عندما كشفت وسائل إعلام أمريكية في وقت متأخر من مساء الجمعة، 6 مارس/آذار 2020، عن اعتقالات مفاجئة لأمراء كبار في الأسرة الحاكمة السعودية، ربما تبادر لأذهان البعض في البداية أنها حملة "تطهير فساد" جديدة على شاكلة "الريتز كارلتون"، التي قادها ولي العهد السعودي ضد مئات الأمراء ورجال أعمال في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حصّل منهم الأمير محمد بن سلمان حينها أموالاً تقدر بـ400 مليار ريال سعودي. لكن الأسماء التي أعلنت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال" ووكالة "بلومبيرغ" فاجأت الجميع بشكل كبير، إذ طالت الاعتقالات الأمير أحمد بن عبدالعزيز، الشقيق الأصغر للملك سلمان، والأمير محمد بن نايف ابن شقيق العاهل السعودي. فيما ذكرت صحف أخرى أن الاعتقالات طالت أيضاً الأمير نواف بن نايف.
هذه الاعتقالات، أكدتها مصادر وكالة رويترز صباح السبت 7 مارس/آذار 2020، التي أشارت إلى أن أحد المعتقلين كان خياراً مقبولاً لدى الأسرة لتولي السلطة خلفاً لملك سلمان، لاسيما أن صحيفة "وول ستريت جورنال" قالت إن الاعتقالات لها صلة بـ"محاولة انقلاب مزعوم"، مضيفة أن "الرجلين اللذين كانا يوماً من الأيام على طريق الوصول إلى العرش، أصبحا مهددين الآن بالسجن أو الإعدام، وأن السلطات السعودية قد وجهت لهما تهمة الخيانة العظمى". فمن هما هذان الأميران، وهل كانا يشكلان خطراً على مستقبل ولي العهد السعودي، الحاكم الفعلي للمملكة؟
الأمير أحمد بن عبدالعزيز.. آخر الإخوة الأشقاء للملك سلمان
في شهر سبتمبر/أيلول 2018، ظهر الأمير السعودي أحمد بن عبدالعزيز وهو يرد على متظاهرين هتفوا ضده أثناء دخوله مقرّ إقامته في لندن بعدد من الهتافات المندّدة بسياسات العائلة الحاكمة في المملكة، ووصفوهم بالمجرمين القتلة. لكن الأمير السعودي، البالغ من العمر 76 سنة، توجّه نحو المتظاهرين الغاضبين، مؤكداً لهم أن "أسرة آل سعود لا دخل لها بهذه السياسة، وأن المسؤولية تقع كاملة على الملك سلمان وولي عهده".
كان هذا الموقف المفاجئ قد كشف عن وجهة نظر حادة مختلفة داخل الأسرة الحاكمة السعودية، تعارض بشكل مباشر العهد الجديد للملك سلمان وولي عهده "المتهور" محمد، إذ جعل حديث الأمير أحمد المباشر ضد أخيه وابن أخيه منذ ذلك الحين، العديد من المراقبين، يرون أنّ السعودية مقبلة على خطر داهم يمكن أن يهدد مستقبلها السياسي، إذ اعتبر كثيرون حينها أن الأمير أحمد -الذي ينتمي إلى الجناح السديري الأكثر نفوذاً في العائلة المالكة السعودية- يمكن أن ينفد صبره ويجبره على التحرك ضد تصرفات محمد بن سلمان لردعه وكبح تهوره حتى لا يقود البلاد والعائلة الحاكمة إلى مصير مجهول.
يملك الأمير أحمد علاقات جيدة مع قبائل السعودية، ويحظى بقبول واسع بين أوساط الأمراء والمؤسسة الدينية، حيث سبق له أن تولى منصب وزير الداخلية في السعودية، خلال الفترة من 18 يونيو/حزيران 2012 حتى 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، الأمر الذي جعله مرشحاً لأن يلعب دوراً في مستقبل الحكم.
ومع وصول الملك سلمان إلى الحكم توقع الكثير أن يكون منصب ولاية العهد من نصيب الأمير أحمد بن عبدالعزيز، إلا أن الملك سلمان خالف هذه التوقعات، وقفز مباشرة إلى الأحفاد السديريين (محمد بن نايف ومحمد بن سلمان)، وذلك باتفاق مع بعض الأمراء النافذين في العائلة المالكة، خاصة السديريين.
والأمير أحمد هو الابن الـ31 من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز، وهو أصغر أبنائه من زوجته الأميرة حصة بنت أحمد السديري، وهو ممَّن يطلق عليهم لقب "السديريون السبعة".
كما شغل الأمير أحمد بن عبدالعزيز منصب نائب وزير الداخلية في السعودية (1975-2012)، وهو أحد الأبناء الأقوياء للملك المؤسّس، وكان يُشار إليه على أنه أقوى المرشّحين لخلافة الملك سلمان، وأنه يمثّل أكبر تهديد لطموحات محمد بن سلمان.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، قبل ساعات من تنفيذ ما عُرف بـ"مذبحة الأمراء" التي طالت نحو 11 أميراً سعودياً، أبرزهم الوليد بن طلال، وعشرات الوزراء ورجال الأعمال ممن اعتقلوا في فندق "الريدز كارلتون"، تمكّن الأمير أحمد من مغادرة السعودية متوجّهاً إلى الولايات المتحدة، لكنه عاد بعد ذلك في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بضمانات بألا يتعرض له الملك أو ولي العهد بعد انتقاداته لهما، إذ كان مصدر دبلوماسي قد ذكر لوكالة رويترز حينها، أن "الأمير أحمد طلب تطمينات من الملك قبل العودة للمملكة، وعندما تم توضيح الأمور وإعطاؤه ذلك قرر العودة"، فيما تحدثت مصادر غربية بأن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ضمنتنا له السلامة حال عودته للمملكة.
