بالنسبة لبعض الساسة والمُعلِّقين من تيار اليمين، يُؤذِن انتشار جائحة كورونا المستجد بعودة الدولة القومية. ولحسن حظ الشعبويين من اليمين المتطرف، أغلقت الدول أبوابها، وأصبحت الحدود الوطنية مرة أخرى حواجز حصينة لمنع دخول التهديدات الخارجية وحماية المواطنين في الداخل، بينما يترك اللاجئون معرضين لخطر كورونا على الحدود.
وتأخذ الحكومات الوطنية زمام المبادرة في الدفاع عن سكانها من الفيروس، وأعاد للعالم المهووس بالتنقل الجوي توازنه، بينما عرقل حظر السفر تدفقات اللاجئين لأجلٍ غير مسمى، ولكن اللاجئين المكدسين في المخيمات أصبحوا في وضع شديد الخطورة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
اللاجئون هم سبب انتشار الفيروس.. أكذوبة اليمين المتطرف الجديدة
وفي تصريح لصحيفة The Los Angeles Times، قالت لاورا هوهتساري، عضوة البرلمان الأوروبي الفنلندية من تيار اليمين المتطرف، "الجائحة تبرر الحاجة للحدود، العالمية السياسية تنهار".
وربط السياسي الإيطالي القومي المتشدد ماتيو سالفيني بين تفشي فيروس كورونا المستجد في بلاده وعبور المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين البحر المتوسط وصولاً إلى أوروبا، بالرغم من عدم وجود أدلة كافية على ذلك. بدوره، جدَّد الرئيس ترامب، الذي يتصارع مع اقتصاد متراجع وانتقادات متصاعدة من طريقة تعامله مع الأزمة، خطابه المعادي للهجرة، يوم الإثنين 23 مارس/آذار، ملمحاً إلى أنَّ القيود الحدودية ضرورية لدرء الأزمة.
إذا ضرب الفيروس مخيمات اللاجئين ستكون كارثة
لكن بعيداً عن البيت الأبيض وعواصم أوروبا، هناك آخرون لا يمكنهم التعويل على حماية دولتهم لهم.
فبالنسبة لما يقرب من 70 مليون نازح في جميع أنحاء العالم، يمثل الوباء تهديداً مزدوجاً: إذ إنَّ مخيمات اللاجئين المكدسة أكثر عرضة لانتشار الأمراض، إلى جانب أنَّ الحكومات الوطنية، التي حتى في أفضل الأوقات توفر موارد محدودة لطالبي اللجوء والمهاجرين، ستكون أقل ميلاً إلى إنفاقها لدعم غير المواطنين، في خضم أزمة فيروس كورونا المستجد.
وتخشى وكالات الإغاثة من كارثة وشيكة. إذ قال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين جان إيغلاند الأسبوع الماضي: "عندما يضرب الفيروس المستوطنات المكتظة في أماكن مثل إيران وبنغلاديش وأفغانستان واليونان، ستكون العواقب مدمرة. وستحدث أيضاً مذبحة عندما يصل الفيروس إلى أجزاء من سوريا واليمن وفنزويلا، حيث المستشفيات مُدمَرة والنظم الصحية منهارة".
قلة الإصابات أمر مقلق
ولم يظهر إلى الآن سوى عدد قليل من الإصابات المؤكدة بين اللاجئين، سواء كان ذلك في مخيمات الروهينغا على حدود بنغلاديش مع ميانمار أو في مخيم موريا المروع في اليونان للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل. لكن لا يدعو هذا للتفاؤل؛ فلا يمتلك القدرة على إجراء الفحوصات إلا عدد قليل من هذه المستوطنات.
من جانبه، قال محمد حامد زمان، بروفيسور الهندسة الطبية الحيوية والصحة الدولية في جامعة بوسطن، في حديث لمجلة Foreign Policy الأمريكية: يمكن أن يخلق ذلك (نقص الفحوصات في المخيمات) شعوراً زائفاً وخطيراً بالراحة. فغياب البيانات لا يعني عدم وجود مشكلة".
