مصائب قوم عند قوم فوائد.. ينطبق هذا المثل على انهيار أسعار النفط، فقد خسر المنتجون للنفط غالبية الدخل، بينما استفادت الدول المستوردة وعلى رأسها الصين من الأسعار المنخفضة، ورغم توقف النشاط الاقتصادي فإن بكين لم تقلل من وتيرة شراء النفط، فما القصة؟
شبكة سي إن إن الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "الصين كانت تخزّن النفط على مدى سنوات، وانخفاض الأسعار يمنحها سبباً لشراء المزيد"، ألقى الضوء على استراتيجية بكين استعداداً لإعادة تشغيل اقتصادها بأقصى طاقته وبأقل التكاليف.
انهيار الأسعار
صار النفط في الوقت الراهن أرخص مما كان عليه منذ سنوات، وتلك أخبار رائعة للصين -ثاني أكبر مستهلك نفط وأكبر مستورد له- التي كانت تراكم احتياطيات هائلة منه، والتي تحتاج إلى الطاقة لإعادة تشغيل عجلة الاقتصاد لديها.
انخفضت أسعار النفط الأمريكي وخام برنت إلى أدنى مستوياتها على مدى 15 عاماً في الشهر الماضي، مع انهيار الطلب عليه بسبب حالة الإغلاق التي فرضتها جائحة فيروس كورونا، وفي ظل إغراق السعودية الأسواق بإمدادات إضافية لتخوض بذلك حرب أسعار مع روسيا.
مع أن الأسعار تعافت قليلاً منذ ذلك الحين أملاً في أن تتوصل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وروسيا إلى اتفاق على خفض الإنتاج، لا يزال هذا "توقيتاً جيداً بكل وضوح" لأكبر مستورد نفط خام في العالم، للمضي قدماً وجمع ما يمكن جمعه، وذلك بحسب دنيس إيب، رئيس بحوث الطاقة الخاصة بالصين وهونغ كونغ في شركة Daiwa Capital Markets للخدمات المصرفية الاستثمارية.
تخزين النفط الأجنبي
يحمل ادخار النفط الرخيص أهميةً خاصة بالنسبة للصين، التي كانت تعمل على مدى سنوات لدعم مخزون الطوارئ من احتياطيات النفط لديها.
ومع نمو اقتصاد البلاد، صارت الصين أكثر اعتماداً على النفط الأجنبي، وفي العام الماضي استوردت 72% من النفط الخام الذي استخدمته، وهي أعلى نسبة في تاريخها، حسبما أفاد معهد الاقتصاديات والتكنولوجيا التابع لمؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، وهو الذراع البحثية لشركة الطاقة الرئيسية المملوكة للدولة في الصين.
إذ إن الاعتماد الكبير على الإمدادات الأجنبية من النفط دفع بكين نحو التركيز على طرق قادرة على منع نقص إمدادات الطاقة، وفضلاً عن إلزام شركات النفط المملوكة للدولة بزيادة الإنتاج، قضت البلاد سنوات تعمل على زيادة كمية النفط التي تحتفظ بها ضمن احتياطياتها.
يحمل الاحتياطي أهمية خاصة، بالنظر إلى مدى تراجع الإنتاج المحلي من النفط أمام المستورد منه، ففي العام الماضي، أنتجت الصين 191 مليون طن من النفط الخام، حسبما أفادت مؤسسة البترول الوطنية الصينية، أي أقل من 30% من استهلاكها السنوي، وقال إيب: "أصبح واضحاً أن الصين يجب عليها أن تولي -وسوف تولي- مزيداً من الاهتمام"، إلى زيادة الاحتياطي لديها.
ويفترض أيضاً أن يشكل هذا العام معلماً مهماً على طريق احتفاظ الصين باحتياطيها من النفط، فمع نهاية 2020 تريد البلاد امتلاك 85 مليون طن من النفط في مخزون الطوارئ الخاص بها، ويعادل ذلك تقريباً ما تحتفظ به الولايات المتحدة في احتياطي النفط الاستراتيجي الخاص بها، وهو أكبر مخزون احتياطي من النفط في العالم.
