التصريحات الإيرانية المتكررة بشأن مقاضاة الولايات المتحدة بسبب اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني دائماً ما تكون مقرونة بذكر العراق، فعادةً ما يقولون "إيران والعراق"، فهل يمكن أن يحدث ذلك بالفعل؟ وما قصة ذلك الملف القانوني؟
موقع المونيتور الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "لماذا قد يختار العراق عدم المشاركة في دعوى قضائية بشأن مقتل سليماني؟"، ناقش الأمر من ناحيته السياسية والقانونية وتداعيات مثل هذه الخطوة على الأوضاع في العراق.
ماذا تقول إيران بشأن الملف القضائي؟
ذكر علي باقري، مسؤول الشؤون الدولية في السلطة القضائية الإيرانية، في 15 فبراير/شباط الماضي، أن "إيران والعراق تتابعان الملف القضائي المتعلق باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني"، الذي قُتل إثر غارة جوية أمريكية ضربت سيارته في 3 يناير/كانون الثاني الماضي مع أبومهدي المهندس، نائب قائد وحدات الحشد الشعبي.
وقال باقري: "هناك عمل مشترك مع العراق، وقد تحدَّث إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية إلى نظيره العراقي عبر الهاتف".
ومن جانبه حاول موقع Al-Monitor الأمريكي التواصل مع المجلس الأعلى العراقي للقضاء والمتحدث الرسمي باسم المجلس لمعرفة كيفية تجاوب العراق مع إيران في هذا الصدد ومدى جدية التصريحات الإيرانية، ولكن يبدو أنه موضوعٌ حسّاس يرفض المجلس مناقشته. وكذلك امتنع بعض القضاة والخبراء القانونيون العراقيون الذين اتصل بهم موقع Al-Monitor عن إبداء أي تعليقات.
يُذكَر أن غلام حسين إسماعيلي، المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية، قال في 4 فبراير/شباط: "سترفع عائلة سليماني دعوى ضد المتورطين في اغتياله، وقد وصل ملف القضية، الذي أعِدَّ في العراق بالفعل، إلى مرحلةٍ جادة"، وهذا التصريح يحتوي على تأكيدٍ آخر على أن إيران تسعى إلى ضم العراق إلى صفها في الملف القضائي المتعلق بهذه الحادثة.
هل هناك أرضية قانونية من الأساس؟
وفي هذا الصدد، قال إحسان الشمري، مدير المركز العراقي للفكر السياسي، لموقع Al-Monitor: "القانون الدولي، والمادة رقم 51 من ميثاق الأمم المتحدة، والاتفاقية المشتركة بين الأمم المتحدة والعراق لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كلها تمنح الدول، بما فيها الولايات المتحدة، الحق في اتخاذ إجراءاتٍ للدفاع عن نفسها في حال احتمالية تعرُّضها لهجوم مسلح وشيك، وإذا اتضح أن ادِّعاءات الولايات المتحدة حقيقية، وأنها كانت تدافع عن نفسها بالفعل لدرء أي هجمات، فمثل هذا النوع من التصرف يُعد مقبولاً".
وأضاف: "من أجل تصنيف الغارة الأمريكية على أنها مشروعة بموجب القانون الدولي، يتعيَّن على واشنطن تقديم أدلةٍ على أنه قد جرى التخطيط لهجمات مستقبلية ضدها. ومن المرجح أن تتعلَّل الولايات المتحدة بأن دعوتها إلى التعاون ضد تنظيم داعش تُعد بمثابة إذنٍ من الحكومة العراقية. وهذا (بالتبعية) يمنح واشنطن الحق في حماية مصالحها داخل العراق"، وأردف: "من أجل تعاون العراق وإيران في التحقيق، يجب أن يكون هناك اتفاقٌ قضائي يوافق عليه البرلمان العراقي. ولكن لا يوجد اتفاقٌ كهذا".
