في ظل انشغال العالم بالسعي لاحتواء تفشي جائحة كورونا والبحث عن علاج وتكثيف السعي للتوصل إلى مصل والحزن على من فقدوا حياتهم والدعاء لمن يصارعون من أجل حياتهم، لا يزال أصحاب نظريات المؤامرة بشأن الفيروس يعملون بطاقتهم القصوى مسببين مزيداً من الإرباك والفوضى بل والجرائم، وآخر تلك النظريات متعلق بتقنية الجيل الخامس (5G)، فما أصل تلك النظرية، وماذا يقول الخبراء عنها؟
جرائم واعتداءات
تعرضت ثلاثة أبراج لشبكات الجيل الخامس على الأقل لإشعال النار في بريطانيا بسبب انتشار شائعات تربط بين فيروس كورونا وتقنية الجيل الخامس (5G)، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
حوادث إشعال النار هي أحدث الجرائم الناتجة عن تلك الشائعة أو نظرية المؤامرة التي تزعم أن إطلاق البث التجريبي لشبكات الجيل الخامس في مدينة ووهان الصينية خريف العام الماضي هو السبب المباشر لظهور فيروس كورونا، حيث انتشرت مقاطع فيديو في بريطانيا لعمال يقومون بتوصيل أسلاك الفايبر الخاصة بشبكة الجيل الخامس وهم يتعرضون لمضايقات لفظية؛ سيدة زعمت أن شبكة الجيل الخامس "ستقتل الجميع".
وأكد متحدث باسم شركة فودافون المملكة المتحدة لموقع ذا فيرغ أن أربعة أبراج وليس ثلاثة فقط تم استهدافها في آخر 24 ساعة، مضيفاً أن الشرطة بدأت تحقيقاً في إشعال النار في أبراج شبكة الجيل الخامس. اللافت هنا أنه تم إشعال النار في برج آخر يتبع شركة EE في برمنغهام رغم أنه لا يقدم خدمة شبكة الجيل الخامس.
وقال متحدث باسم شركة EE لـ "ذا فيرغ": "يقوم مهندسونا حالياً بتقييم أسباب الحريق في أحد أبراجنا في برمنغهام ولو اتضح أنه حريق بفعل فاعل – وهو ما يبدو الأرجح حالياً – سنتعاون مع الشرطة للقبض على مرتكب الجريمة"، وأضاف أن "البرج يخدم عدة آلاف شخص في منطقة برمنغهام ويوفر خدمات 2G و 3G و 4G منذ سنوات والحريق تسبب في أضرار جسيمة".
متى ظهرت تلك النظرية، ومَن وراءها؟
وكالعادة في مثل هذه الشائعات ونظريات المؤامرة تظهر روسيا على الفور في صورة المتهم الرئيسي، وعلى الرغم من أن مجموعات كثيرة على فيسبوك كانت تغذي المخاوف الصحية من شبكة الجيل الخامس بشكل عام ومن بينها الربط بينها وبين ظهور كورونا، فإن تقريراً نشرته صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي حذر من أن حملات نشر الشائعات الروسية تستغل المخاوف الصحية من تقنية الجيل الخامس بشكل فعال.
لكن من المهم هنا ذكر معلومة أن قناة روسيا اليوم أمريكا (RT America) – شبكة التليفزيون الروسية التي تمولها الحكومة – بثت تقريراً منذ أكثر من عام زعم فيه أحد مراسلي القناة أن شبكة الجيل الخامس "قد تقتلكم جميعاً".
اللافت هنا أن عبارة "شبكة الجيل الخامس ستقتلكم جميعاً" تتردد في جميع الأدبيات – إن جاز التعبير – المرتبطة بتلك الشائعة أو النظرية، سواء في مقاطع الفيديو أو المنشورات التي تتم مشاركتها مئات الآلاف من المرات من خلال المقتنعين بتلك النظرية أو الشائعة، ومن الواضح أنهم في ازدياد، على عكس منطق الأمور.
ويبدو أنّ شائعة أو نظرية الربط بين الجيل الخامس وكورونا قد ظهرت للمرة الأولى على فيسبوك نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، مع اكتشاف أولى حالات العدوى بالفيروس في الولايات المتحدة، بحسب تقرير لـ "بي بي سي".
