ما هي الوعود التي قدمها بيني غانتس للقائمة العربية المشتركة لكي تدعمه في تشكيل الحكومة الإسرائيلية؟ وهل يغدر غانتس بعرب إسرائيل بعد أن ضمِن الحصول على تأييدهم له في الكنيست؟ وهل يعمد إلى تشكيل حكومة موسعة تُغنيه عنهم؟
ونال بيني غانتس زعيم حزب أزرق أبيض ثقة الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، لتشكيل الحكومة القادمة، بعد حصول كتلته على دعم 61 نائباً في الكنيست من أصل 120، هي إجمالي عدد مقاعد البرلمان الإسرائيلي.
بحصول غانتس على التكليف فإنه خالف كل التوقعات التي رجحت أن رئيس الوزراء الحالي وزعيم كتلة اليمين، بنيامين نتنياهو، هو الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة، لأن عدد مقاعد كتلته 58 مقعداً، في حين بلغت مقاعد كتلة وسط يسار 55 مقعداً من دون أفيغدور ليبرمان زعيم حزب يسرائيل بيتنا، الذي دعم غانتس في الساعات الأخيرة.
أمام غانتس 28 يوماً قابلة للتمديد أسبوعين إضافيين، لإنهاء مشاوراته مع الأحزاب السياسية للاتفاق على تشكيل حكومة، تنحصر في خيارين: إما أن ينجح في المحافظة على مقاعد كتلته التي تسمح له بتشكيل حكومة ضيقة بدعم 61 نائباً، وإما الذهاب لخيار تشكيل حكومة وحدة موسعة في حال نجح في إقناع أعضاء من كتلة اليمين بالانضمام إليه، وهو ما لمَّح إليه غانتس فور تسلُّمه خطاب التكليف من الرئيس الإسرائيلي، حيث وعد بتشكيل حكومة وحدة واسعة خلال أيام.
خلافات داخل كتلة غانتس
سعيد بشارات، رئيس تحرير شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست"، إن "اتساع رقعة الخلافات داخل كتلة وسط يسار برئاسة غانتس رغم تجاوزها نسبة الحسم، سيصعّب أمامه مهمة تشكيل حكومة ضيقة أو موسعة، لذلك ستكون كتلة اليمين مستفيدة من هذه الخلافات، التي قد تجبر غانتس على القبول بشروط نتنياهو لتشكيل حكومة موسعة تكون رئاستها بالتناوب، دون الاضطرار إلى الحصول على دعم من ليبرمان أو القائمة المشتركة".
وأضاف أن "الخيار الآخر أمام غانتس هو الذهاب لتشكيل حكومة طوارئ لعدة أشهر، إلى حين انتهاء أزمة تفشي وباء كورونا، ثم محاولة الوصول لاتفاق سياسي شامل لإنهاء أزمة الحكومة، أو ذهاب الجميع لجولة رابعة من الانتخابات".
يواجه غانتس في مهمته جملة من التحديات: أولها إنهاء أزمة الفراغ الحكومي في إسرائيل، التي بدأت منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حينما سقطت حكومة نتنياهو بعد خلافات مع وزير الحرب ليبرمان، الذي انسحب من الحكومة نتيجة تباين وجهات نظرهما حول التعامل مع حماس.
لكن مهمة غانتس لا تبدو سهلة، فقد يصطدم بكثير من المعوقات: فمن جهة ترفض قوى من داخل معسكره أن تمنح موافقتها على تشكيل حكومة مع نتنياهو بسبب قضايا الفساد المرفوعة ضده، ومن جهة أخرى ترفض القوى ذاتها أن تكون القائمة العربية المشتركة جزءاً من الحكومة، حتى لو منحت أصواتها لغانتس من الخارج لتشكيل الحكومة دون أن تشارك فيها.
وقد يحاول أن يكتسب الشعبية على حساب دماء غزة
عصمت منصور، الباحث المختص بالشؤون الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست"، إن "تولي غانتس لرئاسة الحكومة قد يدفعه إلى إحداث تغيير بطريقة تعامله مع ملف التهدئة في غزة، لأنه استحوذ على نسبة عالية من دعايته الانتخابية على أساس أنه سيكون أقوى من نتنياهو في هذا الملف، وقد يطبق تهديداته السابقة بشن عملية عسكرية واسعة ضد حماس وصولاً لتسوية سياسية شاملة، تكون إسرائيل الطرف الأقوى فيها، فزعماء أزرق أبيض جنرالات وقادة عسكريون، يريدون أن يستعرضوا قوتهم ضد المقاومة الفلسطينية".
