"يقوم بعض من يقيم خارج اليمن بتغريدات بعضها وفق معلومات مغلوطة ومضللة.. مطار عدن آمن وبنفس وحدات حمايته، والرحلات مستمرة وتم البدء في المرحلة الأولى من إعادة تأهيله".
بهذه العبارات سارع السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، منتصف مارس/آذار الجاري، إلى محاولة احتواء أزمة متصاعدة، تجلت في ردود أفعال متشنجة من قيادة وأنصار المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي)، المدعوم من الإمارات.
ردود الأفعال تلك ركزت على رفض ما قيل إنها محاولة سعودية لانتزاع مطار عدن الدولي جنوبي اليمن من أيدي قوات المجلس الانتقالي، وتسليمه إلى قوات محلية تلقت تدريبات مكثفة في السعودية، وعادت إلى عدن، مطلع الشهر الجاري.
غير أن تغريدة "آل جابر" فشلت في احتواء الاحتقان وإخماد ردود الأفعال الغاضبة في عدن، العاصمة المؤقتة بعد أن سيطرت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، المدعومة من إيران، على محافظات بينها العاصمة صنعاء، منذ عام 2014.
حرب التغريدات
فعقب ساعات من هذه التغريدة، قال عبده ناصر الأزرقي، قائد "كتائب الصقور" باللواء 12 صاعقة، التابع للمجلس الانتقالي، إن قواته مستعدة لتنفيذ أية أوامر من قيادة المجلس لمعالجة الوضع المحتقن في عدن.
وأضاف الأزرقي، لوسائل إعلام محلية، أنهم لن يسمحوا بـ"الفوضى في عدن"، داعياً قيادة التحالف العربي بقيادة السعودية، إلى الوفاء بتعهداتها تجاه الجنوب (لم يذكرها)، واحترام المواثيق الدولية.
وتابع: "صمتنا طوال المرحلة الماضية لم يكن ضعفاً، وإنما احتراماً للأشقاء، لكن بعد أن اتضحت النوايا نقولها بوضوح إننا لن نقف مكتوفي الأيدي تجاه أي ممارسات تثير غضبنا".
وبعبارات تحمل وعيداً، قال رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالمجلس، عيدروس نصر النقيب، إن ما أسماه الشعب الجنوبي "يحترم شركاءه (يقصد السعودية)، غير أنه لا يقبل التعامل معه بسياسة الخداع والتعالي والاستغفال".
وخاطب المملكة قائلاً: "شراكتنا معكم تقوم على التحديات المشتركة، والندية الخالية من ثنائية الآمر والمأمور".
وتابع: "إذا واصل السعوديون التعامل مع الجنوبيين على طريقة: (نحن حررناكم)، سيواجهون صعوبات كبيرة في مهمتهم".
"صلاح بن لغبر"، وهو صحفي مقرب من رئيس المجلس الانتقالي، اتهم السعودية ضمنياً بالسعي إلى تنفيذ "مخطط خبيث" لإشعال وإدارة الأزمات لتستمر لعقود، ضمن تفاهمات مع الإخوان (المسلمين) والحوثيين.
وتحدث، عبر "تويتر"، عن "مخطط للسيطرة على المطار والميناء عبر قوات شمالية موالية للإخوان يتم تجهيزها بمعسكر التحالف والقصر الرئاسي بمعاشيق".
وتابع: "سيتم تعيين قائدين لقوات أمن المطار والميناء، بنواب شماليين، أحدهما إخواني، والآخر حوثي".
واستطرد: "ذلك يأتي في إطار تفاهمات جرت مؤخراً مقابل توقف الحوثيين عن إسقاط (محافظة) مأرب (شرق)، وسيتم تنفيذ المخطط بشكل ناعم، أو بالقوة والقصف الجوي إذا تعذر الأمر".
ولادة المجلس الانتقالي
في مايو/أيار 2017 أُعلن في عدن عن ولادة المجلس الانتقالي الجنوبي، برئاسة عيدروس الزبيدي (قيادي بالحراك المنادي بانفصال الجنوب عن الشمال)، وبدعم كامل من دولة الإمارات، صاحبة النفوذ العسكري الواسع بالمدينة.
وجاءت الخطوة عقب تظاهرات شهدتها عدن، تنديداً بحكومة الرئيس اليمني عبدربه هادي منصور، فيما بدا لاحقاً أنه تمهيد لإعلان ولادة المجلس.
ولم تكن ثمة صعوبة لأي متابع في إدراك خطورة هذا الإعلان على وحدة اليمن، والتماسك الداخلي لـ"الشرعية اليمنية"، برئاسة هادي، التي تخوض، بدعم من التحالف العربي منذ 2015، معركة مفتوحة ضد الحوثيين في مناطق ومدن مختلفة شمال وغرب ووسط البلاد.
وهو ما دفع السلطة الشرعية إلى إعلان رفضها قيام المجلس الانتقالي، وذلك في اجتماع موسع عقده هادي في مقر إقامته بالرياض وضم كبار مساعديه.
