غسيل الأيدي والتباعد لمواجهة كورونا.. ماذا عن النازحين السوريين إذن؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/03/22 الساعة 09:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/22 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش
عائلات نازحة بالقرب من ملعب كرة قدم على أطراف إدلب/ نيويورك تايمز

التدابير الوقائية التي تنصح بها منظمة الصحة العالمية للحماية من فيروس كورونا كثيرة، لكن أبرزها وأبسطها غسيل الأيدي باستمرار، والتباعد الاجتماعي، لكن ماذا عن أكثر من مليون لاجئ سوري نزحوا من إدلب مؤخراً ويعيش نحو 12 شخصاً منهم في خيمة بلا مصدر للمياه؟!

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "يُنصح بغسل الأيدي لمواجهة فيروس كورونا.. لكنَّ بعض العائلات لا يتسنَّى لها تحميم أطفالها لأسابيع"، ألقى مزيداً من الضوء على مأساة أكثر من مليون سوري تتهددهم جائحة كورونا، ويقفون أمامها عاجزين تماماً عن حماية أنفسهم.

مأساة متكاملة الأركان

في شمال غربي سوريا، حيث يعيش مليون شخصٍ ممن فرُّوا من الحرب الأهلية يحتمون في  معسكرات الخيام الموحلة والمباني المهجورة، يمكن أن يصبح تفشي فيروس كورونا كارثة لا توصف في منطقةٍ مدمرة. 

انسَ التدابير الوقائية التي أوصت بها السلطات الصحية في مختلف أنحاء العالم؛ ففي تلك المخيمات تكاد تكون المياه الجارية معدومة، ويتشارك قرابة 12 شخصاً خيمة واحدة. 

قال فادي مساهر، مدير مؤسسة مرام للإغاثة والتنمية في إدلب: "هل تطلب منا أن نغسل أيدينا؟ لا يستطيع بعض الأفراد تنظيف أطفالهم لأسابيع. إنهم يعيشون في العراء". 

يعتقد الأطباء السوريون أنَّ فيروس كورونا اجتاح المخيمات بالفعل، في ظل وجود عدد من الوفيات والمرضى الذين يحملون بعض علامات المرض المتفشِّي. لكن وفقاً لعشرات الخبراء والعاملين في المجال الطبي في سوريا، فالاستجابة الدولية إما تسير بوتيرةٍ بطيئةٍ أو أنها غائبة كلياً. 

هل وصل الفيروس بالفعل؟

لم تُسلِّم منظمة الصحة العالمية حتى الآن مجموعات اختبار فيروس كورونا إلى محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا، رغم إنهائها أول عملية تسليم لتلك المستلزمات إلى الحكومة السورية منذ أكثر من شهر. 

قال الأطباء إنَّ تأخير تلك المواد ربما سمح للفيروس بالانتشار لأسابيع دون اكتشافه، في بيئةٍ خطرة للغاية، وقال محمد غالب تناري، الطبيب المسؤول عن إدارة المستشفيات التابعة للجمعية الطبية السورية الأمريكية في المنطقة: "لدينا حالياً حالات تحمل أعراضاً مشابهة، وحدثت لدينا وفيات، لكن بكل أسفٍ لأننا لا نمتلك اختبار كشف المرض لا يمكننا أن نجزم إن كانت حالات مصابة بفيروس كورونا فعلياً أم لا". 

يعيش ما يقرب من مليون شخص في خيام أو في العراء في شمال محافظة إدلب/ نيويورك تايمز

يتجمَّع قرابة 3 ملايين شخص في محافظة إدلب السورية، الواقعة خارج سيطرة حكومة الرئيس بشار الأسد منذ عام 2012، وهي آخر منطقة في البلاد تخضع لسيطرة المعارضة. 

بدأت قوات الأسد وحلفاؤه الروس حملة أخيرة لاستعادة المنطقة في ربيع العام الماضي 2019، وأسفر الهجوم المتجدد في أوائل ديسمبر/كانون الأول عن تهجير قرابة مليون شخص من منازلهم. 

تُقدر الأمم المتحدة أنَّ قرابة ثلث هذا العدد يعيش في مخيماتٍ كبيرة أو خيام. فيما ينام الباقون على جنبات الطريق، أو يقيمون في بناياتٍ غير مكتملة أو مهجورة، أو يتشاركون السكن مع عائلاتٍ أخرى، وتوقف القتال لمدة أسبوعين لكنَّ أحداً لم يتوقع استمرار الهدنة. إذ تعهَّد الأسد بمواصلة الهجوم والجماعات المعارضة بالمقاومة. 

