببساطة في التوقيع عليها مرة أخرى.
وأوضح سيزنيك أنَّ المتشددين في إيران لن يكونوا منفتحين على إعادة التفاوض على الاتفاقية. وستعترض كذلك القوى الموالية لإسرائيل داخل الكونغرس الأمريكي، بما في ذلك في الحزب الديمقراطي، على العودة للاتفاقية.
وقال سيزنيك: "لا أعتقد أنَّ نظرة واشنطن إلى التهديد الإيراني ستتغير سواء كان بايدن موجوداً أم لا".
من جانبه، قال أولريكسن إنَّ المفاوضات الأمريكية الإيرانية الجديدة يجب أن تضم الدولة الخليجية، وقد يتردد الإيرانيون في الالتزام باتفاق آخر ربما تلغيه الإدارة المقبلة. وأضاف: "وقد يرفض الإيرانيون حتى العودة إلى طاولة المفاوضات".
توازن مدروس
يُذكَّر أنَّ إدارة أوباما ونائبه بايدن التي وقَّعت على الاتفاق الإيراني الذي أغضب الرياض، هي نفسها التي دعمت المملكة في حربها في اليمن.
لكن المشهد السياسي الأمريكي قد تغير على مدى السنوات الخمس الماضية، وأصبحت معارضة الحرب التي تقودها السعودية قضية سياسة خارجية رئيسية للديمقراطيين.
وسيجد أي رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض أنه من المستحيل تقريباً الحفاظ على نفس مستوى دعم ترامب للمملكة السعودية على خلاف توصيات الجماعات الحقوقية وكتلة حزبه في الكونغرس.
وقال ماركوس مونتغومري، الزميل في المركز العربي بواشنطن الذي يتابع شؤون الكونغرس، إنَّ بايدن سيحاول إبعاد إدارته عن الحرب في اليمن من دون قطع الدعم الكامل لجهود المملكة الحربية.
وفي تصريح لموقع Middle East Eye البريطاني، قال أولريكسن: "قد يفرض بايدن المزيد من الضغط على السعوديين للالتزام بعملية سياسية تهدف لإنهاء القتال والانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار في ما بعد النزاع".
وأضاف: "ستقل الحرية الممنوحة لمواصلة القتال التي بدا في بعض الأحيان أنَّ إدارة ترامب تقدمها من خلال مقاومة ضغط الكونغرس".
وتابع: "يجب أن يكون هناك توازن مدروس بدقة بين الضغط المحلي والعلاقات الدولية. ولم يتضح لي بعد ما إذا كان يمكن تحقيق هذا التوازن أم لا".