بعدما حققت تفوقاً على موسكو في أقرب الأسواق إليها في أوروبا، يبدو أن السعودية تسعى إلى الاستيلاء على زبائن روسيا النفطيين في آسيا، في مؤشر على استمرار الصراع السعودي الروسي النفطي.
إذ تواصل السعودية وروسيا تبادل الضربات الخلفية في حرب نفط غير معلنة بين البلدين رغم أنهما طرفان رئيسيان في الاتفاق الذي تم التوصل إليه لتحقيق خفض قياسي في الإنتاج يفترض أن يدخل حيز التنفيذ الشهر القادم.
ويهدف الاتفاق إلى خفض الانتاج بما يقارب 10 ملايين برميل من النفط يومياً من أعضاء "أوبك +" ابتداء من الأول من مايو 2020″.
والأغرب أن حرب النفط هذه تتواصل بينما سجل النفط أدنى مستوى في تاريخه.
وكان سعر خام غرب تكساس الأمريكي قد انهار مساء أمس الإثنين 20 أبريل/نيسان ليصل إلى سالب 37.63 دولار (سعر الإغلاق)، ثم عاود الصعود لمستواه الطبيعي اليوم الثلاثاء 21 أبريل/نيسان حيث سجل مستقرة نحو 20.54 دولار للبرميل (لعقود يونيو/حزيران).
السعودية تسعى إلى الاستيلاء على زبائن روسيا النفطيين في آسيا
وأظهرت بيانات شحن حللتها رويترز أمس الإثنين أن الأمر يرتبط بالسوق الفورية أكثر منه بأسعار العقود الآجلة، إذ تتواصل معركة طويلة الأمد على الحصص السوقية، وبخاصة في آسيا.
والسعر الفوري للخام يعني توقيع العقد بين المنتج والمشتري واستلام الخام فوراً.
وقال الجانبان الأسبوع الماضي إنهما مستعدان لاتخاذ إجراءات إذا لزم الأمر لتحقيق التوازن بالسوق عبر خفض مشترك للإنتاج مع باقي أعضاء أوبك+ بدءاً من مايو/أيار المقبل.
ولكن خلف هذه البيانات التي تتحدث عن التعاون، "لا تزال المعركة دائرة"، حسبما قال مصدر بشركة تجارة لوكالة رويترز.
لماذا تركز السعودية على السوق الآسيوية؟
أسعار البيع الرسمية السعودية تشير إلى أن المملكة تستهدف السوق الآسيوية، حيث لا يزال الطلب متيناً بعض الشيء في ظل إجراءات العزل العام العالمية، حسبما قال المصدر لرويترز.
تعتمد روسيا على الأسواق الآسيوية كوجهة لإنتاجها النفطي منذ تدشين خط أنابيب شرق سيبيريا المحيط الهادي البالغة طاقته 1.6 مليون برميل يومياً. ويربط هذا حقولاً روسية بأسواق آسيوية عبر ميناء كوزمينو، منفذ صادرات البلاد الشرقي الرئيسي، وأيضاً عبر فرع من خط أنابيب شرق سيبيريا المحيط الهادي يربطه مع الصين، أكبر مستهلك آسيوي.
إغراءات سعودية غير مسبوقة.. اشتروا النفط بالتقسيط
وخفضت أرامكو أسعار البيع الرسمية لخامها إلى آسيا في مايو/أيار 2020، بما يتراوح بين ثلاثة دولارات وخمسة دولارات لمختلف درجاتها في ثاني شهر من التخفيضات الكبيرة. وفي الوقت نفسه، كانت التخفيضات السعرية على شحنات أرامكو لأوروبا أقل، مع زيادات طفيفة على درجاتها الأثقل.
وبالمثل، خفض العراق والإمارات والكويت أسعار مايو/أيار على النفط الخام المتجه إلى آسيا.
ودفع ارتفاع إمدادات النفط الخام السعودي تحميل مايو/أيار إلى الأسواق الآسيوية، إلى جانب انخفاض أسعار البيع الرسمية، الفروق السعرية لدرجات خام روسية مثل سوكول ومزيج شرق سيبيريا المحيط الهادي في آسيا إلى انخفاض حاد.
وبلغت الخصومات على كلتا الدرجتين، اللتين عادة ما يجري تداولهما بعلاوات مرتفعة فوق خام دبي القياسي، مستويات قياسية.
