دليل النصر في حرب كورونا.. 4 دول فقط حققت المعادلة، كيف فعلوها بينما فشل الآخرون؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/16 الساعة 18:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/16 الساعة 18:29 بتوقيت غرينتش
صورة لمواطنين في تايوان/ رويترز

تزامنت أول إصابة بفيروس كورونا في كوريا الجنوبية مع اكتشاف أول إصابة في الولايات المتحدة وبريطانيا، واليوم تتفاوت الحالات بين الدول الثلاث بشكل لافت؛ فكوريا الجنوبية لا تتخطى فيها الإصابات 30 يومياً، أما بريطانيا فالمتوسط 5000، وفي الولايات المتحدة 20 ألفاً، فهل هناك أسرار خفيّة في القصة؟

ما هي الدول الأربع؟

إضافة إلى كوريا الجنوبية، هناك أيضاً تايوان وأيسلندا وألمانيا، وقد أعدت شبكة CNN الأمريكية تقريراً اليوم الخميس 16 أبريل/ نيسان، بعنوان: "بينما جاءت استجابة الحكومات لوباء كورونا متخبطة، هؤلاء الأربع فعلوا الصواب"، ألقى الضوء على 12 درساً مستفاداً من تجارب الدول الأربع.

الدرس الأول: كن مستعداً

تايون تبعد جغرافياً عن الصين بـ180 كيلومتراً فقط، وهو ما يعني ببساطة أن انتشار فيروس كورونا كان يمكن أن يكون مدمراً، وبالفعل في نهاية يناير/كانون الثاني، كان مقدراً أن تايوان يوجد فيها ثاني أعلى عدد من الإصابات بعد الصين، ورغم ذلك فإن تايوان التي يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة لم تسجل سوى 390 حالة إصابة فقط، حتى اليوم الخميس، وأمس الأربعاء لم تسجل حالة واحدة جديدة، والوفيات بها 6 فقط.

لكن الأهم هنا هو أن تايوان نجحت في تحقيق ما يبدو مستحيلاً في معظم الدول الأخرى، دون أن تطبق إجراءات تقييدية صارمة مثل الإغلاقات أو وقف المدارس والحضانات.

وفيما يتعلق بعدد الوفيات، تايوان ليس لديها نسق تصاعدي من الأساس كي تسعى لخفضه، والسر هنا يكمن في "الاستعداد وسرعة القرار والقيادة المركزية والتتبع الصارم لأي أشخاص يُشتبه في مخالطتهم للحالة المصابة".

واستعداد تايوان نابع بالأساس من تجربة "سارس" السابقة، والتي جعلت الجزيرة تؤسس قيادة مركزية متخصصة لمكافحة الأوبئة يمكن تفعيلها بمنتهى السرعة حال ظهور بوادر وباء، وهو ما حدث بالفعل، حيث تم تفعيل المركز يوم 20 يناير/كانون الثاني، أي قبل اكتشاف أول حالة هناك من الأصل.

ولأن قيادة مركز الأوبئة موجودة بالفعل، فقد تمكنت من إصدار القرارات واتخاذ الإجراءات بسرعة دون تعقيدات بيروقراطية، فوضعت أكثر من 120 خطوة إجرائية قيد التنفيذ الفوري خلال ثلاثة أسابيع فقط، نشرها موقع الجمعية الطبية الأمريكية، وهذه اللائحة وحدها تصلح كدليل استرشادي لما يجب القيام به أثناء الأوبئة.

الدرس الثاني: كن سريعاً

تحركت تايوان قبل ظهور أول إصابة فيروس كوفيد-19 لديها، في 21 يناير/كانون الثاني، فقبل ذلك التاريخ بثلاثة أسابيع، ومع ظهور تقارير عن الوباء صادرة من ووهان، بدأت الخطوة الأولى، وهي صعود مسؤولي الصحة التابعين لمركز الأوبئة إلى الطائرات القادمة من ووهان وإجراء اختبارات الكشف عن الحرارة وأعراض الالتهاب الرئوي لكل الركاب، ويوم 20 يناير/كانون الثاني أصدرت تايوان تحذيراً من السفر إلى ووهان، وبعد ثلاثة أيام فقط من تسجيل أول حالة لديها بدأ مسؤولو مركز الأوبئة في إصدار بيانات يومية للشعب بشأن الوباء (لم تكن حتى منظمة الصحة العالمية قد اعتبرته وباء).