وتطرَّق الشمري إلى "التأثير السياسي الإيراني في الملف"، مشيراً إلى أن "حكومة عادل عبدالمهدي الموالية لإيران سمحت لفريقٍ خاص من السفارة الإيرانية في بغداد بدخول مكان الحادث بعد 30 دقيقة من الغارة من أجل استعادة بعض المقتنيات وحقيبة دبلوماسية مضادة للقنابل لم تنفجر وطارت بعيداً عن مكان الحادث بحوالي 20 متراً".
كيف ينعكس تشكيل الحكومة على الملف؟
تحدث الشمري كذلك عن عاملٍ متغير مهم يتعلق بملف الاغتيال: وهو "الانتقال من رئاسة وزراء موالية لإيران، متمثلةً في عبدالمهدي، إلى رئيس وزراء نأمل أن يعيد (العراق) إلى دائرة التوازن والقرارات السيادية، ويتجنب أي سببٍ للتصعيد الذي سيحدث إذا أشرك إيران في ملف التحقيق. وذلك لأن خطوةً كهذه ستكون استفزازية لواشنطن وستوحي بأن الحكومة المستقبلية ستكون واقعةً أيضاً تحت نفوذ إيران".
وقال إن المحتجين العراقيين، الذين يعارضون النفوذ الإيراني في العراق عموماً، من المرجح أن يضغطوا من أجل "التصدي لتدخل إيران في الملف القضائي العراقي، لا سيما أن العراق أكمل التحقيق. فهل سمحت إيران لأطرافٍ أجنبية بالتحقيق في تحطم الطائرة الأوكرانية؟ (لا) بل ولم تُسلِّم حتى صندوق الطائرة الأسود". يُذكَر أن قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني أسقطت هذه الطائرة بالخطأ في 8 يناير/كانون الثاني الماضي.
من جانبه قال رحيم العكيلي، القاضي العراقي ورئيس هيئة النزاهة العراقية السابق، لموقع Al-Monitor: "إعلان اتفاقٍ بشأن التعاون القضائي في مقتل سليماني يمكن أن يكون مرتبطاً بتبادل المعلومات والأدلة".
وأضاف: "من منظورٍ مُبسَّط لقانون العقوبات العراقي، يمكن تصنيف مقتل سليماني على أنه قتلٌ متعمد. ولكن هناك أبعادٌ دولية وسياسية تحول دون اعتبار القضية جريمة قتل عادية. وذلك لأنها تميل إلى أن تكون أقرب إلى عمليات القتل في سياق العمليات العسكرية، وفقاً للآليات القانونية والصلاحيات الدستورية".
وأكد العكيلي أنه يعتقد أنه "لا توجد فرصة لأي مساءلة أو محاكمة في هذه القضية، نظراً إلى أن الجهة التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث دولة، وهذا لأن الدول محصنة ضد المقاضاة".
ماذا قالت المحكمة الجنائية الدولية؟
فيما ركَّز الخبير القانوني طارق حرب على حقيقة أن عملية الاغتيال أجريت على أرض عراقية. وقال حرب لموقع Al-Monitor: "بموجب السلطة القضائية للدولة في القضايا الجنائية التي تقع على أراضيها، مثل القتل، والتي يقرها القانون العراقي والإيراني والدولي، تقتصر (السلطات المختصة) في هذا الملف على الهيئات القضائية والمحاكم العراقية".
يُذكَر أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قال في 3 يناير/كانون الثاني الماضي إن المحكمة ليس لديها الصلاحية القضائية للتحقيق في اغتيال سليماني.
من جانبه قال علي التميمي، القاضي العراقي السابق، لموقع Al-Monitor: "لا يمكن للمحققين الإيرانيين دخول البلاد؛ لأنهم غير مخولين المشاركة في التحقيق بموجب القانونين العراقي والدولي، إلَّا إذا وافقت الحكومة العراقية والمجلس الأعلى العراقي للقضاء والنيابة العامة العراقية على هذه المشاركة".
ومع أنَّ إيران من مصلحتها إشراك العراق في التحقيق القضائي باغتيال سليماني، تصطدم هذه الرغبة الإيرانية برفض الشعب العراقي والنخبة العراقية لأي تدخُّل أجنبي في الشؤون القضائية العراقية. وكذلك فبغداد تدرك جيداً أن هذا التعاون لا يخدم علاقاتها مع واشنطن.