أصبح الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يشعر بالخطر من اختراق محمد دحلان للسفارات الفلسطينية في الخارج، والتي تحوَّل بعضها إلى أدوات في يده يستخدمها للتجسس على الفلسطينيين في المهجر، ولمحاولة السيطرة عليهم.
استنفار عباس ظهر في دعوته أجهزته الأمنية، ومنها المخابرات العامة والسفارات الفلسطينية، إلى محاصرة النفوذ المتنامي القيادي السابق بحركة فتح .
ورغم أنه مفصول من حركة فتح، فإن دحلان لا يخفي طموحه السياسي، الذي يرى كثيرون أن هدفه النهائي هو أن يحل محل أبومازن في زعامة فتح والسلطة الفلسطينية، مدفوعاً بدعم إماراتي مصري إسرائيلي.
والرجل يجيد استخدام الأدوات التي يمتلكها، وأبرزها نفوذه بالسفارات الفلسطينية في الخارج.
قصة اختراق محمد دحلان للسفارات الفلسطينية
اختراق محمد دحلان للسفارات الفلسطينية بدأ خلال وجوده في السلطة الفلسطينية.
محمد دحلان كان قد سيطر على المشهد الأمني في كثير من السفارات الفلسطينية في الخارج، خاصة خلال توليه مسؤولية الملف الأمني بالسلطة الفلسطينية.
وتمكن دحلان من غرس أذرع له داخل تلك السفارات ليكونوا بمثابة العين له، حيث يجمعون المعلومات عن نشاطات الجالية الفلسطينية والناشطين العاملين في دعم المقاومة وحركة حماس.
وكانت مصر والسعودية وماليزيا والأردن بيئات مهمة يتحرك فيها دحلان لمراقبة وجمع معلومات حول نشاطات الجاليات الفلسطينية.
اختراق محمد دحلان للسفارات الفلسطينية زاد -على ما يبدو- بعد خروجه من السلطة.
نفوذ دحلان في السعودية
وتعد سفارات فلسطين لدى السعودية ومصر أبرز البعثات التي تضم موظفين وسفراء تابعين لمحمد دحلان، حيث يمارسون فيها أنواعاً عديدة من الابتزاز بحق الطلاب الفلسطينيين وأبناء الجالية الفلسطينية في تلك الدول.
وتقول مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، رفضت الكشف عن اسمها، إن السفارة الفلسطينية في الرياض والقنصلية الفلسطينية في جدة إحدى أبرز البعثات الدبلوماسية التي تحولت إلى أذرع لدحلان، وإن كان في الواجهة تراجع هذا الدور بعد فصله من حركة فتح، فإن دوره لا يزال نافذاً وبقوة عبر شخصيات تعمل لصالحه.
وحسب هذه المصادر، كان لمحمد دحلان ورجاله بالسفارة دور مهم في التجسس ونقل المعلومات عن الجالية الفلسطينية ونشاطاتها، خصوصاً المقربين والمنتمين منهم إلى حركة حماس، ورصد النشاطات وحركة وحجم التبرعات والأموال لصالح حماس.
لكن المصادر رفضت الكشف عن شخصية هؤلاء المقربين من دحلان؛ خوفاً من كشف أمرهم.
السفارة الثانية: معقل دحلان الأبرز في القاهرة، وهكذا يخترق الجالية
"نفوذ محمد دحلان بين موظفي السفارة الفلسطينية في القاهرة كبير جداً"، حسبما تقول مصادر خاصة لـ"عربي بوست" رفضت الكشف عن اسمها.
وأسس دحلان مكتباً خاصاً في القاهرة يعتبر بمثابة سفارة ثانية للفلسطينيين في مصر، بعد صراعه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ويعمل هذا المكتب مع عدد من موظفي السفارة الفلسطينية في القاهرة على تنفيذ وتسهيل كثير من الإجراءات والمعاملات الخاصة بالمواطنين الفلسطينيين، وتحديداً سكان قطاع غزة، في مصر.
ويتولى هذا المكتب هذه المعاملات عبر موظفين في السفارة الرسمية لفلسطين، وهذا بطبيعة الحال يعزز من مكانة دحلان ومن علاقاته داخل السفارة وفي أوساط الجالية المصرية بفلسطين.
