"كورونا في مقر وزارة الدفاع المصرية الجديد، ومظاهرات للعمال في العاصمة الإدارية الجديدة بعد سقوط بعضهم جراء الإصابة بفيروس كورونا"، حسبما أفادت به مصادر متعددة لـ "عربي بوست".
إذ يبدو أن العاصمة الإدارية التي أريد لها أن تكون وجهاً جديداً لمصر، قد تحوَّلت إلى أحد بؤر الوباء في البلاد.
فكيف جاء الوباء إلى هذه المدينة؟ ولماذا تسرب منها إلى قلب الجيش المصري، مما أدى إلى وفاة قيادات به؟ وإلى أي مدى انتشر المرض في أوساط جنود وضباط الجيش والعمال الذين يشاركون في العمل بالعاصمة الجديدة؟
وهل صحيح أن الجيش المصري يجبر العمال وشركات المقاولات المدنية على الاستمرار في العمل رغم وقوع إصابات بينهم جراء اختلاطهم بأجانب؟
ما العلاقة بين إصابات قيادات الهيئة الهندسية وعمال العاصمة الإدارية؟
رغم عزلتها عن باقي مصر تقريباً، فإن العاصمة الجديدة مفتوحة على العالم ، وتحديداً الصينيين الذين يشاركون بنصيب في عملية بنائها.
ويبدو أن الجيش المصري كان من أوائل المتضررين من هذا الوجود الصيني.
فقد أعلنت القوات المسلحة المصرية عن وفاة قيادتين، هما اللواء أركان حرب خالد شلتوت مدير إدارة المياه بالجيش، واللواء شفيع عبدالحليم داوود، مدير المشروعات الكبرى بالهيئة الهندسية.
ما تم نشره رسمياً أن هاتين القيادتين قد أصيبتا بالفيروس أثناء عملية تطهير وتعقيم المنشآت الحكومية.
لكن الحقيقة تبدو مختلفة.
فبحسب ما قالت مصادر عسكرية مطلعة لـ "عربي بوست"، فإن القياديتين العسكريتين اللتين أعلنت السلطات المصرية عن وفاتهما، تعملان في الهيئة الهندسية وتدير مشروعات الجيش في العاصمة الإدارية، وخاصة مشروع "الأوكتاجون" أي الكيان العسكري، الذي يضم وزارة الدفاع المصرية.
وقد تم تصميم هذا الكيان على غرار مبنى "البنتاجون"، وزارة الدفاع الأمريكية، ولذلك تم تسميته "الأوكتاجون"، لأنه يتكون من 8 مبانٍ مثمنة الأوجه على الطراز الفرعوني .
ويقول المصدر: "ليس لهذه القيادات علاقة بإدارة البيولوجي والكيمياء في الجيش المصري، والتي تولت عملية تعقيم المنشآت".
من أين تسرب كورونا إلى الجيش المصري؟
اللواء شفيع عبدالحليم داوود، هو أول قيادة كبيرة تم تشخيص إصابته بفيروس "كورونا"، وذلك بعد عقده اجتماعاً مع عدد من المستثمرين والمقاولين الأجانب الذين قدموا إلى "مصر" نهاية فبراير/تشرين الثاني الماضي، للعمل في بعض مشروعات "العاصمة الإدارية الجديدة"، وذلك بحسب المصدر.
وذكر المصدر أن قائمة الضباط التي تسربت بأسماء قيادات الجيش المصابين بكورونا معظمهم يدير ويشرف على إنشاءات العاصمة الإدارية، ومن بينهم إضافة إلى داوود، اللواء خالد شلتوت والزلاط وشاهين و3 ضباط كبار آخرين في الهيئة الهندسية، وقد عقدوا خلال يومي 7 و8 مارس/آذار 2020 اجتماعات عدة معاً، ومع رئيس الهيئة الهندسية اللواء أركان حرب إيهاب الفار، ثمّ تمّ تشخيص حالاتهم يومي 9 و10 مارس/آذار 2020.
وأوضح المصدر أن عمليات التعقيم بدأت ربما منذ منتصف مارس/آذار، في حين أن هؤلاء القادة أصيبوا وتم احتجازهم بالمستشفيات يوم 9 مارس/آذار 2020.