غير أن الكيان الوليد آنذاك بدا في "عجلة من أمره" لتدشين حضوره على الساحة الجنوبية، إذ شرع، بدعم إماراتي غير محدود، في اتخاذ خطوات تصعيدية ضد الحكومة في عدن، وصولاً لطردها من المدينة نهائياً، مطلع أغسطس/آب الماضي، بعد معارك شرسة خلفت مئات القتلى والجرحى من الطرفين.
علاقة الرياض بالمجلس
يبدو الموقف الإماراتي من دعم المجلس الانتقالي الجنوبي واضحاً تماماً على الأصعدة السياسية والإعلامية والعسكرية، بل وتحثه أبوظبي، وفق منتقدين، على المضي في تكريس واقع الانفصال في المحافظات الخاضعة لسيطرته بالجنوب.
على خلاف الموقف الإماراتي، ظل موقف السعودية من المجلس محاطاً بالكثير من الغموض، إذ يتأرجح بين التأكيد على دعم الحكومة الشرعية والسعي إلى احتواء المجلس الانتقالي.
تتخوف السعودية من فكرة تقسيم اليمن، والتي ستؤدي حتماً في حال حدوثها إلى فشل عملية التحالف العسكرية (عاصفة الحزم)، وتقوية الحوثيين في الشمال اليمني (جنوب المملكة)، ما يمثل تهديدات أمنية وسياسية للسعودية.
وترى الرياض، بحسب خبراء، أن فرصها في استمالة المجلس الانتقالي وتحريره من الوصاية الإماراتية تمهيداً لإدخاله في العباءة السعودية، ضئيلة في ظل تحديات داخلية وتعقيدات إقليمية ودولية متزايدة خلّفها تدخلها في اليمن، إضافة إلى صراعها المتزايد مع إيران حول تقاسم النفوذ بالمنطقة.
هذه العوامل تدفع السعودية إلى التمسك بالشرعية اليمنية، باعتبارها "خيار الضرورة"، فيما ينظر الانتقالي الجنوبي إلى الموقف السعودي الداعم للحكومة كعائق أمام تحقيق أحلامه في فصل والاستيلاء على الجنوب.
وهو ما يدفع الإماراتيين، بحسب مراقبين، إلى إثارة مخاوف الانتقالي من الموقف السعودي، وتوظيفها إعلامياً نكاية بالحليف السعودي، الذي ترى أبوظبي أنه يستثمر صراع المجلس الانتقالي مع حكومة هادي، لتعزيز نفوذه بجنوبي اليمن، على حساب النفوذ الإماراتي.
وتفاجأ السعوديون، منتصف فبراير/شباط الماضي، بتظاهرة نظمها أنصار الانتقالي أمام مقر قيادة التحالف في مديرية البريقة غرب عدن، دعت إلى رحيل السعودية من الجنوب.
لماذا تدعم الإمارات الجنوب؟
واتهم أنصار الانتقالي الرياض، لأول مرة، بدعم الإرهاب، بهتافهم: "يا سعودي يا كذاب.. أنت الداعم للإرهاب".
وغرد سلمان العقيلي، كاتب سعودي: "نعرف الممول والمنظم والمستأجر"، في اتهام مبطن للإمارات بالوقوف وراء التظاهرة.
وعادة ما تنفي أبوظبي أي دعم من طرفها للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن.
لم يتوقف تصعيد المجلس الانتقالي عند هذا الحد، ففي 20 فبراير/شباط الماضي، اختطف مسلحون تابعون له مسؤولاً عينته السعودية لصرف رواتب قوات "الحزام الأمني"، واقتادوه إلى جهة مجهولة.
بعدها بيومين، داهم مسلحون من الانتقالي فندقاً بمديرية الشيخ عثمان، وسط عدن، واختطفوا قائدين عسكريين تدعمهما السعودية، قدما إلى المدينة لتشكيل ألوية عسكرية جديدة لا تخضع لسيطرة الانتقالي.
وبرعاية سعودية، وقعت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اتفاقاً يتضمن 29 بنداً لمعالجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في الجنوب.
وبازدياد النفوذ السعودي في عدن بُعيد الاتفاق، تصاعدت مخاوف الانتقالي الجنوبي من أن إجهاض مساعيه لفصل الجنوب عن الشمال، للعودة باليمن إلى ما قبل 22 مايو/أيار 1990.
ولم تكن أحداث التوتر الأخيرة في مطار عدن الدولي ومدينتي كريتر والبريقا، والتي تطورت مراراً إلى مواجهات شرسة بين قوات الانتقالي المدعومة من الإمارات والقوات اليمنية المدعومة سعودياً، سوى انعكاس لتلك المخاوف، رغم محاولات الرياض للتهدئة، وإرسال رسائل لطمأنة المجلس الانتقالي.
هذا التوتر بين الجانبين، وفق مراقبين، مرشح للتصاعد، وربما يذهب إلى مواجهة مباشرة، مع انسداد الأفق أمام تنفيذ اتفاق الرياض في ظل اتهامات متبادلة، وكذلك في ضوء استماتة المجلس الانتقالي، بدعم من الإمارات، في الحفاظ على نفوذه، والتصدي لمحاولات السعودية لتنفيذ الاتفاق.