وبعد أسبوع واحد من ظهور أول حالة، بدأت تايوان مراقبة إلكترونية للأشخاص الموضوعين تحت الحجر الصحي، من خلال هواتف محمولة سلمتها لهم الحكومة، وتم إعلان تقييد السفر خروجاً ودخولاً إلى البلاد، وتحديداً من وإلى مقاطعة هوبي وعاصمتها ووهان، وظلت الحكومة تصدر قراراً جديداً كل يوم طوال شهر فبراير/شباط، بغرض واحد، هو محاصرة الفيروس وإبقاؤه بعيداً أو قيد الاحتواء.

الدرس الثالث: الاختبارات والتعقب والحجر الصحي

إجراءات الكشف والتشخيص والتتبع التي اتخذتها تايوان كانت حاسمة / رويترز

قامت السلطات التايوانية بحملة موسعة من اختبارات الكشف عن الفيروس وتتبع الأشخاص المصابين ووضعهم جميعاً في الحجر الصحي، كما قامت بإجراء اختبارات استباقية لأي شخص يركب سفينة أو عبارة، بل أعادوا الكشف على أي شخص تظهر عليه أعراض الإنفلونزا أو الالتهاب الرئوي، للتأكد من عدم وجود شبهة تشخيص خاطئ.

الدرس الرابع: استخدام البيانات والتكنولوجيا

جاءت استجابة الحكومة للوباء والالتزام التام من المواطنين منسقة بفضل الاستخدام الواسع لقاعدة البيانات والتكنولوجيا، حيث قامت تايوان بدمج قاعدة بيانات التأمين الصحي مع قواعد بيانات الهجرة والجمارك، بغرض تأسيس نشرات تحذيرية في الوقت الفعلي للمساعدة في تحديد الأشخاص الأكثر عرضة للعدوى.

وقد طبقت تايوان نظاماً إلكترونياً صارماً، يقوم من خلاله الشخص بالإبلاغ يومياً لمدة 14 يوماً بعد عودته من السفر أو خضوعه لعزل منزلي، كما طبقت الإقامة الجبرية الرقمية على نحو 55 ألف شخص، بحيث إذا غادر الشخص منزله يظهر إنذار فوري لدى السلطات.

الدرس الخامس: كن عدوانياً

نترك تايوان والدروس الأربعة التي طبقتها فتمكنت من احتواء الوباء بأقل خسائر ممكنة دون أن تصل لمراحل الإغلاق أو الحظر الإجباري، ودون أن يتعامل نظامها الصحي مع كارثة تُنهكه، ونصل إلى أيسلندا؛ حيث الدرس الخامس. وفي أي دولة تعاني من التفشي لا يتمكن أي شخص من إجراء اختبار الكشف عن كورونا إلا إذا كان مريضاً بالفعل، لكن في أيسلندا الأمر مختلف تماماً.

فقد وفّرت أيسلندا اختبار الكشف عن كورونا لكل من يرغب في إجرائه من مواطنيها، كما قامت بحملة وطنية مكثفة لإجراء الاختبارات، وهو ما كان عاملاً حاسماً في انخفاض عدد حالات العدوى والوفيات، بحسب المسؤولين هناك، فالبلاد فيها 1700 إصابة و8 وفيات فقط.

والحقيقة أن استجابة أيسلندا لم يكن فيها إبداع أو اختراعات، بل كانت دقيقة وسريعة، وهو ما جعل الحكومة لا تضطر لفرض إغلاق كامل، حيث يمكن أن يتجمع الناس على ألا يزيد العدد عن 20، وأن يحافظ كل منهم على مسافة المترين، وبينما تم تعليق الدراسة في الجامعات استمرت المدارس وحضانات الأطفال مفتوحة، ما أفسح المجال لأولياء أمورهم كي يواصلوا عملهم بشكل طبيعي.

أيسلندا قدمت تجربة أخرى ناجحة في مواجهة الوباء / رويترز

وتعليقاً على ذلك، قال خبير الأوبئة الرئيسي في أيسلندا، ثرولفور غودانسون، لسي إن إن: "منذ ظهرت أول حالة لدينا التزمنا بالخطة الموضوعة، وهي تعتمد على إجراء الاختبارات بشكل مكثف، وعزل المصابين أو من يشتبه بأنهم حاملون للعدوى وكذلك المخالطون. واستعنّا بعاملَي الصحة ورجال الشرطة لتعقب المخالطين لأي حالة جديدة نكتشفها، ووجدنا أن 60% من الحالات الجديدة التي تصاب بالعدوى يكونون أصلاً ضمن من يخضغون للحجر، لكونهم مخالطين، وهو ما يعني جدوى خطتنا للاختبارات والتعقب بشكل مكثف".