وكان "عربي بوست" قد كشف في وقت سابق عن وفاة قيادتين أخريين من الجيش جراء وباء كورونا، ليصبح المجموع أربع وفيات حتى الآن، بالإضافة إلى قائمة بالمصابين وصلت إلى حوالي 26 مصاباً، ومعظمهم يعمل في الهيئة الهندسية، ورتبهم ما بين ضابط ومجند ورائد وعميد ومجندين.
وهكذا انتقل الوباء من الجيش إلى العمال.. وإليك عدد الإصابات
العمال في العاصمة الإدارية تظاهروا احتجاجاً على الضغوط التي مورست عليهم للاستمرار في العمل رغم وقوع إصابات بكورونا بين زملاء لهم، وتم تهديدهم بالفصل من العمل وحرمانهم من أجورهم حال تركهم المواقع، خاصة بعد التسريبات عن وقوع إصابات بين قيادات الجيش ذات الاحتكاك المباشر بأجانب لديهم أعمال في العاصمة الإدارية، خاصة الصينيين.
مصدر وثيق الصلة بإحدى شركات المقاولات الكبرى قال لـ "عربي بوست"، إنه "بالفعل وقعت إصابات بين 4 عمال يعملون في موقع "الأوكتاجون"، وزارة الدفاع المصرية، منذ أسبوعين، وقد تم إغلاق الموقع وإحاطته بكردون أمني لمنع الدخول والخروج منه.
ووصلت لجنة من وزارة الصحة لتقييم الوضع وعمل تحاليل للمخالطين، ولكن بعد 24 ساعة من ذلك صدرت أوامر من قيادات الجيش المصري بفتح الموقع مجدداً، وهو ما اعترض عليه المهندسون والعمال المدنيون، فلم يكن أمامهم إلا الاستمرار في التظاهر والاعتراض".
ورغم ظهور حالات الإصابة بفيروس كورونا، ووصول لجنة من وزارة الصحة إلى موقع وزارة الدفاع المصرية، فإن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ردَّ على ذلك في بيان رسمي جاء فيه، إنه "لا صحة لتوقف العمل بالعاصمة الإدارية الجديدة بسبب الادعاء بتفشي فيروس كورونا بين العاملين، وبعد التواصل مع العاصمة الإدارية الجديدة نفت كل هذه الأنباء"، مشيرة إلى أن "الإجراءات الوقائية تتم على قدم وساق، ولم تسجل أي حالات إصابة بفيروس كورونا".
ولكن مصدراً عسكرياً أكد لـ "عربي بوست" أن فيروس" كورونا " وصل بالفعل إلى "الأوكتاجون"، مبنى وزارة الدفاع المصرية بالعاصمة الإدارية.
وكشف أنه "توفي إثر الإصابة بهذا المرض مدير الخدمات الوطنية، وهو برتبة لواء، وقد أصيب لمخالطته وفداً صينياً كان هناك خلال عملية تسليم وتسلم داخل الوزارة".
وقال المصدر: "لا أستبعد أن يكون عدد كبير من قيادات الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة قد أصيب، لأن الهيئة هي التي تشرف على مشروع "الكيان العسكري" في العاصمة الإدارية، بل وتشرف على كافة المشروعات الإنشائية هناك، ومن بينها مبنى الحكومة والوزارات الأخرى والبرجان".
وأضاف المصدر: "معظم العمال هناك في خطر حقيقي، نظراً لوجود شخصيات أجنبية في كثير من المواقع، إضافة إلى أن الإجراءات الاحترازية من المرض جاءت متأخرة".
العمال يتساقطون على الأرض، واختلاف بين الشركات حول طريقة التعامل
وكشف مصدر في إحدى شركات المقاولات الكبرى أن عدداً من الشركات قد توقف عن العمل ابتداء من السبت 28 مارس/آذار 2020، خشية الإصابة بكورونا في تلك المناطق، لكن هناك شركات أخرى تصرعلى العمل وترفض إعطاء العمال إجازات مدفوعة الأجر.
وبحسب المصدر، فإن "العمال يتساقطون أرضاً بشكل شبه يومي، ليس فقط في مشروع وزارة الدفاع المصرية، ولكن في مشاريع أخرى على امتداد العاصمة الجديدة.
ففي شركة المقاولون العرب مثلاً، إحدى أكبر شركات المقاولات في مصر، تم اكتشاف 20 إصابة بفيروس كورونا لعاملين في مشروع "الزهور" الخاص بضباط القوات المسلحة"، وفقاً للمصدر.
