في قاعة كبيرة مزدحمة في منطقة إنديرا فيهار، تجلس عشرات النساء والأطفال المشردين جراء أعمال الشغب، فوق البسط والحصير. وكثيرات من الشابات يحملن رضعاً، لكن هناك أيضاً أطفالاً صغاراً، وأطفالاً أكبر قليلاً يلعبون في مجموعات، كلهم ضحايا لأعمال العنف التي نفذتها المجموعات الهندوسية المتطرفة بحق المسلمات.
تعود ملكية هذه القاعة لسيدة أعمال مسلمة، وقد تحولت إلى ملجأ للمشردين، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ضحايا لأعمال العنف التي نفذتها المجموعات الهندوسية المتطرفة بحق المسلمات
فرت النساء الموجودات هنا بأطفالهن من العصابات الهندوسية التي هاجمت منازلهن في شيف فيهار؛ إحدى أشد المناطق تضرراً.
يُشبه حي شيف فيهار، وهو حي تسكنه الطبقة العاملة ويهيمن عليه الهندوس إلى جانب عدد سكاني لا يُستهان به من المسلمين، متاهة من الأزقة الضيقة تقع بجوار مصرف قذر.
وعلى بعد بضع مئات من الأمتار، بمحاذاة المصرف نفسه، توجد منطقتا تشامان بارك وإنديرا فيهار ذات الأغلبية المسلمة. ولا يفصل المجتمعين المسلم والهندوسي إلا طريق، وقد تعايشا معاً بسلامٍ لعقود. لكن كل ذلك تغير الآن.
الهندوس قالوا إننا سنحميكم ثم هاجموا النساء في غيبة الرجال
تقول نسرين أنصاري، وهي من بين النساء الهاربات من بيوتهن في شيف فيهار، إن الكارثة بدأت مساء الثلاثاء 25 فبراير/شباط، عندما لم يكن في البيوت غير النساء، بينما كان رجالهن يبعدون أميالاً في منطقة أخرى من دلهي، حيث يحضرون اجتماعاً للمسلمين.
تقول نسرين: "رأينا حوالي 50 إلى 60 رجلاً. لا أعرف من هم، ولم نرهم من قبل قط". وأضافت "قالوا إنهم أتوا لحمايتنا وأمرونا أن نبقى داخل بيوتنا".
وبينما تطلعت هي والنساء الأخريات من النوافذ والشرف، أدركن سريعاً أن هؤلاء الرجال لم يأتوا لحمايتهن.
لدى نسرين مقطع فيديو صورته من نافذتها، يُظهر بعض الرجال، وكلهم يرتدون خوذاً ويحملون عصياً خشبية طويلة.
وتقول نسرين إن الرجال كانوا يصيحون بشعاراتٍ دينية هندوسية مثل "جاي شري رام" (ليحيا الرب رام)، ويتلون مقاطع من كتاب هانومان تشاليسا (ترنيمة تقدس قوى هانومان؛ الإله القرد).
منزلي يحترق.. والشرطة تقول إنها سوف تأتي بعد 5 دقائق ولا تأتي
وتوضح أمها، نور جيهان أنصاري، إن جارةً مسلمة نادتها لتخبرها أن منزلها يحترق.
وتضيف: "استطعنا أن نرى من نافذتنا بيت جارٍ مسلمٍ آخر ومتجر أدويته يحترقان".
وتقول إن المهاجمين خربوا محولات الكهرباء، ومع اقتراب المغيب، انغمست المنطقة في الظلام.
وتضيف: "بعد وقت قليل، كانت النيران تحيطنا، إذ كانوا يلقون قنابل المولوتوف وأنابيب الغاز على متاجر وبيوت المسلمين. بينما لم تتضرر منازل الهندوس. لم نتخيل قط أن يصيبنا شيء كهذا. كان خطؤنا الوحيد أننا وُلدنا مسلمين".
تقول نسرين إن النساء أجرين عشرات الاتصالات بالشرطة: "وكانوا في كل مرة يؤكدون لنا أنهم سيصلون في غضون 5 دقائق".
وتضيف أنها عند نقطة معينة اتصلت ببعض أقاربها وأخبرتهم أنهن لن ينجين هذه الليلة.
ووصلت النجدة بعد 12 ساعة بعدما هربن بلا أحذية
غير أن نجدتهن وصلت في الـ3 صباحاً، بعد 12 ساعة من محاصرة بيوتهن، عندما وصلت الشرطة أخيراً ومعها رجال مسلمون من تشامان بارك وإنديرا فيهار.
إذ تقول: "هربنا بحياتنا، مرتديات ملابسنا فقط. بل إننا لم نجد وقتاً لارتداء أحذية".
وروت نساء أخريات في الملجأ قصصاً شبيهة عما تعرضن له تلك الليلة.
مولوتوف واعتداء جنسي
وقالت شيرا مايك (19 سنة) إنها وعائلتها احتموا في منزل أحد الجيران: "كنا محاصرين. وكانت الحجارة وقنابل المولوتوف تنهمر علينا من الخارج".
أخبرتني عدة نساء كيف كدن يتعرضن لاعتداء جنسي تلك الليلة. وقلن إن المهاجمين شدوا حجابهن ومزقوا ملابسهن.
وحكت أمٌ لطفل يبلغ عاماً واحداً كيف مُزقت ملابسها على يد الرجال الذين اقتحموا منزلها.
وقالت امرأة أخرى، في بداية الثلاثينات من عمرها، إن السبب الوحيد الذي جعلها تنجو من الموت هو مساعدة جيرانها الهندوس لها.
وأضافت: "قال جيراني الهندوس لأحد المهاجمين 'إنها منا. لا توجد مسلمات هنا'. وعندما خرج إلى الطريق الخلفي ساعدوني على الهرب".
بدأ ذلك العنف العبثي في الأيام القليلة الماضية مساء الأحد 23 فبراير/شباط، بصدام صغير على بعد كيلومترات قليلة من شيف فيهار بين مؤيدين ومعارضين لقانون المواطنة الجديد المثير للجدل.
وفي غضون ساعات، كان أثره قد وصل إلى الأحياء الأخرى بما فيها شيف فيهار وتشامان بارك.
يقول معدو تقرير هيئة الإذاعة البريطانية إنه "بينما نسير في المنطقة، لا تزال تظهر الطرق آثار الفوضى التي اندلعت هنا. ويراقب العشرات من أفراد شرطة مكافحة الشغب كي لا تقع أعمال عنفٍ جديدة".
كان الطوب والحجارة متناثرين في كل مكان، وثمة سيارات ومتاجر وبيوت محترقة. وفي شيف فيهار، احترق أيضاً مسجد قبالة المصرف على يد المخربين.
وفي الملجأ في إنديرا فيهار، تقول النساء إنهن لا يعرفن متى سيتمكن من العودة إلى بيوتهن، إذا كان هذا ممكناً أصلاً.
وتقول شابانا رحمان إن أطفالها الـ3 يسألونها دائماً متى سيعودون إلى البيت.
وتتابع والدموع تنهمر على خديها: "احترق منزلي على يد المخربين. إلى أين سنذهب الآن؟ ما هو مستقبل أطفالي؟ من سيعتني بنا؟ لقد فقدنا كل أوراقنا ووثائقنا".
بالرغم من أن منزلها في شيف فيهار لا يبعد كثيراً، فما زال تجاوز هذه الفجوة لا يبدو ممكناً.