الأمير محمد بن نايف.. ولي العهد السابق ذو النفوذ الكبير
منذ توليه العهد، سعى محمد بن سلمان لتعزيز سلطته وحكمه، وكان أول ما فكر به لتحقيق ذلك هو استبعاد أبرز خصومه السابقين، ابن عمه ذي النفوذ الكبير وأحد الرجال المفضلين لواشنطن، الأمير محمد بن نايف، في يونيو/حزيران عام 2017.
فقد أُعفي بن نايف من ولاية العهد عندما استبدله الملك سلمان بابنه محمد، الذي كان يشغل منصب ولي ولي العهد آنذاك، وحينها ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن السلطات السعودية قيّدت إقامة بن نايف في قصره في مدينة جدة، وأنه صدر أمر ملكي بمنعه من السفر.
وكما تروي الصحيفة الأمريكية حادثة عزله، فقد عقد في ليلة 20 يونيو/حزيران 2017 اجتماع ملكي مع كبار مسؤولي الأمن في المملكة والأمراء في قصر الصفا في مكة، بعد أن تم استدعاؤهم للقاء الملك سلمان، حسبما تنقل الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين ومقربين من الأسرة الحاكمة. وفي منتصف الليل تم استدعاء محمد بن نايف للقاء الملك، حيث اصطُحب إلى غرفة خاصة بعد تجريده من أجهزة الهاتف التي يحملها، وطلبوا منه التنازل عن منصبه.
رفض حينَها محمد بن نايف ما طُلب منه في البداية، لكن مع مرور الوقت ونتيجة الإعياء والتعب الذي شعر به، والناجم عن مرض السكري الذي يعاني منه، رضخ في نهاية المطاف وقَبِل بالتنازل لصالح محمد بن سلمان قبيل الفجر. وبعد أشهر قليلة، قام محمد بن سلمان بتجميد أرصدة بن نايف وأفراد عائلته ضمن حملة "الريتز كارلتون" لمكافحة الفساد.
ويعد محمد بن نايف (60 عاماً) أحد أبناء الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد السعودي الأسبق، كما كان أول حفيد للملك عبدالعزيز يصبح ولياً للعهد، بين عامي 2015 و2017. وقد كان وزيراً للداخلية بين الأعوام 2012 و2017، وعرف بنفوذه القوي داخل البلاد، وعلاقته المميزة مع الأمريكيين، الذين وصفوه بأنه "جنرال الحرب على الإرهاب"، وقد حظي بتعاون وثيق مع المخابرات الأمريكية.
تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن حادثة عزله وفرض الإقامة الجبرية عليه وعلى رجاله في عام 2017 قد أقلقت الأمريكيين، موضحة أن المخابرات المركزية الأمريكية أعربت عن قلقها للبيت الأبيض من الإطاحة بمحمد بن نايف، وعزل أهم رجاله في الأمن عبدالعزيز الهويرني، الذي كان يلعب دوراً محورياً في التعاون الأمني مع الولايات المتحدة.
وكان محمد بن نايف قد تولى مناصب عدة في السعودية، قبل أن يصبح ولياً للعهد عام 2015، منها منصب النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الداخلية، كما رأس مجلس الشؤون السياسية والأمنية في المملكة.
ووالد محمد بن نايف كان واحداً ممن كان يُطلق عليهم "السديريون السبعة"، نسبة إلى والدتهم حصة بنت أحمد السديري (وهم كل من الملك فهد ووزير الدفاع وولي العهد السابق سلطان وعبدالرحمن ووزير الداخلية والنائب الأول لرئيس الوزراء السابق نايف ونائب وزير الدفاع السابق تركي والملك الحالي سلمان ووزير الداخلية السابق أحمد).
درس محمد بن نايف في الولايات المتحدة، إذ انخرط في كلية لويس وكلارك، كما شارك في دورات أمنية نظمها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بين عامي 1985 و1988، كما تلقى تدريباً لدى وحدات مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة البريطانية بين عامي 1992 و1994.
عين محمد بن نايف في عام 1999 مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، ويعترف كثيرون له بالفضل في نجاح جهود وزارة الداخلية في مكافحة الإرهاب. كما يراه كثيرون مهندس برنامج الحكومة السعودية للتصدي للإرهاب، إذ سبق أن تعرّض، في 27 أغسطس/آب 2009، لمحاولة اغتيال من قبل مطلوب، زعم أنه يرغب في تسليم نفسه، حيث قام الجهادي بتفجير نفسه بواسطة هاتف جوال، وأُصيب الأمير بجروح طفيفة، ولاحقاً أعلن تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" مسؤوليته عن الهجوم.
بعد تعيين أحمد بن عبدالعزيز وزيراً للداخلية، عقب وفاة نايف بن عبدالعزيز في يوليو/تموز 2012، عين محمد بن نايف نائباً لوزير الداخلية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أصدر الملك الراحل عبدالله مرسوماً نحى بموجبه أحمد بن عبدالعزيز من منصبه، وعين محمد بن نايف وزيراً للداخلية. وفي فبراير/شباط 2014، كلف محمد بن نايف بمسؤولية النشاطات الاستخبارية السعودية في سوريا، خلفاً لبندر بن سلطان.