عشرات الدول أصبحت تراقب مواطنيها بسبب كورونا.. لكن الأسوأ ربما يكون بعد انتهاء الوباء

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/04/14 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/14 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش
طائرات مسيرة اعترضتها الشرطة الايطالية وهي في طريقها لتهريب هواتف لعصابات المافيا داخل السجون - صورة توضيحية - رويترز

قال باحثون ومدافعون عن حقوق الخصوصية من جميع أنحاء العالم إن وباء فيروس كورونا أفضى إلى تنامٍ عالمي غير مسبوق في إجراءات المراقبة الرقمية، حيث يواجه مليارات الأشخاص قدراً متزايداً من الرصد والمراقبة قد يصعب الحد منه بعد ذلك.

25 دولة على الأقل تقوم بتتبع حركة مواطنيها خلال أزمة كورونا

ويأتي ذلك في ظل استخدام الحكومات في 25 دولة على الأقل برامج واسعة النطاق لتتبع بيانات الهواتف المحمولة، وتطبيقات لتسجيل المكالمات الشخصية مع الآخرين، وكاميرات مراقبة مجهزة بإمكانيات التعرف على الوجه، وإجراءات تقضي بالحصول على تصريح للخروج، وطائرات بدون طيار تحلّق للمراقبة ولفرض أنظمة العزل الاجتماعي، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية.

وأخذ عدد كبير من الدول السلطوية والديمقراطية يتبنى تلك الأساليب، وفُتحت أسواق جديدة مربحة للشركات العاملة باستخراج البيانات الخاصة بطرق غير مشروعة وبيعها وتحليلها. وهو ما دفع أحد أبرز خبراء مراقبة الهواتف المحمولة في العالم إلى القول إن هذا الوباء "فعّل بدرجة كبيرة إجراءات استثنائية مشابهة لتلك التي اتخذت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول" وهو ما يمكن أن يفضي إلى انتهاكات خطيرة متعلقة بسوء استخدام السلطة.

وفي مقابلة مع صحيفة The Guardian البريطانية، قال رون ديبيرت، مدير "مختبر ستيزين لاب" (Citizen Lab)  بجامعة تورونتو الكندية، إن "معظم هذه التدابير لا تتقيد بشروط انتهاء. ومن ثم فهي يمكن أن تؤسِّس لما يصفه كثير من الأشخاص بأنه واقع جديد".

واقع جديد من انتهاك الخصوصية

ويقول ديبيرت: "أعتقد أننا يجب أن نكون منتبهين حقاً بشأن ذلك للتأكد من وجود ضمانات مناسبة مطبقة، لأن إمكانية إساءة استخدام السلطة حاضرةٌ على نحو مفرط… فيما يشبه إعادة تفعيل مكثف إلى حد ما للإجراءات التي اتخذت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول".

ففي الصين، على سبيل المثال، فرضت السلطات على مئات الملايين من الأشخاص تثبيت تطبيقات "رمز الصحة" التي تعيّن ما إذا كان يمكن للمستخدمين، وفقاً لتصنيفات يرُمز لها باللون الأخضر أو الأصفر أو الأحمر (لمن تتأكد إصابته بفيروس كورونا)، السفر أو مغادرة المنزل.

وفي أوروبا، عمدت بعض الحكومات الأكثر وعياً بحقوق الخصوصية في العالم إلى جمع بيانات المكالمات الشخصية واستخدام طائرات مسيرة لأغراض المراقبة ونسخ تطبيقات التتبع المستخدمة في آسيا. وفي الولايات المتحدة أيضاً، أعلنت كل من شركتي "جوجل" و "آبل" أنهما ستفتحان أنظمة تشغيل الهواتف المحمولة الخاصة بهما للسماح بإطلاق تطبيقات مماثلة، وسيُتاح تشغيلها على هواتف آيفون وأندرويد على حد سواء.

وعلى النحو نفسه، طلبت مدينة موسكو، التي يبلغ عدد سكانها 12 مليون نسمة، من المواطنين التقدم للحصول على "رموز استجابة سريعة" (QR codes) للسماح لهم بالخروج إلى الشوارع، وترمي السلطات إلى استخدام أكثر من 100 ألف كاميرا مراقبة مزودة بتقنية التعرف على الوجه لفرض خططها الخاصة بالعزل الذاتي.

ولم تختلف الهند كثيراً، فقد شرعت السلطات المحلية في تجارب لإطلاق تطبيقات تتبع الهواتف المحمولة، واستخدام صور السيلفي لتحديد الموقع الجغرافي للمستخدمين، وتعيين عناوين المرضى بفيروس كورونا.

تقنيات المراقبة تتغول علينا

ومع انتشار طرق المراقبة الرقمية، ظهر عدد من المبادرات الرقمية لرصد مدى تغول تلك التقنيات في جميع أنحاء العالم.