التركيز على الطلبة الفلسطينيين
ويسعى محمد دحلان إلى اختراق الجالية الفلسطينية بالخارج؛ في محاولة لإيجاد نفوذ في أوساط الطلبة الفلسطينيين ومنها مصر، التي تعدّ ساحة أساسية بالنسبة له، بالإضافة إلى دول أخرى مثل ماليزيا.
وسعى دحلان إلى تجنيد عديد من الطلبة الذين يدرسون في مصر وتحويلهم إلى أعين وأدوات يتبعون له، يمارس من خلالهم أنشطة تجسسية، حيث يتم زرع طلاب يكونون بمثابة عملاء لدحلان بين أوساط الطلبة الفلسطينيين الذين يدرسون في الجامعات الفلسطينية، ويتم نقل معلومات حول اتجاهاتهم وميولهم السياسية، ومدى إمكانية تجنيد شخصيات أخرى منهم أو شراء ذممهم، ليتحولوا فيما بعد ومع مرور الوقت إلى شخصيات تصبّ في خدمة مشروع محمد دحلان التخريبي في المنطقة.
وهذا ما تمّ فعلاً مع أحد الطلبة الفلسطينيين الذي كان يدرس الهندسة في جامعة مصرية والذي رفض الكشف عن اسمه والجامعة التي يدرس بها.
ويقول لـ"عربي بوست"، إنّه كان يعيش بالسعودية وجاء ليدرس الهندسة المدنية على حسابه الخاص في إحدى الجامعات المصرية.
وأضاف أنّه تعرف على الجالية الفلسطينية في الجامعة التي يدرس بها، وتوطدت علاقته مع أحد الأشخاص الذي كان بمثابة حلقة الوصل مع دحلان، حيث عرض عليه هذا الشخص منحة مالية وقبِلها، ومع مرور الوقت عرض عليه الشخص التقاء محمد دحلان في القاهرة، وهذا ما تمّ فعلاً، حيث اجتمع به في إحدى الشقق، ليتم استدراجه فيما بعد وتجنيده، ليكون بمثابة عين له في الجامعة التي يدرس بها، على الطلبة الفلسطينيين، حيث كان دحلان قد ابتعث عدداً كبيراً من الطلبة في الجامعة نفسها ليدرسوا على حسابه، ويريد معرفة توجهاتهم واتجاهاتهم وميولهم السياسية.
وتابع: "تحولت فيما بعد إلى شخصية تابعة لدحلان؛ بل أعمل بشكل رسمي معه"، وبدأ يعرف أخبار الطلبة واتجاهاتهم وميولهم، حيث يتم انتقاء الأنسب لدحلان في المرحلة المقبلة وتحديداً بعد الانتهاء من دراسة مرحلة البكالوريوس، ويتم تقديم عروض مغرية لهم كإكمال الدراسات العليا في أوروبا على حساب دحلان.
وصل إلى ماليزيا
وحتى في ماليزيا، هذا البلد المسلم الواقع في أقصى جنوب شرقي آسيا، ينشط دحلان لاختراق أوساط الطلبة الفلسطينيين.
شاب فلسطيني قال لـ"عربي بوست"، إنه قد وُجِّهت إليه دعوة رسمية من قِبل إحدى الموظفات العاملات بالسفارة الفلسطينية في كوالالمبور، وذلك بدعوى أن هناك مِنحاً وإعفاءات لمن يدرس في إحدى الجامعات الماليزية، حيث تقدمها بالتعاون السفارة الفلسطينية.
يقول محمد سمير، الطالب في كلية القانون، إنه ذهب ليستفسر عن الأمر، وفعلاً التقته موظفة في السفارة الفلسطينية، لتخبره بأن بإمكانه الحصول على إعفاء وتغطية مالية تصل إلى 70% عبر السفارة الفلسطينية.
ويشير سمير إلى أن الموظفة بعد أن التقته في السفارة الفلسطينية طلبت منه أن تزوده برقمه، وبعد فترة اتصلت به وأخبرته بأنه حصل بالفعل على المنحة، ليفاجاً فيما بعد بأن الجامعة غير معترف بها وغير مدرجة ضمن الجامعات الموصى بها في وزارة التعليم العالي الفلسطينية، منوهاً إلى أنه وقع ضحية فخ قد نصبته له الفتاة.