الدرس السادس: مشاركة القطاع الخاص

الخطوة الأخرى الحاسمة التي اتخذتها أيسلندا هي إشراك القطاع الخاص في المعركة ضد كورونا، وهو ما أدى لتصميم اختبارات سريعة للكشف عن الفيروس، مكنتها من إجراء الكشف على 10% من سكانها حتى اليوم، والهدف هو الكشف عن الجميع، وهو ما جعل من أيسلندا مختبراً ضخماً لجمع المعلومات عن الفيروس لصالح العالم كله.

ومن الاكتشافات الناتجة عن تلك السياسة اكتشاف أن 50% من الحالات الإيجابية هناك لم تظهر عليها أية أعراض، وهو ما جعل دولاً أخرى تتخذ إجراءات أكثر صرامة، مثل التباعد الاجتماعي، بعد أن أدركت أن منع التفشي أكثر صعوبة مما كانت تظن في البداية.

وقال كاري ستيفانسون، المدير التنفيذي لشركة ديكود جينيتزيم الخاصة، لسي إن إن، إنهم وجدوا 528 تحولاً من الفيروس من خلال الاختبارات الواسعة التي أجروها على عدد كبير من المواطنين، وهذه التحولات تكشف عن مدى الشراسة التي قد يصل إليها الفيروس، وتوفر بيانات ثمينة للعالم بغرض فهم أعمق لما يواجهه.

الدرس السابع: التصرف بطريقة وقائية

وزير صحة أيسلندا أكد على أهمية التحرك بسرعة، حتى تظل الدولة متقدمة بخطوات على منحنى تفشي الفيروس، وهو ما يبدو أن الدولة الأوروبية قد حققته بالفعل، فبمجرد الكشف عن ثلاث حالات عدوى قادمين من إيطاليا، فرضت أيسلندا على الفور إجراءات حجر صحي لكل العائدين من إيطاليا، ورفعت من مستويات إجراءات حظر السفر في الأسابيع التالية.

وأصدر المفوض العام للشرطة حالة طوارئ يوم 6 مارس/آذار، بعد تأكيد حالتي عدوى بين مواطنين لم يسافروا مؤخراً، وهو ما أدى لفرض حالة استعداد على مستوى الحكومة وهيئاتها لتحسين كل شيء دون الاضطرار لفرض عزل كامل على البلاد، وتم تحذير الأشخاص الأكثر عرضة للعدوى للابتعاد عن الأماكن المزدحمة.

وقامت الحكومة بإغلاق الجامعات والمدارس العليا، يوم 13 مارس/آذار، وحظرت التجمعات لأكثر من 100 شخص، يوم 16 مارس/آذار، وكان وقتها عدد حالات الإصابة المؤكدة 61 فقط ولا توجد وفيات، وبعد ثلاثة أيام تم فرض عزل صحي لمدة 14 يوماً على كل المواطنين العائدين من السفر خارج أيسلندا، بغض النظر عن أين كانوا، ويوم 24 مارس/آذار، مع حدوث أول حالة وفاة، حظرت أيسلندا التجمعات لأكثر من 20 شخصاً، وأغلقت البارات وحمامات السباحة العامة والمتاحف وصالات الألعاب الرياضية.

الدرس الثامن: استخدام التكنولوجيا واحترام خصوصية المواطنين

طوّرت أيسلندا تطبيقاً للمواطنين، يُساعد على منع انتشار العدوى، حيث يمكن للمواطن أن يُدخل بيانات تخص مكان وجوده بصورة طوعية، وعلى سبيل المقارنة نفس التطبيق لا يزال قيد التطوير في بريطانيا، وأمامه أسابيع حتى يكون جاهزاً للاستعمال.

كوريا الجنوبية نموذج ثالث ناجح / رويترز

وهنا نصل للدولة الثالثة؛ وهي كوريا الجنوبية، حيث إن استخدام التكنولوجيا فيها لمواجهة تفشي الوباء جاء بنتائج مذهلة، مقارنة ببريطانيا والولايات المتحدة، والدول الثلاث اكتشفت حالتها الأولى من العدوى في نفس الوقت تقريباً.