ويشير صامويل وودهامز، خبير قضايا الحقوق الرقمية بموقع Top10VPN في لندن والذي أصدر مؤخراً آلية لمتابعة إجراءات المراقبة الجديدة المتعلقة بفيروس كورونا، إلى أن "المشكلة لم تعد تقتصر على الحكومات السلطوية، فقد أخذت تنتشر في جميع أنحاء العالم. وبات كثير من التقنيات التي نراها متشابهةً على نحوٍ مثير للقلق".

ويجب الانتباه إلى أن التراجع عن إجراءات المراقبة تلك يعتمد في نهاية المطاف على مدى الإشراف العام الذي يدفع باتجاه ذلك.

يقول أريتم كوزليوك، رئيس مجموعة Roskomsvoboda لحقوق الإنسان ومقرها موسكو والتي أصدرت أخيراً أداة تعقبٍ عالمية تسمى Pandemic Big Brother، "لقد أظهرت [الأزمة] أن الاستخدام السلبي للتكنولوجيا يمكن أن ينشأ في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الدول الغربية. غير أننا نظن أن هذه الإجراءات ستخضع لمراقبة عامة أكبر في الديمقراطيات الغربية عما هي عليه في الأنظمة السلطوية بالكامل".

سارعت إسرائيل المعروفة باشتغال قطاعيها العام والخاص بتقنيات جمع المعلومات الاستخباراتية بتطبيق نظام مراقبة على نطاق وطني، في البداية بواسطة إجراءات تتبع الهواتف التي أقرها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ومع ذلك، عارض المشرعون خطةً تقدم بها وزير الدفاع نفنتالي بينيت، تقضي بإشراك شركة من القطاع الخاص في تحليل بيانات المواطنين، وقد تبين لاحقاً أن الشركة المعنية هي شركة تكنولوجيا التجسس الإسرائيلية المثيرة للجدل "مجموعة إن إس أو" NSO Group.

وكان بينيت قد حدد في تغريداته التي تناولت أجزاءً من خطته نظاماً من شأنه أن يمنح تصنيفاً من 1 إلى 10 للأشخاص من جهة احتمال إصابتهم بالفيروس، بناءً على تحركاتهم وعوامل أخرى.

حكومات عدة تستخدم أنظمة المراقبة الإسرائيلية

تقول صحيفة الغارديان، إن إسرائيل لا تستخدم نظاماً طورته شركة "إن إس أو"، لكن شخصاً مطلعاً على شؤون الشركة قال للصحيفة إن "عدداً من الحكومات" شرعت بالفعل في تجربة النظام الذي طورته الشركة لتتبع المصابين بالفيروس.

ومع ذلك، قال متحدث باسم الشركة الإسرائيلية إنها لم تشغل التطبيق الذي طورته وأن البيانات المجموعة لا تجري مشاركتها مع الشركة. ونفى أن يكون التطبيق ينطوي على أي انتهاك للخصوصية، "فالبيانات المطلوبة لتشغيل النظام من قبل السلطات والحكومات تقتصر على بيانات إحصائية وتجميعية، وليست بيانات شخصية"، بحسب المتحدث باسم الشركة.

كما حذرت حملات أخرى من أن التركيز على تدابير المراقبة قد يصرف الموارد عن السبل المعنية بتدابير الصحة العامة، مثل رفع أعداد الاختبارات أو تزويد المستشفيات بمزيد من المعدات الطبية.

ويقول إيدن عمانوفيتش، وهو مدافع عن حقوق الخصوصية في "مؤسسة الخصوصية الدولية" ويقع مقرها في لندن، "هذا النوع من (الحلول التكنولوجية) قد يبدو جيداً على الورق، لكن الواقع أنه يقوض الجهود المبذولة لمكافحة المرض على المدى الطويل".

أساور للتتبع وتطبيقات رصد حركة مفتوحة

كانت دول آسيوية أول من استخدم على نطاق واسع تطبيقات تتبع جهات الاتصال والطرق الأخرى لتحديد أولئك الذين خالطوا أشخاصاً مصابين بالفيروس. وتستخدم السلطات في هونغ كونغ أساور للوافدين الذين تعمد إلى إدراجهم في تطبيق StayHomeSafe للجوال، و "عنوان حجر صحي" مسجَّل. وفي الوقت نفسه، أطلقت سنغافورة تطبيق TraceTogether الذي يستعين بتقنية البلوتوث للعثور على أي أشخاص يقترب إلى مسافة مترين من أي شخص تتأكد إصابته بفيروس كورونا لمدة نصف ساعة أو أكثر، وجعلته مفتوح المصدر سامحةً للدول الأخرى باستخدامه مجاناً.

وكان تتبع المخالطة والاتصال نهجاً فعالاً على نحو خاص في كوريا الجنوبية، فقد استخدمت السلطات بيانات نظام تحديد المواقع العالمي وكاميرات المراقبة وسجلات بطاقات الائتمان، لتحديد وتحذير الضحايا المشتبه بإصابتهم بالفيروس. لكن خبراء يقولون إن الاعتماد على تقنيات المراقبة ما كان ليكون فعالاً لولا الاختبارات واسعة النطاق التي أجرتها السلطات، فهو ما أتاح للمسؤولين التأكد بسرعة من حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا.