دُمرت المستشفيات والمرافق الطبية في أنحاء المحافظة جرَّاء 8 سنواتٍ من الحرب المستمرة، إذ قصفت الحكومة السورية والطائرات الحربية الروسية مراراً المستشفيات والعيادات في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة طوال فترة النزاع، وهو ما أسفر عن مقتل مئات العاملين في مجال الرعاية الصحية. 

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن ما يفوق 84 مستشفى ومنشأة طبية في شمال غربي سوريا إما تضررت أو دُمرت، أو أُغلقت بالقوة منذ اندلع هجوم تدمر في ديسمبر/كانون الأول، فضلاً عن افتقار المستشفيات التي ما زالت تعمل إلى الإمدادات الطبية اللازمة.

قال الدكتور ناصر المهاوش، منسِّق رصد الأمراض لدى شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة، إنَّ مدينة إدلب لديها مختبر في مستشفى إدلب المركزي جاهزٌ لاختبار فيروس كورونا، لكنه يفتقر إلى الأدوات اللازمة لإجراء الاختبار. 

طلب الأطباء السوريون إمدادهم بالمزيد من المعدات الوقائية، مثل الكمامات والقفازات، لكنهم لم يتسلَّموا أي شحنة من منظمة الصحة العالمية إلا يوم الثلاثاء الماضي، 17 مارس/آذار، وحين زرنا منطقة إدلب بعد العبور من تركيا، في الأسبوع الماضي، لم نرَ أيَّ نقاط فحص للكشف عن الفيروس. 

تصطف المخيمات غير النظامية، التي أُقيمت في الحقول الزراعية أو فوق سفوح التلال، بطول الطريق الممتد من الحدود إلى بلدة معرة مصرين. وفي مستشفى البلدة يُجري الأطباء المنهكون عملهم في غرف عمليات داخل قبو، فيما ينتظرهم حشدٌ من الناس في الأعلى. 

قال عبدالرازق زقزوق، أحد مساعدي المسؤول الإعلامي للجمعية الطبية السورية الأمريكية في المستشفى: "بكل أسفٍ ليس لدينا مناطق للحجر الصحي في سوريا، وفي حال ظهور أي حالة لفيروس كورونا سيكون الوضع كارثياً". 

تقديرات مفزعة بين عدوى ووفيات

يقدر الأطباء في المنطقة أنَّ مليون شخص في محافظة إدلب يمكن أن يصابوا بالفيروس، و100 إلى 120 ألفاً يمكن أن يلقوا حتفهم، فيما سيحتاج 10 آلاف شخص إلى وضعهم على أجهزة التنفس الصناعي. غير أنه لا يوجد سوى 153 جهاز تنفس صناعي في المحافظة في الوقت الحالي.

وقال تناري: "ربما شاهدت دولاً مثل إيطاليا والصين، وهي دول لديها نظام حجر صحي، لكنها لم تستطع التعامل مع الضغط في ظل ازدياد أعداد الحالات.. تخيل إذاً ما قد يحدث وبلدنا في حالة حربٍ ولا نملك نظام رعاية صحية مناسباً. سيحدث عجز كلي". 

في يوم الأربعاء الماضي، 18 مارس/آذار، قال هيدين هالدورسون، المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، إنَّ المنظمة تتوقع وصول معدات اختبار الكشف عن الفيروس إلى إدلب في الأسبوع المقبل، مضيفاً أنَّه لا يعرف بالتحديد أعداد تلك المستلزمات التي ستُرسل أو ميعاد وصولها. وأشار إلى إمكانية إرسال عينات إلى المعامل في تركيا في غضون ذلك. 

وقال إنَّ التأخير حدث بسبب تفضيل منظمة الصحة العالمية توزيع لوازم الاختبار على وكالات الصحة الحكومية أولاً، مرجعاً ذلك إلى أن "شمال غربي سوريا ليس دولة". 

وقال إنَّه بالنظر إلى العوائق التي تحول دون توصيل الإمدادات إلى منطقة الصراع، فالتأخير مدة شهرٍ ليس أمراً سيئاً، مضيفاً: "بل أرى أنَّ التأخير منطقي للغاية، بالنظر إلى التحديات.. لا أعرف تفاصيل وصول الإمدادات على وجه الدقة، لكنها ستصل قريباً، وهذا كل ما أعرفه"، وقال أيضاً إنَّ نقاط التفتيش المخصصة للفحص ستكون موجودة قريباً، وسيصل المزيد من المعدات الوقائية، غير أنَّه لا يعرف عددها أو ميعاد وصولها. 

