لا تزال الخرطوم تدعو إلى استمرار التفاوض لحين التوصل إلى اتفاق شامل حول سد النهضة الإثيوبي بين كل من إثيوبيا ومصر والسودان.
لكنّ محللين يرون أن ثمة مواقف سودانية تبدو وكأنها تميل إلى أحد الطرفين، مستدلين بموقف الخرطوم من قرار تبنته جامعة الدول العربية، في 4 مارس/آذار الجاري، يؤكد حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل، ويرفض أية إجراءات إثيوبية أحادية.
وأثار تحفظ الخرطوم على هذا القرار جدلاً واسعاً بشأن تحول موقف السودان التوافقي، ما دفع الخارجية السودانية إلى إصدار بيان قالت فيه إنها تحفظت على مشروع القرار لأن مصر أدرجته في أعمال المجلس الوزاري للجامعة دون التشاور مع السودان، وهو ما نفته القاهرة.
ومنذ انطلاق المشاورات بشأن السد (قيد الإنشاء)، قبل ثلاث سنوات، لم يغادر السودان نقطة المنتصف بين مصر وإثيوبيا، وظل يؤكد على تقديمه رؤية تخدم الأطراف الثلاثة، من حيث سنوات ملء وتشغيل السد.
وأكد السودان، في أكثر من مناسبة، أنه يرى الحل في الاتفاق الشامل، بحيث تكون المصلحة من قيام السد الإثيوبي لصالح الدول الثلاث.
من الرفض إلى القبول
بالنظر إلى موقف السودان منذ أن بدأت إثيوبيا أعمال تشييد السد، عام 2011، فقد انتقل من رفض قيام السد، خلال العامين الأولين، وهو موقف كان مسانداً حينها لجارته الشمالية مصر.
وانتقل السودان إلى موقف القبول بالسد، عندما قررت أديس أبابا، في مايو/أيار 2013، تغيير مجرى النيل الأزرق، كخطوة فاصلة في تشييد هيكل السد، فأعلن السودان (45 مليون نسمة) أنه لن يتضرر من بناء السد.
والنيل الأزرق هو الرافد الرئيس لنهر النيل، حيث يشكل قرابة 80% من مياه النيل، الذي يعبر السودان ثم مصر إلى البحر الأبيض المتوسط.
وعقب لقاء جمع وزير الري والمياه السوداني ياسر عباس، والسفير الإثيوبي في الخرطوم شيفارو جارسو، دعا البلدان الجاران، الإثنين الماضي، إلى استئناف المفاوضات الثلاثية بين الخرطوم وأديس أبابا والقاهرة، حتى توقيع اتفاقية شاملة حول ملء وتشغيل السد.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، في تصريحات متلفزة السبت 21 مارس/آذار، إن المباحثات مع الجانب الإثيوبي حول السد متوقفة تماماً في الوقت الحالي.
ويقول مسؤولون مصريون إن بلدهم (100 مليون نسمة) دخل منذ ثلاث سنوات مرحلة الفقر المائي.
ووقعت مصر بالأحرف الأولى، في فبراير/شباط الماضي، على اتفاق لملء وتشغيل السد، رعته كل من الولايات المتحدة والبنك الدولي، معتبرة الاتفاق "عادلاً"، بينما رفضته إثيوبيا، وتحفظ عليه السودان.
وأعلنت أديس أبابا اعتراضها على مسوّدة هذا الاتفاق، متهمة واشنطن بأنها تجاوزت دور الرعاية، فيما قالت الخرطوم إنها قدمت ملاحظات للفريق الأمريكي حول تلك المسودة.
ويعرب مصريون عن استيائهم مما يقولون إنه دعم سوداني لإثيوبيا في ملف السد، بينما تقول الخرطوم إنها تبحث عن مصالحها دون الإضرار بمصالح القاهرة، التي تتخوف من تأثير سلبي محتمل على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل.
إيجاد قواسم مشتركة
وانحياز السودان لإحدى الدولتين، بحسب مراقبين، فيما يخص ملء وتشغيل السد، قد يزيد من حدة الأزمة بين مصر وإثيوبيا، التي ترى كل منهما أن موقف الأخرى من بناء السد يهدد وجودها كدولة.
وأدلى نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الأحد الماضي، بتصريح اعتُبر بمثابة محاولة من الخرطوم للتموضع في المنتصف بين مصر وإثيوبيا المتشاكستين بشأن السد.
وعقب لقائه الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في القاهرة، قال حميدتي إن السودان جزء من ملف سد النهضة، وسيكون وسيطاً بين الأشقاء، لتقريب وجهات النظر، والوصول إلى اتفاق.
وتقول إثيوبيا (108 ملايين نسمة) إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر ولا السودان، وإن مشروع السد حيوي لنموها الاقتصادي، حيث تسعى إلى أن تصبح أكبر مصدر للطاقة الكهربائية في إفريقيا، بأكثر من من 6 آلاف ميغاوات.
وفق عثمان التوم، خبير مياه سوداني، فإن "السودان يرى ضرورة استمرار الحوار بين الدول الثلاث للوصول إلى توافق بشأن السد".
وأضاف التوم للأناضول: "يجب إبعاد المنظمات الدولية والإقليمية عن ملف سد النهضة، تفادياً للاستقطاب".
مصلحة السودان
ورأى أن "90% من القضايا الخلافية حول السد بين الدول الثلاث تم التوافق بشأنها، وبالاستطاعة إيجاد حلول لما تبقى من قضايا خلافية".
واعتبر أنه "لا مفر من مواصلة السودان النقاش حول ملف السد، لإيجاد قواسم مشتركة بشأن النقاط الخلافية، وعلى رأسها الجدول الزمني للملء والتشغيل".
بينما شدد سامي محمد أحمد، خبير مياه سوداني، أستاذ بجامعات سودانية، على أن "التفاوض بشأن السد يجب أن يمضي بتغليب المصلحة الوطنية والأمن المائي السوداني".
وتابع أحمد للأناضول أن "السودان سبق وأن قدم تنازلات في اتفاقية 1959، وهي اتفاقية ظالمة للسودان ودول حوض النيل".
وتنص الاتفاقية على حصول مصر على 55.5 مليار متر مكعب سنوياً من مياه النيل، بينما يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب سنوياً.
ورأى أن "تفاوض السودان يجب أن يمضي أبعد من ذلك، بحيث يطالب بزيادة حصته من المياه؛ لأنه مجابه بفقر مائي".
وأردف قائلاً: "نخشى من ضغط أمريكي لكي يتنازل السودان من حصته التاريخية من المياه لصالح مصر".