وبالعودة إلى أوروبا، أصبح اعتماد تطبيقات التتبع وإجراءات المراقبة الإلكترونية الأخرى قضيةً ملحة تثير القلق في بروكسل، حيث حذر الاتحاد الأوروبي الدولَ الأعضاء من المخاطر التي تكتنف مبادئ "الحقوق والحريات الأساسية" للاتحاد الأوروبي جرّاء اعتماد هذه التطبيقات.

وكانت السلطات في بولندا وهولندا وإسبانيا وأيرلندا والمملكة المتحدة أبدت اهتماماً أو بدأت في مناقشة استخدام تطبيقات التتبع الخاصة بالهواتف المحمولة لمساعدتها على تتبع وتعقب المصابين بالفيروس.

"خرائط حرارية" في أوروبا

وأعلن وزير الصحة البريطاني مات هانكوك يوم الأحد 12 أبريل/نيسان عن خططٍ لاستخدام تطبيق قائم على تعيين المكان عبر البلوتوث يحذّر المستخدمين إذا كانوا اقتربوا أكثر من اللازم من شخص يُشتبه في إصابته بفيروس كورونا. وأشار وزير الصحة الهولندي، هوغو دي يونغ، الأسبوع الماضي إلى أن 60 % على الأقل من السكان سيتعين عليهم تثبيت التطبيق ذاته على هواتفهم للشروع في تفعيله على نطاق واسع، وقال خلال المؤتمر الصحفي: "إننا نبحث الآن إذا كان من الممكن أن نطلب من الجميع فعل ذلك".

وفي الوقت نفسه، أصدرت شركات اتصالات في إيطاليا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى "خرائط حرارية" لتعيين أماكن تحرك المستخدمين، وتذرعت بأن بياناتهم مجهولة وتجميعية إلى حد يحول دون إمكانية تعقب أفراد بعينهم، ومع ذلك فإن تلك الإجراءات قد تكون منطوية على انتهاكات محتملة للائحة العامة لحماية البيانات الخاضعة لها تلك الشركات.

وقال جوليان كينغ، المفوض البريطاني الأخير لدى الاتحاد الأوروبي والذي شغل حقيبة الشؤون الأمنية في بروكسل، إنه يشعر بالقلق إزاء عدم وجود نقاش حتى الآن فيما يتعلق بخطر تلك الوسائل "على نوع المجتمع الذي نريده والقيم التي نعتز بها".

لروسيا تجربتها الخاصة

وفي روسيا، كشفت الأزمة عن إمكانات الدولة الكبيرة فيما يتعلق بالمراقبة الرقمية، لكن أيضاً عن افتقارها إلى القيود. وقال مسؤولون الشهر الماضي إنهم سيستخدمون تطبيقات الهاتف المحمول، وكاميرات المراقبة المزودة بإمكانية التعرف على الوجه، وأكواد الاستجابة السريعة (QR)، وبيانات الهواتف المحمولة، وسجلات بطاقات الائتمان ضمن إجراءات تكون منظومة كاملة للمراقبة الرقمية كانت المعارضة أطلقت عليها cybergulag [في إشارة إلى معسكرات الاعتقال السوفيتية غولاغ].

ومع ذلك، لا تزال معظم انتهاكات الحجر الصحي مطبقةً من خلال المراقبة المادية، المتمثلة في دوريات الشرطة وحواجز الطرق المنصوبة في الشوارع. وأشار بافيل تشيكوف، من منظمة  Agora الروسية المعنية بحقوق الإنسان، إلى أن تطبيق نظام أعقد قد يكون أمراً "باهظ الثمن" بدرجة تحول تطبيقه في جميع مناطق البلاد. وفي جمهورية تتارستان الخاضعة لروسيا، بدا نظام الولوج إلى الرسائل القصيرة مشابهاً على نحو مريب لتطبيق ركن سيارات محلي، وهو ما يشير إلى أن الحكومة ربما تكون عمدت إلى تعديل التطبيقات لأغراض المراقبة.

عندما طرحت موسكو أخيراً نظام "رمز الاستجابة السريعة" QR-code الخاص بها هذا الأسبوع، تعطل الموقع بعدها بوقت قصير، وظل معطلاً حتى صباح يوم الإثنين. وقال مدافعون عن الخصوصية إن البيانات الشخصية الموضوعة في النظام قد لا تظل آمنة. وقال أحد خبراء أنظمة المصادر المفتوحة في روسيا: "إذا تمكنوا من تشغيل ذلك النظام، فأنا ليس لدي أي ثقة في أن هذه البيانات ستبقى خاصة".

تحميل المزيد