في يوم الأحد الماضي، 15 مارس/آذار، قالت مديرية صحة إدلب -وهي هيئة تابعة للمعارضة- إنَّ هناك "احتمالية كبيرة لتفشي الوباء في المناطق المحررة في المستقبل القريب، في حال لم يكن قد انتشر بالفعل". 

يقع مخيم النصر بالقرب من الجدار الحدودي التركي/ نيويورك تايمز

وأصدرت توصيات تشمل إغلاق المدارس والجامعات التي لا تزال بها دراسة، وإغلاق المقاهي والمطاعم، والسماح فقط للوجبات السريعة، ومنع الصلوات الجماعية، والزيارات الاجتماعية، والسفر لغير حاجة ضرورية، إلى جانب تقديم الإرشادات عن الطريقة الآمنة للعطس والسعال، وغسل اليدين، وتطهير أماكن المعيشة. 

معظم التوصيات يستحيل تنفيذها في المخيمات

قال مايكل أوليفر لاشاريتيه، منسق الأزمات لدى مؤسسة أطباء بلا حدود: "لا أدري كيف سيكون بمقدور أي شيخ أو شخص مُصاب بالفيروس عزل نفسه".

ففي مخيم أطمة، الواقع على الحدود التركية على بعد 30 ميلاً (نحو 48 كيلومتراً) شمال مدينة إدلب، تتدفق مياه الصرف الصحي على الملأ في الطرقات، ولا تُفرغ حاويات القمامة بانتظام. 

وفي هذا الصدد، قالت أمينة القعيد، التي تعيش مع زوجها ووالديها وطفلتها البالغة من العمر 10 أشهر، إنَّ زوجها بنى حماماً لمنزلهم الصغير، ولكن يستخدم قرابة 40 شخصاً خمسة مراحيض دون وجود مكان مخصص لغسل أيديهم. 

وتتجمَّع النساء كل يوم لملء جرار الماء من الخزان، وجلب الخبز. وقال أمينة: "هذا الخبز ملفوف في كيس يمكن أن يحمل الفيروس، ومن ثمَّ ينتقل إلى كل هؤلاء الأفراد". 

يوجد بالمخيم عيادة صغيرة ومكتظَّة بالمرضى وبها حمل زائد. وقالت أمينة إنَّ العاملين في الإغاثة الذين قدموا لتوعية سكان المخيم لم يرتدوا كمامات أو قفازات، أو حتى عقَّموا أيديهم، وأضافت: "هذا الفيروس قد يقتل مزيداً من الأشخاص في شهر واحد هنا في شمالي سوريا، أكثر من أعداد الذين قتلهم النظام في السنوات العشر الماضية". 

قال الخبراء إنَّ مثل هذه الظروف ستُسهِّل انتشار الفيروس بدرجة كبيرة. ويرى لا شاريتيه أنَّه في ظل وجود ضغط على المستشفيات والعيادات الطبية بفعل سنوات من الصراع، يُرجح أن يكون معدل الوفيات أعلى بكثير من معدلات البلدان التي تملك مستشفيات أفضل تجهيزاً. 

تقع إدلب تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام"، وهي منظمة جهادية انشقت عن تنظيم القاعدة في عام 2017 واستخدمت العنف ضد نشطاء المجتمع المدني، رغم كونها بذلت جهوداً لتحسين صورتها في الآونة الأخيرة، ولم يصدر عن تلك الجماعة أي تصريحات حول الاستعداد لفيروس كورونا. 

وفي هذا الأسبوع، عقدت منظمة "بنفسج" للإغاثة والتنمية في سوريا دورات تدريبية لقرابة 40 من الممرضات وسائقي سيارة الإسعاف لتجهيزهم لمواجهة الفيروس، وتخطط المنظمة لتقسيمهم إلى فريقين: فريق سيُكلَّف بتقديم الإرشادات ومستلزمات النظافة من الصابون ومعقم اليدين، والكتيبات الإرشادية، فيما ستخوَّل مهمة نقل الأشخاص المشتبه في إصابتهم بالفيروس للفريق الآخر، غير أنَّه في حال الازياد الهائل لعدد الحالات، مثلما هو متوقع، لن يكون بمقدورهم احتواء الموقف. 

يخشى العاملون في الإغاثة والاختصاصيون الطبيون أنَّه حتى بعد أن تصل أخيراً مستلزمات الاختبار والمعدات الوقائية، فربما سيكون قد فات الأوان، وقال مساهر: "إذا لم يمنع الله فيروس كورونا من دخول منطقتنا، حينها ستكون هذه هي الفاجعة الأعظم".

تحميل المزيد