حتى إن باحثي الحكومة في الصين أشاروا إلى الفرصة المواتية التي تزامنت مع انهيار الأسعار في الشهر الماضي، وتحتاج البلاد إلى "استغلال فرصة الانخفاض الشديد في أسعار النفط"، وتعظيم حجم احتياطي النفط الاستراتيجي لديها قبل أن ترتفع الأسعار مرة أخرى، وذلك بحسب ما جاء في مقال نُشر في منصة إعلامية تابعة للدولة عن طريق وانغ لي، الباحث في وزارة التجارة الصينية.
فرصة سانحة لن تتاح كثيراً
يبدو أن بكين بدأت فعلياً في التخزين، وابتاعت الصين 44.9 مليون طن من الخام، في مارس/آذار، وهي زيادة كبيرة عن الكمية التي ابتاعتها في فبراير/شباط، والمقدرة بـ39.8 مليون طن، التي تعد أقل كمية حصلت عليها منذ 11 شهراً، بحسب شركة Refinitiv، المتخصصة في بيانات الأسواق المالية، وتتوقع الشركة أن تتجاوز واردات شهر أبريل/نيسان من النفط نظيرتها في الشهر الماضي.
تقترب كمية النفط التي اشترتها الصين في مارس/آذار من الكمية التي كانت تشتريها قبل بداية جائحة فيروس كورونا، بالرغم من أن الأزمة تسببت في كساد الصناعات في البلاد، فعلى سبيل المثال، بلغت كمية الطاقة المنتجة يومياً في الصين حتى شهر مارس/آذار حوالي 80% من مستويات الطاقة ما قبل فيروس كورونا، وكان السفر بالطائرات في الشهر الماضي أقل من نصف مستوياته قبل الجائحة.
ويمكن أن يكون بعض من هذا الخام الرخيص في طريقه إلى الاحتياطي الاستراتيجي للبلاد، ولاسيما أن الصين تشتهر بإضفاء السرية على المعلومات المتعلقة بمخزون الطوارئ لديها، مما يصعّب معرفة كيفية وتوقيت تخزينه.
لكن دعم الاحتياطي ربما ليس السبب الوحيد في أن الصين تريد مزيداً من النفط الآن. فمع خروج البلاد من الحالة الأسوأ التي خلفتها جائحة فيروس كورونا ومحاولة إعادة تشغيل عجلة الاقتصاد، سوف تحتاج الصين مزيداً من النفط. إذ تبدأ المصانع في فتح أبوابها مرة أخرى، وتعود السيارات إلى الطرق مع رفع حالة الإغلاق الكامل.
وتفتح مصافي النفط المحلية كذلك مرة أخرى، جنباً إلى جنب مع الأنشطة الاقتصادية الأخرى التي تضررت بسبب فيروس كورونا، وهو ما يعني أنها الآن قادرة على معالجة النفط الخام الأجنبي مرة أخرى، وفقاً لما أفاد به يان تشونغ ياو، مدير بحوث وتنبؤات النفط في آسيا بشركة Refinitiv.
وقال ستيفين إينيس، كبير الخبراء الاستراتيجيين في الأسواق العالمية في شركة Axi Corp: "الصناعات الصينية تعود إلى الحياة مرة أخرى، ويحتاجون إلى النفط، بل إلى المزيد منه".
وفي مقالته المنشورة في الشهر الماضي، قال وانغ، باحث وزارة التجارة الصينية، إن بيع برميل النفط بسعر أقل من 30 دولاراً للبرميل يعد "غير طبيعي"، وليس من المرجح أن يستمر طويلاً. وقد شهدت أسعار خام برنت ارتفاعاً يمضي في طريقه رويداً رويداً نحو كسر هذا الحاجز، إضافة إلى الدفعة التي حصل عليها النفط الأمريكي من جراء التوقعات بأن خفضاً كبيراً في الإنتاج قد يكون في الطريق.
وفي غضون ذلك، يتوقع أن يلتقي مسؤولو منظمة أوبك مع روسيا، اليوم الخميس 9 أبريل/نيسان، لمناقشة خفض العرض وإنهاء حرب الأسعار، ما قد يعطي أسعار النفط دفعة أخرى.
قال إينيس من شركة Axi Corp: "ثمة فرصة قوية بأن نشهد صفقة لمنظمة أوبك هذا الأسبوع". وأضاف أنه عندما تكون الأسعار رخيصة، من الحصافة الاستفادة من تراجعها.