ويضيف سمير قائلاً: "بعد السؤال عن الفتاة تبين فيما بعد، أنها تعمل ضمن شبكة لصالح محمد دحلان، وأنها تعمل على اجتذاب الطلبة الفلسطينيين تمهيداً لتجنيدهم، حيث يتم التعرُّف على الشخص واستدراجه في بادئ الأمر عبر توفير المنحة التعليمية له، وهذا ما صدَّقه عديد من الطلبة، الذين تبين فيما بعد، أنهم وقعوا ضحية لشباكها".
مساعٍ لاختراق السفارات والجالية الفلسطينية في أوروبا
محمد دحلان يسعى إلى اختراق السفارات الفلسطينية في الخارج بشتى الوسائل، وذلك عبر شراء ذمم عديد من العاملين فيها أحياناً، حسبما قالت مصادر أمنية فلسطينية خاصة رفضت الكشف عن اسمها لـ"عربي بوست".
ودفعت خطورة هذه التحركات التي عززت من نفوذ دحلان بالسفارات الفلسطينية في الخارج، الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى أن يوعز لأجهزته الأمنية، ومنها المخابرات العامة والسفارات الفلسطينية كافة في أوروبا، بمحاصرة النفوذ المتنامي لمحمد دحلان.
وأوضحت المصادر أن استنفار الرئيس الفلسطيني للسفارات والقنصليات يأتي بعد قيام دحلان بتنظيم عدد من النشاطات الواسعة بعدد من بلدان أوروبا ذات الأهمية السياسية.
وحظيت عديد من الأنشطة التي نظمها دحلان، ومنها مؤتمر "باريس" الذي عُقد عام 2017 تحت عنوان "الوفاء للشهداء والأسرى"، باهتمام الأحزاب الأوروبية والجاليات العربية والفلسطينيين هناك.
ورغم وصف بعض التقارير الإعلامية نتائج المؤتمر بأنها نصف نجاح، فإن مثل هذه التحركات أثارت مخاوف كبيرة في أوساط الرئاسة الفلسطينية، خاصة مع تزايد نشاطات دحلان مؤخراً في كل من بروكسل وباريس والقاهرة، إضافة إلى سلسلة من الاجتماعات التنظيمية الهادفة إلى إعادة بناء تنظيم حركة "فتح"، في ظل الأزمة البنيوية التي تشهدها الحركة.
وأوضحت المصادر الخاصة، أن مثل هذه الأنشطة التي يقيمها دحلان تشكل خطراً على نفوذ الرئيس الفلسطيني ووضع القوى الموالية له داخل "فتح" التي تشهد تراجعاً.
وتؤكد تلك المصادر أيضاً أن دحلان يعتبر الساحتين المصرية والأوروبية ساحة مهمة لاختراق حركة "فتح"، سواء عبر السفارات الفلسطينية أو عبر الطلبة والجالية الفلسطينية، حيث يسعى لاستقطاب شباب الحركة إلى جانبه بالمرحلة المقبلة، وهو الأمر الذي تنظر إليه الرئاسة الفلسطينية على أنه ضد الحركة، ويستهدف شرعية ووجود الرئيس عباس على الساحة السياسية.
الاختراقات الأمنية امتدت إلى من هو أخطر من دحلان
الاختراقات الأمنية للسفارات الفلسطينية أصبحت مشكلة كبيرة بعدما وصل الأمر إلى نجاح إسرائيل وأجهزة استخباراتية أخرى في اختراق بعضها، وهذا ما كشفت عنه حادثة اغتيال عمر النايف بالسفارة الفلسطينية في بلغاريا، إذ أظهرت مدى الضعف والتواطؤ في اختراق السفارة الفلسطينية في بلغاريا.
وهو الأمر الذي دفع الجبهة الشعبية إلى اتهام موظفي السفارة الفلسطينية بالتآمر مع البلغاريين ومع إسرائيل للتخلص من النايف.
ولكن يظل الاختراق الأكبر للسفارات الفلسطينية يأتي من القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان.