بعد انهيار أسعار النفط الأمريكية مساء الإثنين 20 أبريل/نيسان، وتسجيلها أرقاماً سالبة لأول مرة في التاريخ، في ظل تراجع الطلب وامتلاء المخازن، وتراجع أسعار النفط عالمياً بسبب أزمة كورونا وما تبعها من أزمة إغراق السعودية الأسواق العالمية بالنفط منذ آذار/مارس الماضي، ظهرت تساؤلات كثيرة حول الفروقات بين أنواع خامات النفط، ومقاييس تسعيرها للنفط العالمي. في هذه المادة سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات وتبسيط هذه المفاهيم الأساسية للقارئ.
بداية، ما الذي حدث يوم "الإثنين الأسود" في أسواق النفط؟
شهدت أسعار النفط، صباح الإثنين 20 أبريل/نيسان، تراجعاً ملحوظاً منذ بداية التعاملات، وبصفة خاصةٍ العقود الآجلة للخام الأمريكي غرب تكساس الوسط، الذي هبط في البداية بنحو 26.2% إلى أقل من 15 دولاراً وهو أقل مستوى له منذ 1999، نتيجة للمخاوف من أن طاقة تخزين الخام بالولايات المتحدة ستمتلئ قريباً، بينما تتأهب الشركات للإعلان عن أسوأ نتائج فصلية منذ الأزمة المالية.
لكن مع حلول المساء انهارت أسعار العقود الآجلة (تسليم مايو/أيار المقبل) إلى ما دون الصفر وظلت كذلك حتى وصلت إلى سالب 37 دولاراً، والسبب هو أن تلك العقود ستسقط الثلاثاء 21 أبريل/نيسان؛ وبالتالي سيضطر المنتجون إلى تخزين الخام حتى حلول موعد تسليمات عقود يونيو/حزيران، وهو ما يكلفهم كثيراً، حيث إن المضاربين في عقود البترول لم يجدوا مشترين لعقود شهر مايو/أيار التي تنتهي اليوم، فقاموا ببيعها بأي سعر، حتى لا يتحملوا عبء تخزين البترول.
والعامل الرئيسي لتراجع الأسعار وهو انخفاض الطلب العالمي على النفط بشكل عام، بسبب جائحة كورونا التي أجبرت العالم على إغلاق معظم الأنشطة الاقتصادية، خصوصاً السفر سواء جواً أو براً أو بحراً.
أما السبب الثاني المباشر هو حرب أسعار النفط التي أشعلتها المملكة العربية السعودية مطلع مارس/آذار الماضي، بسبب الخلاف مع روسيا حول تخفيض الإنتاج؛ وهو ما أدى إلى فقدان النفط أكثر من 50% من سعر البرميل مرة واحدة.
باختصار، هذا ما حدث يوم الإثنين لخام غرب تكساس الوسيط، الذي يختلف تماماً عن خام برنت الأوسع انتشاراً والمؤثر أكثر في سوق النفط العالمي. فما الفرق بينهما؟
1- ما هو خام غرب تكساس الوسيط؟
يعتبر خام غرب تكساس أو ما يسمى بـWest Texas Intermediate (WTI)، خاماً خفيفاً يستخرج من آبار النفط في الولايات المتحدة فقط، وينقل عبر أنابيب ما يعني وجود عوائق لوصوله إلى موانئ الشحن وبالتالي إلى روابط النقل العالمية. ويتميز خام تكساس بأنه أخف من مزيج برنت، وهو مثالي لاستخراج البنزين ويستخدم لتسعير عقود النفط في الولايات المتحدة فقط، نظراً إلى أنه يستخرج بشكل أساسي من الولايات الداخلية مثل تكساس ولويزيانا ونورث داكوتا.
ويحظى خام غرب تكساس الوسيط بمستوى أقل من الشوائب مقارنة مع غيره من الخامات، لاحتوائه على 0.24٪ من الكبريت فقط، ولذلك فهو سهل التكرير والنقل مقارنة بالنفط الثقيل الذي يحوي مكونات شمعية عالية الكثافة وذات لزوجة أعلى.
