فضحت جائحة فيروس كورونا المستجد نقاط ضعف الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. وبالنسبة للدول الثرية النفطية في الخليج، جددت هذه الجائحة المخاوف العميقة بشأن الأمن الغذائي، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
اختبار صعب
لا تزال أرفف المتاجر الكبرى معبأة جيداً بالمواد الغذائية، باستثناء بعض الأجبان الطازجة والمأكولات البحرية المستوردة. لكن مع تعطيل الفيروس سلاسل التوريد العالمية، تتعامل الدول الصحراوية، مثل الإمارات التي تستورد ما يصل إلى 90% من الطعام الذي تستهلكه أعداد هائلة من الجاليات المقيمة فيها، مع المشكلة على أنها قضية أمن وطني.
ومن هنا، قرر المسؤولون الإماراتيون تخفيف القيود المفروضة على الواردات، ومنها اشتراط كتابة البيانات الإيضاحية بالعربية، وكذلك مد فترات الصلاحية، وخفض الرسوم، وتكديس شحنات بضائع إضافية على رحلات الطيران المُسيَّرة لإعادة المواطنين لبلدهم. ومُرِّرَت سريعاً الإجراءات التي تشترطها الشركات منذ سنوات. ووجد مجلس الإمارات للأمن الغذائي، الذي تأسس في فبراير/شباط، نفسه في مأزق وأعلنت الحكومة أنها ستعزز من مخزونها الغذائي الاستراتيجي.
وأعاد احتمال تعطل الإمدادات إلى الذهن ذكريات أزمة الغذاء العالمية التي بدأت في عام 2007، عندما اكتشف الخليج أنَّ الاحتياطيات المالية الضخمة التي كوّنتها من مبيعات النفط لم تضمن لها دائماً إمكانية الوصول إلى الإمدادات الغذائية؛ إذ فرضت الدول المنتجة قيوداً على الصادرات لحماية شعوبها من ارتفاع الأسعار. وتتلقى الإمارات بعض الإمدادات الغذائية حالياً من استثمارات قامت بها في مزارع أوروبا الشرقية وشرق إفريقيا بعد الأزمة الأخيرة.
يقول الباحث إيكارت فيرتز، المختص في الطاقة والأمن الغذائي: "تعلمت دول الخليج كثيراً من هذه التجربة. هذا الأمر أفزعها، لكنه أفادها".
فضح الأسواق
وحتى بالرغم من تلك الإجراءات، تظل الدول الخليجية أكثر عرضة لنزوات الأسواق في وقت يسوده اضطرابات هائلة. ووفقاً لموقع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، تستورد الولايات المتحدة 15% من إجمالي احتياجاتها الغذائية، بينما تستورد بريطانيا ما يقرب من نصف احتياجاتها.
في حين تعتمد جميع دول الخليج اعتماداً كبيراً على الواردات الغذائية، فقد عزز بعضها الإنتاج المحلي. إذ ردت قطر على مقاطعة جيرانها لها منذ عام 2017 بزيادة حجم إنتاجها المحلي الصغير، وتقول إنها مكتفية ذاتياً من منتجات الألبان والدجاج الطازج. بينما تنتج السعودية ما يكفي من الحليب والبيض لتلبية احتياجاتها، والتصدير أيضاً لدول الشرق الأوسط، وفقاً للسفارة السعودية لدى الولايات المتحدة. وأفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية الأربعاء، 15 أبريل/نيسان، بأنَّ الرياض خصَّصت مبلغ 532 مليون دولار لتمويل الواردات الزراعية من خلال قروض لدعم الأمن الغذائي خلال الجائحة.