وبشكل عام، ينقسم أنصار هذه النظرية إلى معسكرين، يتبنى كل منهما تفسيراً؛ المعسكر الأول يزعم أن موجات الجيل الخامس بوسعها أن تثبط جهاز المناعة، جاعلةً الأشخاص أكثر عرضةً للإصابة بالفيروس، والمعسكر الآخر يرى أنّ الفيروس يمكن أن ينتقل على نحو ما من خلال استخدام تقنية الجيل الخامس.
هل هناك أي احتمال ولو من بعيد أن تكون بها نسبة من الصواب؟
بداية الربط بين ظهور فيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية بالتزامن مع إطلاق خدمات الجيل الخامس في المدينة الخريف الماضي كأول مدينة يتم فيها اختبار التقنية لا يمكن أن يكون صحيحاً لسبب بسيط هو أن الفيروس انتشر في العالم كله، وتفشى كبؤرة في إيران دون أن يكون للجيل الخامس وجود أصلاً، والأمر نفسه ينطبق على اليابان، والمدن البريطانية التي لا توجد بها أبراج لشبكة الجيل الخامس.
ويرى أستاذ علم الأحياء الدقيقة في جامعة ريدنغ، سيمون كلارك، أن "فكرة أنّ موجات الجيل الخامس تثبط جهاز المناعة لا تصمد أمام التدقيق. يمكن لجهاز مناعتنا أن يضعف بعد يوم متعب أو بفعل نظام غذائي غير جيد. تتعرّض مناعتنا إلى هذه التقلبات الطفيفة دائماً، وقد تجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات".
ويضيف الطبيب لـ "بي بي سي": "يمكن للموجات الكهرومغناطيسية أن تلحق ضرراً بأعضاء جسدك، حيث إنها ترفع درجة حرارتك، وهو ما يعني تعطيل جهاز المناعة. لكنّ (مستويات الطاقة من) الموجات الكهرومغناطيسية للجيل الخامس ضئيلة جداً، ولا يمكن لها بأيّ شكل أن تمتلك القوّة الكافية للتأثير على الجسم. أجريت دراسات كثيرة حول هذا الموضوع".
إن نظرنا إلى نطاق الموجات الكهرومغناطيسية، سنجد أن تلك المستخدمة في الجيل الخامس وغيره من تقنيات الهواتف المحمولة تنتمي إلى الفئة ذات الترددات المنخفضة. والموجات في هذه الفئة، الأضعف من موجات الضوء المرئي، ليست قوية بالدرجة الكافية لإلحاق ضرر بالخلايا، وذلك بخلاف الفئة ذات الترددات العالية التي تشمل أشعة الشمس والأشعة السينية المستخدمة في التطبيقات الطبية.
آدم فين، أستاذ طب الأطفال في جامعة بريستول، قال إنه من المستحيل أيضاً على شبكات الجيل الخامس نقل الفيروس. وقال: "إن الوباء الحالي ناجم عن فيروس ينتقل من شخص مصاب إلى آخر. نحن نعلم أن هذا صحيح. الفيروس يتم الحصول عليه من شخص مصاب بالمرض. إن عمل الهواتف والإنترنت متصل بأشياء مختلفة تماماً".
ونفى مايكل جوف، وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني، أمس الأحد 5 أبريل/نيسان، النظرية قائلاً في مؤتمر صحفي: "هذا مجرد هراء.. هراء خطير أيضاً".
كما أكد ستيفن بويس، المدير الطبي في خدمة الصحة الوطنية في إنجلترا، أن نظرية "المؤامرة" محض هراء، مضيفاً أن "قصة الجيل الخامس هراء تام. إنها من نوع الأخبار الكاذبة.. الواقع أن شبكات الهواتف المحمولة مهمة لنا جميعاً لا سيما في الوقت الذي نطلب فيه من الناس البقاء في منازلهم". وتابع: "هناك أيضاً شبكات الهواتف التي تستخدمها خدمات الطوارئ والعاملون في مجال الصحة، وأنا غاضب تماماً وأشعر باشمئزاز من مهاجمة الناس للبنية التحتية التي نحتاج إليها للتعامل مع حالة الطوارئ الصحية هذه".