الصراع السعودي الروسي النفطي يمتد إلى أوروبا
كما تكسب السعودية أيضاً أرضاً في أوروبا، حيث الغلبة تقليدياً لصادرات النفط والغاز الروسية.
فقد أظهرت بيانات الشحن المتاحة على منصة رفينيتيف آيكون أن مبيعات السعودية لأوروبا في طريقها لأن تتجاوز 29 مليون برميل في أبريل/نيسان، بما يقل بفارق طفيف عن مستواها القياسي المسجل في أغسطس/آب 2016.
وستزيد إمدادات أرامكو من الخام العربي، بما في ذلك الخام العربي الخفيف، وهي الدرجة الأقرب إلى الخام الرئيسي الروسي من حيث الجودة، لإيطاليا وتركيا واليونان وفرنسا وبولندا في أبريل/نيسان 2020.
وجميع هذه الدول من المشترين المنتظمين للنفط الروسي.
الرياض تكسب أرضاً جديدة في السوق التقليدي للروس
وتفيد البيانات بأن شركات التكرير البولندية ستستورد كمية قياسية تبلغ 560 ألف طن من الخام العربي الخفيف عبر ميناء جدانسك خلال الشهر الحالي أبريل/نيسان 2020.
وقال متعاملون إن بولندا لن تستورد أي كميات منقولة بحراً من خام الأورال الروسي هذا الشهر للمرة الأولى منذ فترة طويلة، بينما ستظل إمدادات النفط العربي الخفيف لبولندا ثابتة في مايو/أيار.
وتعد بولندا أكبر اقتصاد بين دول أوروبا الشرقية التي انضمت للاتحاد الأوروبي.
وقال مصدر بمصفاة تكرير أوروبية لرويترز "مع تراجع الطلب تصبح المنافسة أكثر صعوبة. لا يمانع السعوديون في اتخاذ خطوات إضافية من أجل المشتري.
"ربما يكون على روسيا أيضاً التفكير في عروض خاصة".
وكانت رويترز قد ذكرت أن أرامكو، في مسعى لجذب مشترين بشكل أكبر، تعرض على شركات تكرير في آسيا وأوروبا خياراً لتأجيل مدفوعات لتسليمات شحنات من الخام بما يصل إلى 90 يوماً.
وقال متعاملون إن الميزة الرئيسية لدى روسيا في معركة السوق الحاضرة مع السعودية هي شبكتها المترامية الأطراف من خطوط الأنابيب التي تساعدها على توريد النفط بأسعار أرخص مقارنة مع منافستها التي يتعين عليها إيجاد ناقلات ودفع تكاليف النقل.
وقال متعامل في سوق النفط الأوروبية لرويترز "حقول النفط الروسية مرتبطة بمصافي تكرير في أوروبا وآسيا وشركات النفط لديها عقود طويلة الأجل معها.
"هي على عكس السعودية لا تخضع لأسعار الشحن وتوافر الناقلات".
السعودية أغرقت السوق الأمريكي
قبل الانهيار التاريخي للخام الأمريكي (خام غرب تكساس)، أمس الإثنين، أفادت تقارير بأن شحنات النفط السعودي إلى الولايات المتحدة تضاعفت أربع مرات تقريباً، منذ فبراير/شباط الماضي، وهو ما سبب مشكلة كبيرة للمنتجين الأمريكيين مع امتلاء أماكن التخزين، وانخفاض الأسعار، والضغط لخفض تصاعد الإنتاج المحلي.
وجاء هذا التوجه السعودي بعد الصفقة التاريخية مع روسيا والأعضاء الآخرين في منظمة أوبك وروسيا لتخفيض الإنتاج.
ويشير التوجه السعودي في أسواق النفط الرئيسية الثلاثة آسيا وأوروبا وأمريكا إلى رغبة المملكة في تقليل حصة منافسيها الرئيسيين روسيا والنفط الصخري الأمريكي، قبل دخول اتفاق وقف الإنتاج حيز النفاذ في شهر مايو/أيار المقبل.
ولكن من شأن محاولة الاستيلاء على زبائن موسكو وواشنطن إثارة غضب القوتين العظميين على المملكة، وقد يهدد اتفاق تخفيض النفط المقرر أن يدخل حيز النفاذ الشهر القادم، في وقت لا يبدو أن هناك مخرجاً قريباً من أزمة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي.