استقال رئيس الكنيست الإسرائيلي يولي إدلشتاين، الحليف الوفي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فجأةً، يوم الأربعاء 25 مارس/آذار، بدلاً من الامتثال لأمر المحكمة العليا الذي يسمح لنواب الكنيست باختيار خليفته.
وبالتالي، سمحت هذه الخطوة لحزب "أزرق أبيض" المُعارِض الذي يتزعمه بيني غانتس والمعارضين الآخرين لنتنياهو بالسيطرة على العملية التشريعية. الذين كانوا قد هدَّدوا بسَنِّ قوانين من شأنها أن تمنع نتنياهو من البقاء ولايةً جديدة في المنصب.
إذ انتُخب زعيم ائتلاف "أزرق أبيض"، الجنرال المتقاعد بيني غانتس، رئيساً للكنيست. وكانت إدارة الكنيست أعلنت، اليوم الخميس، أن غانتس، المنافس الرئيسي لنتنياهو، تقدّم بطلب رسمي ليرأس البرلمان في خطوة قد تؤدي إلى حكومة وحدة بينهما. وجاء في بيان للكنيست أنّ "المرشح الوحيد لهذا المنصب هو غانتس" لخلافة حليف نتنياهو المستقيل إدلشتاين.
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، صحيحٌ أنَّ استقالة إدلشتاين، الذي يبلغ من العمر 61 عاماً، والذي كان قضى ثلاث سنوات في سجن سوفييتي قبل أن يهاجر إلى إسرائيل في عام 1987 وترأس الكنيست منذ عام 2013، يبدو أنَّها نزعت فتيل أزمة دستورية كانت تغلي على نارٍ هادئة منذ أسابيع، لكنَّها لم تُقرِّب إسرائيل من نهاية حالة الجمود السياسي التي تشهدها منذ فترةٍ طويلة بعد.
إذ فاز معارضو نتنياهو، الذي ما زالت حكومته المؤقتة تسيطر على أجهزة الدولة، بأغلبية طفيفة في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في 2 مارس/آذار الجاري، والتي كانت ثالث جولة انتخابية غير حاسمة على التوالي في عامٍ واحد.
حكومة ائتلافية
لا توجد أمام غانتس، زعيم المعارضة، سوى فرصٍ محدودة لتشكيل حكومة، لذا قدَّم بعض المقترحات إلى نتنياهو وحزبه الليكود، بشأن الانضمام إلى حكومة وحدة ائتلافية، من بين عدة مقترحاتٍ أخرى، متعللاً بالحالة الطارئة التي يُشكِّلها تفشي فيروس كورونا. في حين أصرّ نتنياهو على بقائه في منصب رئيس الوزراء في جميع الأحوال.
وقال مصدر من ائتلاف غانتس "أزرق أبيض"، لوكالة الصحافة الفرنسية الخميس، إنّ "قبول غانتس بموقع رئاسة الكنيست هو جزء من الجهود المبذولة لتشكيل حكومة طوارئ مع الليكود".
وكان نتنياهو قد بدأ الأسبوع الجاري في إطلاق إعلاناتٍ على غرار دعاية الحملات الانتخابية، تهاجم غانتس مجدداً، لتحالفه مع المشرعين العرب، الذين يتهمهم نتنياهو بدعم الإرهاب.
في السياق نفسه، أدى قرار غانتس المفاجئ الترشح لعضوية الكنيست إلى ظهور بوادر شرخ مع شركائه من حزب "هناك مستقبل"، برئاسة يائير لابيد، بعد أن اتهموا غانتس بإنقاذ نتنياهو من خلال إقامة حكومة وحدة معه.
ومن جهتها، قالت القناة الإسرائيلية (13)، إن التوقعات تشير إلى قيام حكومة وحدة وطنية برئاسة نتنياهو، يتولى فيها غانتس منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية.
وأشارت إلى أن القيادي في حزب "أزرق أبيض" غابي أشكنازي سيتولى حقيبة الدفاع في الحكومة القادمة، ولم يتأكد ذلك رسمياً من أي حزب إسرائيلي.
القائمة العربية
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الأغلبية التي يتمتع بها غانتس والبالغ حجمها 61 مقعداً في الكنيست كانت تعتمد على دعم 15 مشرعاً من القائمة المشتركة ذات الأغلبية العربية. وحين شُكِّلت عدة لجان مؤقتة في الكنيست، يوم الثلاثاء 24 مارس/آذار، مُنِحَت القائمة المشتركة رئاسة لجنتين: لجنة العمل والرفاه، ولجنة الحد من الجريمة والعنف بين السكان العرب.
وسرعان ما انتقد حلفاء نتنياهو سيطرة القائمة المشتركة على لجنة العمل والرفاه، بداعي أنَّ اللجنة، في شكلها الدائم، تُشرِف على قضايا تتضمَّن رعاية قدامى المحاربين المصابين وضحايا الإرهاب. غير أنَّ حزب "أزرق أبيض" رفض هذه الانتقادات، قائلاً إنَّ اللجنة الخاصة ستركز على تخفيف تداعيات فيروس كورونا على القوى العاملة، وأولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر أو بالقرب منه في إسرائيل.
هل انكسرت حالة الجمود السياسي؟
وبانتخاب غانتس، يرى بعض المحللين أنَّ حالة الجمود السياسي ربما بدأت في الانكسار، لكن البعض الآخر يرى أن الأحداث الأخيرة لم تُظهِر بعد أي علامة على الانفراج، بل أصبحت أشد حدة تحت ضغط مكافحة فيروس كورونا.
إذ قال أمنون ريتشمان، أستاذ القانون العام في مركز Minerva Center for the Rule of Law under Extreme Conditions التابع لجامعة حيفا، إنَّ "الديمقراطية الإسرائيلية ما زالت تحت الضغط"، مشيراً إلى استعانة نتنياهو بإجراءات الطوارئ لمواجهة الحالة الطارئة الصحية الحالية، ووصف هذه الإجراءات بأنَّها قاسية.
وأضاف: "إذا أردنا تحديد شدة الوضع الراهن على مخططٍ مكوَّن من اللون الأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر، يُمكنني القول إننا ندخل المرحلة البرتقالية".
وتعيش إسرائيل أزمة سياسية عميقة، أدت الى خوض ثلاثة انتخابات نيابية في عام واحد. وتم تكليف غانتس بتأليف حكومة بعد الانتخابات الأخيرة التي أجريت في الثاني من مارس/آذار الجاري، ولكن لم يكن هناك ما يضمن نجاحه بالنظر إلى الانقسامات العميقة في المعسكر المناهض لنتنياهو.
وجاءت هذه الخطوة وسط نداءات لتشكيل حكومة وحدة، في ظرف يجتاح فيه وباء فيروس كورونا إسرائيل، وأدى إلى إصابة 2600 شخص حتى صباح الخميس.