رمضان يطرق الأبواب
من جانبها، فرضت الإمارات -التي سجلت 5365 حالة إصابة بمرض "كوفيد-19" و33 حالة وفاة- قيوداً صارمة على الحركة لمنع انتشار الفيروس، في الوقت الذي تستعد فيه مع بقية العالم الإسلامي لشهر رمضان المبارك الذي سيحِل الأسبوع المقبل. ومن المتوقع أن تظل المساجد مغلقة أمام الصلوات الجماعية ضمن جهود السلطات لمنع انتقال العدوى، لكن استهلاك الطعام يرتفع عادة في رمضان حيث يعد الناس وجبات عائلية كبيرة وحلويات يومياً للإفطار.
وسيكون العمال المهاجرون، الذين ينتمي أغلبهم لدول جنوب شرق آسيا ويكدحون في قطاعي البناء والخدمات في الإمارات، هم الأكثر عرضة لتقلبات الأسعار أو نقص الأغذية، في ظل فقدان العديد منهم وظائفهم أو وضعهم في إجازة غير مدفوعة الأجر بسبب التوترات الناجمة عن تفشي الفيروس. وتعهدت الإدارة المحلية في أبو ظبي، إحدى الإمارات السبع في الدولة، بتوسيع نطاق صندوق شبكة الأمان للفئات الأشد تضرراً.
العودة إلى الوطن؟
يقول دبلوماسي مقيم في أبوظبي لوكالة بلومبيرغ، كان يتابع استجابة الحكومة للأزمة، إنَّ السلطات الإماراتية يتعين عليها أيضاً إرضاء جحافل المغتربين الأثرياء الذين يمكن أن يعودوا إلى بلادهم إذا حرموا من مستوى المعيشة المرتفع الذي يتوقعونه. ويشعر المسؤولون بالقلق من أنَّ مخاطر تلاشي فرص العمل وقدوم الصيف الحار الذي يتزامن مع الذروة المتوقعة للفيروس يمكن أن تؤدي مجتمعة في تحفيز نزوح هؤلاء من الدولة.
من جانبه، أعلن مكتب BRF Global في دبي، أكبر شركة مُصدِّرة للدواجن في البرازيل، أنه قرر قبل شهر زيادة مخزونه في المنطقة، متوقعاً بقاء المزيد من الجاليات في الخليج بعد رمضان بسبب القيود على السفر وتفشي الفيروسات في بلادهم. وقالت الحكومة إنه للمساعدة في أزمة تخزين مُبلغ عنها، اتفق أربعة من كبار تجار المواد الغذائية، بما في ذلك عملاق التجزئة الفرنسي Carrefour، على توفير مساحة خالية للموردين لمدة شهرين للمساعدة في إبقاء الأسعار منخفضة.
وتُزرَع البطاطس والطماطم والخيار والأعشاب بالفعل في الإمارات. وتنتج أيضاً بعض اللحوم والبيض ومنتجات الألبان وحتى المحار محلياً. لكن من المحتمل أن تجدد تركيزها على تعزيز مجال الزراعة بمجرد انتهاء أزمة الفيروس.
وأعلن مكتب أبوظبي للاستثمار هذا الشهر أنه استثمر 100 مليون دولار لتشجيع أربع شركات متخصصة في التكنولوجيا الزراعية على بناء منشآت بحث وتطوير في الإمارة. بدورها، أعربت شركة AeroFarms -ومقرها الولايات المتحدة- عن رغبتها في بناء أكبر مزرعة رأسية من نوعها في العالم -حيث تُزرَع المحاصيل في طبقات- على أن تتم أول عملية حصاد في منتصف عام 2021.
وفي هذا السياق، قال دانييل موشاشاي، محلل الجغرافيا السياسية والبنية التحتية للشرق الأوسط في Castlereagh Associates، وهي شركة استشارية مقرها لندن: "من المرجح أن يضاعف صانعو السياسات اللجوء إلى الحلول القائمة على التكنولوجيا بعد انتهاء الأزمة. إذ ستساعد التكنولوجيا في توطين الإنتاج الذي تشتد الحاجة إليه، بما في ذلك إنتاج الغذاء".