وقال المصدر إنه "تم إخضاع كافة العاملين بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة بالعاصمة الإدارية الجديدة للفحوص الطبية، وذلك بسبب لقاءات جرت لمسؤولين مع وفد صيني من الشركة التي تنفذ الأبراج هناك".
يقول "عماد .أ" أحد العمال في العاصمة الإدارية: "منذ أسبوعين لاحظنا زملاء لنا يسقطون أرضاً دون أسباب واضحة، وعندما ظهر مرض "كورونا"، علمنا بعد ذلك أن مظاهر الإعياء التي ظهرت عليهم كانت علامات الإصابة بهذا الوباء".
وتابع قائلاً لـ "عربي بوست": "بعضنا اعترض على الاستمرار في العمل وبعضنا الآخر استسلم، لأنه لن يجد قوت يومه إذا لم يستمر، ولكن زادت حالات الإعياء، فتظاهر البعض في بعض المواقع احتجاجاً على هذا الوضع، خاصة أن الدولة حذرت من أي تجمعات حفاظاً على الصحة العامة، ولكن أصحاب الشركات والقيادات العسكرية في المواقع خاصة التي تشرف على إنشاءات الحي الحكومي والكيان العسكري أصروا على استمرارنا في العمل أو ضياع حقوقنا إذا توقفنا عن العمل".
وذكر عامل آخر يدعى "علي.ب" أن "المواقع في العاصمة الإدارية بها العديد من الأجانب، خاصة الصينيين الذين يشرفون على إنشاء البرجين، ولم تعبأ الجهات المسؤولة بحياتنا وتوقف العمل إلا عندما أصيبت قيادات من الجيش بهذا الوباء، خاصة أنهم يشرفون على مشروع "الكيان العسكري" في العاصمة".
وأخيراً، تقرر وقف العمل، ولكن جاءت أوامر جديدة صادمة
وفي تطور جديد لما يحدث في العاصمة الإدارية وتداعيات "كورونا" قال مصدر مسؤول في إحدى شركات المقاولات إنه "بعد الضجة التي أثارها العمال توقفنا عن العمل، وتم إغلاق العاصمة الإدارية ابتداء من السبت 28 مارس/آذار 2020 ولمدة أسبوعين".
واستدرك المصدر قائلاً: "لكن جاءتنا الأحد 29/3/2020 تعليمات وأوامر بالعودة إلى العمل ابتداء من السبت المقبل، وتم تجهيز سيارات النقل والمعدات الإنشائية بمواقع عديدة".
وأكد المصدر أن "التعليمات صدرت من جهات عليا لاستكمال الأعمال النهائية في حي الوزارات والكيان العسكري، لأن الحكومة المصرية تريد الانتهاء من هذا الحي في موعد غايته يونيو/حزيران القادم".
لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
توافق « عربي بوست » أحياناً على عدم التعريف بأسماء مصادر تقدم معلومات حساسة لقرائنا. وبموجب إرشادات الموقع، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر وذات مصداقية، وأننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، وبعضهم يتساءلون ما إذا كانت هذه المصادر موجودة أصلاً. لكن لدينا قواعد وإجراءات لمحاولة معالجة هذه المخاوف.
فبالإضافة إلى المراسل، يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر. ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم أو من ينوب عنه قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. وعندما تكون القصة مبنية على معلومة مركزية من مصدر مجهول، فيجب الموافقة عليها بشكل عام من قبل رئيس التحرير.
نحن نتفهم حذر القراء، ولكن لا يمكن أبداً الحصول على المعلومات حول العديد من القصص المهمة في مجالات حساسة، مثل السياسة والأمن القومي والأعمال، إذا استبعدنا المصادر غير المعرّفة. فالمصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية. حتى في بعض الأحيان من أجل سلامتها.
يعتقد بعض القراء أن المصادر تكون أكثر صدقاً إذا تم نشر أسمائها، ومن غير المرجح أن يكذبوا إذا تم الكشف عن هويتهم. إلا أن المراسلين في العديد من المناطق يعرفون أن العكس هو الصحيح. فالمصادر في المناصب الحساسة غالباً ما سيتحدثون ببساطة بحسب التوجهات الرسمية. وسيكونون صريحين فقط إذا كانوا يعرفون أن أسماءهم لن يتم الكشف عنها.