وقد تكون المشكلة كامنة في الكثير من الأماكن المحاصرة؛ من اليمن حيث يعاني الملايين من سوء التغذية ويعيش ما يقرب من 4 ملايين شخص في مخيمات مؤقتة، وليبيا حيث يواجه السكان المحليون والمهاجرون فوضى الدولة المنهارة العالقة في حرب أهلية، إلى العراق حيث لا يزال 1.5 مليون شخص نازحين إثر المعارك ضد تنظيم "داعش".
سوريا مصدر الخوف الأكبر وغزة عرضة للاختناق
"سوريا التي مزقتها الحرب تمثل أكبر مصدر قلق، ولا سيما شمال غرب البلاد حيث يستمر القتال بين القوات الحكومية والمتمردين على الرغم من وقف إطلاق النار الهش. ويتكدس ما يقرب من 4 ملايين سوري، معظمهم من النازحين من أماكن أخرى في البلاد، في شريط محدود على طول الحدود التركية، وهي المساحة المحاصرة التي تفوقت على قطاع غزة من حيث الجزء الأكثر كثافة سكانية في الشرق الأوسط".
ويواجه قطاع غزة، الذي تحاصره إسرائيل، مخاطر هائلة. وفي هذا السياق، قال محمود شكشك، 65 عاماً، عاطل عن العمل ومقيم في مخيم شبه دائم للاجئين في القطاع المحاصر، لصحيفة The Washington Post: "إذا وصلنا الفيروس، فسيموت الكثير من الناس. ليس بسبب الفيروس وحده، بل لأنَّ العالم سيغلق أبوابه في وجوهنا ويتركونا نموت وحدنا".
وفي أوروبا الوضع لا يقل سوءاً
وداخل حدود أوروبا، يواجه اللاجئون وطالبو اللجوء مخاطر أشد في ظل تفشي الجائحة. إذ حذرت 24 منظمة إغاثة فرنسية من الوضع المؤسف للعديد من المهاجرين في شمال فرنسا، وكتبت في رسالة موجهة إلى الحكومة الأسبوع الماضي: "وضع المنفيين لا يُوصَف: العجز في السكن، والبرد، والرطوبة، والتوتر، والتعب، والتكدس في الخيام الخفيفة، والطرد اليومي من أماكن الحياة، وتردي المرافق الصحية".
لكن التعاطف معهم محدود في الظروف الحالية.
لفت المجلس النرويجي للاجئين إلى أنَّ "اللاجئين والمهاجرين هم في الغالب أول من يتعرضون للوصم وفي كثير من الأحيان، يُلامون على انتشار الفيروسات على نحو غير مبرر. لقد رأينا بعض السياسيين الشعبويين في جميع أنحاء أوروبا يعارضون الهجرة ويحاولون رسم صلة واضحة بين المهاجرين واللاجئين وتفشي المرض، على الرغم من عدم وجود أدلة تدعم صحة ذلك".
وفعلت إدارة ترامب المثل، وتذرَّعت بتفشي الفيروس لتشريع قيود جديدة ستُمكِّنها من الرفض الفوري لأي طالب لجوء جديد يلجأ إلى الولايات المتحدة.
من جانبه، قال يائيل شاتشر، من منظمة Refugees International غير الربحية: "إنَّ الحظر الجديد المُقترَح على اللجوء الذي ينص على إعادة طالبي اللجوء سيعرض حياة المزيد من اللاجئين للخطر ويعرض صحتنا العامة الجماعية لمزيد من الخطر من خلال إرسال أشخاص للعيش على الجانب المكسيكي من الحدود حيث يفتقرون إلى المأوى والرعاية الملائمين، وحيث لا توجد وسيلة لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد".
وتشعر منظمات الإغاثة بغضب عارم من اللامبالاة التي تبديها الحكومات الوطنية لمحنة اللاجئين. وتساءل جوناثان ويتال، من منظمة أطباء بلا حدود: "كيف يُفترَض أن تغسل يديك بانتظام إذا لم يكن لديك ماء جارٍ أو صابون؟. كيف يمكنك تطبيق التباعد الاجتماعي إذا كنت تعيش في العشوائيات أو في مخيم للاجئين؟ كيف من المفترض أن تتوقف عن عبور الحدود إذا كنت تفر من الحرب؟".