وتتفاوت طريقة إجراء الاختبارات للكشف عن العدوى من دولة لأخرى، كما تتفاوت معدلات الوفاة بصورة درامية، ففي كوريا الجنوبية المعدل هو أقل من 1 لكل 100 ألف من السكان، بينما في بريطانيا المعدل هو نحو 18 لكل 100 ألف، و8 في الولايات المتحدة.

الدرس التاسع: يمكن إجراء الاختبار من خلال السيارة

يكمن السر في نجاح تجربة كوريا الجنوبية في طريقة إجراء الاختبار والتشخيص المبكر والعلاج المبكر، حيث قامت بنصب أكثر من 500 مركز لإجراء الاختبار في أرجاء البلاد منذ اكتشاف الحالة الأولى، وتم تشكيل لجنة متابعة لإدارة الاستجابة الحكومية للفيروس.

لكن الأهم هو أن كوريا اتسمت بالإبداع في كيفية إجراء الاختبار لمواطنيها، فتم نصب المئات من "أكشاك الاختبار لسائقي السيارات" حول البلاد -مثل أكشاك بيع الطعام السريع التي توفر الخدمة للسيارات دون أن يضطر السائق لمغادرتها- وهو اختبار سريع يقوم به عاملو الصحة من على مسافات آمنة، وتلك الاختبارات مجانية.

وبالمقارنة نجد أن المواطنين في دولة مثل بريطانيا العظمى -على سبيل المثال- يعانون للحصول على فرصة لإجراء الاختبار، ويقوم الآلاف بطلب الاختبار المنزلي عبر البريد.

الدرس العاشر: التعلم من دروس الماضي

صحيح أن كوريا الجنوبية لم تتعرض لوباء سارس، حيث ظهر فيها ثلاث حالات فقط ولم تسجل حالة وفاة واحدة، إلا أن فيروس إنفلونزا الشرق الأوسط "ميرس" ضربها بشدة عام 2015، حيث سجلت 186 حالة عدوى و38 وفاة، وهو ما جعلها أكثر دولة يصيبها الوباء خارج الشرق الأوسط.

لذلك كانت الإرادة السياسية حاضرة بقوة لضمان عدم تكرار المأساة من خلال التحرك السريع واتخاذ كل الإجراءات الاستباقية الممكنة، كما أن كون كوريا الجنوبية من أكثر دول العالم تقدماً من ناحية التكنولوجيا قد أسهم في نجاح تلك الخطوات. وفي حالة تايوان، أفادت تجربة سارس كدرس من الماضي في التحرك السريع لمواجهة وباء كورونا بصورة مبهرة.

التجربة الألمانية

الدولة الرابعة في لوحة الشرف هذه هي ألمانيا، وإن كانت الحالة هنا مختلفة قليلاً، حيث لم تتمكن الدولة الأوروبية من إبعاد تفشي الوباء، وسجلت حتى اليوم أكثر من 135 ألف إصابة (المركز الخامس عالمياً)، لكن نجحت ألمانيا في خفض معدل الوفيات بصورة لافتة، مقارنة بإيطاليا وبريطانيا على سبيل المثال.

رغم التفشي نجحت ألمانيا في تحقيق المعادلة المستحيلة / رويترز

والسر في التجربة الألمانية يكمن في إجراء عدد كبير من الاختبارات، لكن النظام الصحي القوي والمستعد مثّل الضلع الآخر في معادلة النجاح، فالكشف المبكر عن حالات العدوى وتوفير الرعاية الصحية أسهما معاً في انخفاض معدل الوفيات بصورة ملحوظة.

ومنذ البداية لم يقتصر إجراء الاختبارات على المعامل المركزية أو الحكومية فقط، بل تم إشراك القطاع الخاص بكل إمكاناته، وهو ما أسهم في إجراء أعداد كبيرة من الاختبارات على مستوى البلاد بصورة منتظمة، والعامل الثالث كان توفر أجهزة التنفس الصناعي قبل الحاجة إليها، وهو ما أسهم أيضاً في احتواء حالات الوفاة.

وهناك عنصر آخر أساسي في تجربة ألمانيا، يتمثل في الاستعداد بالمستشفيات المجهزة، فعلى الرغم من أن ألمانيا تحتل المركز 18 عالمياً من ناحية توفر الرعاية الصحية على أعلى مستوى، بينما تحتل إيطاليا المركز التاسع بحسب نفس المقياس، فإن العنصر الحاسم هنا هو الموارد المتوفرة تحت تصرف نظام الرعاية الصحية، والتي اتضح أنها أعلى بكثير في ألمانيا من أي دولة أخرى في أوروبا والعالم.

تحميل المزيد