إيران تقول إنها لا تريد سلاحاً نووياً، فلماذا لا تصدقها واشنطن؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/04/12 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/12 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
إيران زادت من تخصيب اليورانيوم بعد تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي بشكل كبير- رويترز

نشرت مجلة ذا ناشيونال إنتريست الأمريكية تقريراً بعنوان: "لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تصدق إيران عندما تقول إنها لا تريد أسلحة نووية"، ألقى الضوء على الموقف الداخلي لطهران وانعكاساته على القرار المتعلق بتطوير برنامجها النووي لتتمكن من إنتاج قنبلة نووية.

هل التقارير الصحفية صحيحة؟

إذا صحت التقارير الصحفية، فإن إيران تريد إذن بناء قنبلة، ولكن مع مرور شهرين على صمتها عن ردها على الغارة الأمريكية التي قتلت اللواء قاسم سليماني، تبدو البلاد عازمة على إرسال الإشارات بدلاً من حيازة الأسلحة.

ففي يناير/كانون الثاني، هدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بالانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. لكنه لم يبدِ مزيداً من الإشارات منذ ذلك الحين. وفي الأسبوع الماضي، دعت طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى ترصد أنها ضاعفت ثلاث مرات من مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب، وهي خطوة أولية نحو إعادة تشغيل برنامج الأسلحة النووية الخاص بها، لكنها خطوة لا تكفي لأن يُنظر إليها بوصفها برنامج تسليح متجدداً.

تردد إيراني غير منطقي

للوهلة الأولى، يتعارض تردد إيران مع التصور التقليدي، إذ تؤكد كل من كوريا الشمالية، وبوتين، والمفكرون الأمريكيون أصحاب المذهب الواقعي الجديد، جميعهم على السواء، أن أعداء الولايات المتحدة يسعون إلى امتلاك السلاح النووي، لأنه خيار واضح وعقلاني.

إذ يقولون: "انظروا فحسب إلى معمر القذافي: تخلى القذافي عن برنامج الأسلحة النووية الخاص به في 2003، وفي غضون عقد من الزمن، سقط ضحية ثورة مدعومة من الغرب تركته تحت رحمة شعبه وعلى الجانب الخطأ من المدفع".

ترامب الرئيس الأمريكي أمريكا صاروخ إيراني
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/ رويترز

لكن الواضح أن إيران تستوعب الدروس من ليبيا وثورات الربيع العربي أفضل بكثير من الروس أو الكوريين الشماليين أو كثير من الأكاديميين الأمريكيين.

الأوضاع الداخلية أخطر

علَّم العقد الماضي طهران درساً، مفاده أن الديكتاتوريين في الشرق الأوسط أقرب إلى أن يُقتلوا أو يُطاحوا على يد شعوبهم من أن يطاحوا على يد الولايات المتحدة. وفي الأعوام التسعة الأخيرة، خضعت أنظمة الدول الثلاث المجاورة لليبيا للتغيير. كانت هذه الأنظمة محظوظة من نواحٍ كثيرة، فلم يُغتل رؤوسها مثلما حدث مع علي عبدالله صالح باليمن، أو تدخل في حرب أهلية ممتدة لعقد من الزمان مثلما حدث مع بشار الأسد بسوريا. وفي جميع هذه الأمثلة، لم تكن الأسلحة النووية ستحول دون وقوع انتفاضة من الداخل.

احتجاجات إيران/رويترز

مع وضع هذه الحقيقة في الحسبان، قد لا يبدو إنفاق مزيد من الموارد على برنامج سلاح نووي بالنسبة لإيران أكثر جاذبية مما كان عليه بالنسبة لليبيا قبل 17 عاماً، فقد ذكر خبراء منع الانتشار النووي أن الجانب المالي شكَّل عبئاً ثقيلاً على كاهل القذافي خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية العقد الأول من الألفية الجديدة.

وعلى الرغم من أن إيران اليوم أقرب بكثير إلى امتلاك سلاح نووي مما كان عليه القذافي آنذاك، فإن عبور خط النهاية ثم الحفاظ على ترسانة نووية ملائمة يتطلب من طهران إنفاق الموارد الحيوية التي تحتاجها لتعزيز اقتصادها المحلي.

العبء المالي مقامرة غير مضمونة

ولعل إيران، مثل القذافي في مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة، تخشى مستقبلاً تقبع فيه تحت وطأة العزلة الدولية أكثر من خشيتها من مستقبل بلا أسلحة نووية. لدى إيران، مثل ليبيا، اقتصاد معتمد على صادرات الطاقة والتكنولوجيا المتطورة والواردات من الآلات، وهو ما يجعلها عرضة بشكل خاص للعقوبات. في ظل هبوط أسعار النفط لمستويات صادمة تصل إلى 34 دولاراً لبرميل خام برنت، سوف يعتمد مستقبل النظام على وضع الاستثمار الأجنبي باتجاه تنويع مصادر الاقتصاد.

فضلاً عن أن إيران لديها شعب يتوق إلى التغيير، مثلما هو الحال مع الليبيين والشارع العربي على النطاق الأوسع في 2011، ومزيد من العزلة الاقتصادية لإيران قد يعني في نهاية المطاف انفجار الوضع المحلي الهش بالفعل.

تعرف طهران تمام المعرفة، بالنظر إلى تجربة إسرائيل، أن الأسلحة النووية لا تمنع دائماً الصراع التقليدي. في الفترة التي سبقت هجوم مصر وسوريا المفاجئ على إسرائيل في 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، كان الرئيس المصري أنور السادات على دراية تامة ببرنامج السلاح النووي الذي تملكه إسرائيل، لكنه لم يمنعه.

وفي واقع الأمر، كانت الأيام الأولى للعملية المصرية ناجحة للغاية، لدرجة أن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، موشي ديان، أبلغ رئيسة الوزراء الإسرائيلية حينها، غولدا مائير، أنه كان يخشى من "تدمير الهيكل الثالث" في القدس.

مخاطر ضربة عسكرية

يضاف إلى هذا أن إيران ليست واهمة إطلاقاً بأن الخطوات الأخيرة في مسار امتلاك أسلحة نووية ستكون بلا مخاطرة عسكرية، ففي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، شنت إيران وإسرائيل هجمات على المفاعل النووي الخاص بصدام حسين، وهو ما قضى فعلياً على برنامجه قبل أن يتمكن من تحقيق غاية تصنيع أسلحة. وفي 2007، دمرت إسرائيل المفاعل النووي الخاص بسوريا في منطقة دير الزور.

وليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة حتى على تدمير منشأة التخصيب الإيرانية المدفونة عميقاً في فوردو، لكنها تستطيع بالتأكيد أن تضرب منشآت حيوية؛ بل ربما تستطيع استهداف أهداف غير نووية مثل شبكات الطاقة في إيران.

يشير كل هذا إلى أنه عندما قال المسؤولون الإيرانيون إنهم لا يريدون الحصول على قنبلة، ربما كان يجب على الولايات المتحدة أن تنصت. فإذا أنصتت، فسيكون من المنطقي أن تضاعف جهودها عن طريق تذكير الإيرانيين بجميع الأسباب الوجيهة التي تدعوهم إلى إيقاف مساعيهم.

تحميل المزيد