حماس من جانبها تراقب تطورات المشهد في إسرائيل، وتتحسب لأن تترجم تصريحات زعماء "أزرق أبيض" ضد غزة، بتبني سياسة خشنة ضدها، لاستعادة الجنود الأسرى لديها، وإعادة ميزان الردع لصالح الجيش الإسرائيلي، ووقف تهديد الأنفاق والحوّامات التي تهدد بها حماس، إسرائيل.
رغم ضيق الخيارات أمام غانتس في مهمة تشكيل الحكومة، فإن ذلك لا يمنع امتلاكه أوراق قوة تساعده في مهمته، فكتلة وسط يسار برئاسته تمتلك زمام الأمور في الكنيست بدءاً من رئاسته مروراً باللجان الأخرى، وهو ما يسمح له بتمرير مشروع قانون يقضي بعدم السماح لأي نائب بتشكيل حكومة إن ثبت تورطه في قضايا الفساد.
في هذه الحالة يعول غانتس -إن مرر هذا القانون- على كسر كتلة اليمين، بإحداث تمرد داخل "الليكود"؛ للحصول على دعم من بعض نوابه لتشكيل حكومة موحدة بـ70 أو 80 مقعداً، وهو ما يعني الإطاحة بنتياهو من رئاسة "الليكود".
ما هي الوعود التي قدمها بيني غانتس للقائمة العربية المشتركة لكي ينال دعمها؟
مع محافظة النواب العرب على قوتهم البرلمانية بحصولهم على 15 مقعداً في الكنيست، فقد شكّلوا لغانتس طوق النجاة كي يحظى بثقة الرئيس الإسرائيلي لتشكيل حكومته، وقد شكَّل هذا الموقف محل خلاف وتباينات كبيرة بين الفلسطينيين داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية، على اعتبار أن غانتس جنرال قاتل، قاد العُدوان على غزة في 2014، وتباهى في حملته الانتخابية الأخيرة بأنه قتل أكثر من ألفي فلسطيني.
في الوقت ذاته، يعتقد النواب العرب أنهم حصلوا على تعهدات من غانتس، تتلخص في عدم القيام بخطوات أحادية تجاه الفلسطينيين، وإرجاء تنفيذ صفقة القرن، واستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها في عهد رئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت، وإلغاء قانون القومية، وإعادة الوضع في الحرم القدسي إلى ما كان عليه قبل قرار الحكومة الإسرائيلية توسيع تصاريح دخول اليهود لأداء الطقوس الدينية فيه.
سيلقي بها إلى سلة المهملات
صالح النعامي، خبير الشؤون الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست"، إن "القائمة العربية المشتركة ترتكب خطأً فادحاً بدعمها غانتس لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، لأنه وتحالفه العنصري سيستغلان دعم القائمة فقط؛ من أجل دفع الليكود إلى للموافقة على حكومة وحدة من دون نتنياهو، ثم يلقي بالقائمة في سلة المهملات، كما فعل بعد انتخابات سبتمبر/أيلول 2019".
يترقب الفلسطينيون المشهد السياسي في إسرائيل من كثب، فكثير من القضايا تحتاج إلى حسم، بدءاً من ملف تنفيذ صفقة القرن، مروراً بملف التسوية والمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وليس آخرها ملف التهدئة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.
على مستوى صفقة القرن، لا يبدو أن هنالك خلافاً في سياسة غانتس عن سابقه نتنياهو بالتعامل مع هذا الملف، فهما متفقان على تنفيذ ما جاء فيها، خصوصاً ضم المستوطنات وغور الأردن، وظهر ذلك في دعايتهما الانتخابية، مع ترجيح أن يصطدم غانتس بشروط "القائمة المشتركة" التي سترفض أي مقترحات لتبادل أراضي المثلث العربي بإسرائيل إلى السلطة الفلسطينية مقابل إخلاء جزء من المستوطنات.
محمد مصلح، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، قال لـ"عربي بوست"، إن "وصول غانتس لرئاسة الحكومة في إسرائيل سيُحدث انقلاباً في السياسة الخارجية، فنتنياهو تسبب في أزمات تراكمت لسنوات لم يستطع معالجتها بالطريقة الملائمة، بدءاً من ملف التهديدات العسكرية والأمنية من فصائل المقاومة بغزة، وفي الجبهة الشمالية تواجه إسرائيل تحدياً استراتيجياً هو تراكم القدرات العسكرية لحزب الله والميليشيات التابعة لإيران بسوريا، واستمرار هذا التفوق يعني إبقاء إسرائيل في حالة تهديد مستمر".