وامتنعت مصافي النفط في أمريكا عن شراء عقود مايو/أيار بسبب تخمة المعروض والمخزون لديها، خاصة أن التوقعات تشير إلى استمرار تراجع الطلب في السوق بسبب إجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا التي أضعفت استهلاك البنزين والمواد البترولية الأخرى في المصانع والطائرات والسيارات.
2- ما هو خام برنت؟
أما خام برنت، أو ما يعرف بمزيج برنت (Brent Crude) فهو المزيج الأوسع انتشاراً في عقود النفط العالمية، وهو خام نفطي يستخدم كمعيار لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمي، خاصة في الأسواق الأوروبية والإفريقية، ويتكون برنت من مزيج نفطي من 15 حقلاً مختلفاً في منطقتي برنت وتينيان (بعضها يقع في المملكة المتحدة والبعض الآخر في النرويج) اللتين تنتجان نحو 500 ألف برميل يومياً.
ويعتبر مزيج برنت من أنواع النفط الخفيفة الحلوة بسبب وزنه النوعي البالغ 38 درجة وانخفاض نسبة الكبريت التي تصل إلى 0.37%، ويعتبر برنت من أنواع النفط المثالية لإنتاج البنزين ووقود التدفئة. وبناء على الفروق بينه وبين الخامات الأخرى، تستخدم قيمته لتسعير ثلثي واردات العالم المتداول بها من النفط الخام، إذ يعتبر معياراً للعديد من أنواع البترول في إفريقيا والشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية تستهلك أغلب إنتاج خام برنت، لكنه يصدر أحياناً إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الإفريقية، إذا كان الفرق بين سعره وسعر النفط المماثل في هذه الأسواق أكبر من تكاليف الشحن. ويعتبر إشراف حقوله على النضوب مشكلة كبيرة للمتعاملين الذين بدأوا يبحثون عن بديل للتسعير.
بالنسبة إلى سبب تسميته، فقد اشتق اسم برنت من لقب أطلقته شركة شل على حقل نفط قامت بالتحقق منه في منطقة بحر الشمال، وقد اعتادت شل على تسمية الحقول النفطية بأسماء طيور، لذلك سمت المنطقة باسم إوز برنت. كما أن اسم برنت عبارة عن اشتقاق من أسماء الطبقات الجيولوجية الأربع المكونة للحقل، وهي برووم ورانوش وإتيف ونيس وتاربيت.
كيف يتم تصنيف النفط في العالم، وما مقاييس تسعيره؟
تستخدم الخامات القياسية -مثل مزيج برنت وغرب تكساس- للمساعدة في تسعير مختلف أنواع النفط في العالم، ويتم التسعير بناء على مدى اختلاف الأخيرة عن الخامات القياسية، ومدى بعدها عن أسواق هذه الخامات.
تاريخياً، كانت الفوارق بين أسعار خام برنت وباقي أنواع النفط مبنية على اختلافات مادية مرتبطة ببنية تلك الخامات، والاختلافات بين موازين الطلب والعرض على المدى القصير، وحالة المخزونات النفطية.
ويجري قياس جودة الخام عن طريق الكثافة "من الخفيفة إلى الثقيلة"، ونسبة تواجد الكبريت به "من الحلو إلى الحامض". ويعد الخام خفيفاً مع وزن نوعي تبعاً لمعايير "معهد البترول الأمريكي"، قدره 38 درجة أو أعلى، وثقيلاً مع 22 درجة أو أقل، فيما يكون النفط متوسط الكثافة بين 22 إلى 38 درجة. بينما يكون الخام حلواً باحتوائه على كبريت نسبته 0.5% أو أقل، وحامضاً أو مرّاً بنسبة كبريت تزيد عن 0.5%.
وتوجد درجات وأنواع متباينة من خامات النفط تتجاوز 180، أشهرها مزيج برنت وسعره يعد مرجعياً لحوالي ثلثي الخام عالمياً، وخام غرب تكساس، اللذان عرّفناهما سابقاً في هذه المادة. كما توجد خامات قياسية أخرى تستخدم في التسعير على نحو أقل، مثل سلة أوبك، وخام دبي وخام عُمان وتابيس الماليزي وخام ميناس الإندونيسي وغيرها.