لم يتمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تنفيذ وعده ببناء جدار عازل بطول الحدود مع المكسيك، لكن ذلك لا يعني أنه فشل في الحد من الهجرة إلى الولايات المتحدة بصورة لافتة طوال السنوات الثلاث الماضية، فكيف حقق ما أراد؟ وماذا يعني "الجدار غير المرئي"؟
موقع BBC Mundo نشر تقريراً بعنوان: "الجدار غير المرئي" الذي تمكن به ترامب من الحد من الهجرة في الولايات المتحدة"، سلط الضوء على الإجراءات غير المسبوقة التي اتخذتها إدارة ترامب في مجال الهجرة وأدت لانخفاض كبير في أعداد المهاجرين إلى الولايات المتحدة.
بعد أكثر من ثلاث سنوات على وصوله إلى البيت الأبيض، شيَّد الرئيس ترامب 177 كيلومتراً فقط من أصل 1609 كيلومترات من الجدار المثير للجدل الذي وعد بإنشائه على الحدود مع المكسيك، وذلك وفقاً لأرقامٍ رسمية ذكرتها صحيفة The Washington Post الأمريكية.
لكن، لا تسمح لهذه البيانات أن تقودك لاستنتاجاتٍ خاطئة
كان هناك انخفاض ملحوظ في أعداد المهاجرين إلى الولايات المتحدة في عهد الحكومة الحالية، برغم أن ذلك لم يتحقق بفضل الجدار الحدودي؛ بل يُعزى إلى ما أطلق عليه الخبراء ووسائل الإعلام الأمريكية "جدار ترامب غير المرئي".
لكن ما المقصود بذلك؟ يستخدم الخبراء هذا التعبير للإشارة إلى ذلك التغيير المستمر والدقيق في لوائح الهجرة التي تقودها الحكومة والتي صعَّبت المسار الذي يسلكه الأجانب الذين يرغبون في الاستقرار في الولايات المتحدة من خلال الوسائل المشروعة.
وهكذا، أثَّر هذا الخط الدفاعي الحدودي بصورة أكبر على من يرغبون في الهجرة بشكل شرعي مقارنة بالمهاجرين غير الشرعيين.
لكن، إلى أي مدى انخفضت الهجرة الشرعية فعلياً؟ طبقاً لبيانات وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة (DHS)، شهدت الفترة بين عام 2016 -آخر عام لحكومة أوباما- وعام 2018 انخفاضاً كبيراً سواء في منح تصاريح إقامة دائمة أو استقبال اللاجئين.
في الفترة بين هذين العامين، انخفض إصدار البطاقات الخضراء (المعروفة بتصاريح الإقامة) من 1183505 تصاريح إلى 1096611 تصريحاً، بينما انخفض قبول اللاجئين بنسبة تقترب من 75%؛ إذ انخفض العدد من 84988 إلى 22405 لاجئين، وبالنسبة لطلبات اللجوء، كان هناك ارتفاع ملحوظ؛ إذ ارتفعت من 20362 إلى 38687 طلباً.
ومع ذلك، فإن هذه الزيادة لم تكن كافية قط للتعويض عن الانخفاض في الفئتين الأخريين، وكان إجمالي الانخفاض في الفئات الثلاث 131152 شخصاً، أي ما يعادل انخفاض بنسبة 10% بين عامي 2016 و2018، كذلك شهد منح تأشيرات الهجرة انخفاضاً كبيراً من 617752 في عام 2016 إلى 462422 في عام 2018، بفارق قدره 155330 تأشيرة، وهو ما يعادل انخفاضاً بنسبة 25%.
تقدّر دراسة للمؤسسة الوطنية للسياسة الأمريكية (NFAP) أن السياسات التي يتبناها البيت الأبيض يمكن أن تؤدي إلى انخفاض بنسبة 30% في تدفق المهاجرين القانونيين على المدى الطويل مقارنة بمستويات عام 2016، الأمر الذي سيؤثر سلباً على حجم القوى العاملة المتاحة، وبالتالي على النمو الاقتصادي.
نفس القوانين بتأويل مختلف؟
يتمثَّل أحد العناصر الأكثر إثارة للانتباه في نهج ترامب للحد من الهجرة في الولايات المتحدة في حقيقة أنه لم يكن فقط عبر الجدار الحدودي، بل كذلك في أنه لم يستلزم تغيير قوانين الهجرة الحالية (الذي يتطلب موافقة الكونغرس عليه)، إذن، كيف فعل ترامب ذلك؟
تمثَّل ذلك بشكل أساسي في استخدام صلاحياته الرئاسية، وذلك من خلال التوقيع على الأوامر، وإعادة التأويل الأكثر تشدداً للشروط المنصوص عليها في القوانين المتعلقة بمنح استحقاقات الهجرة.
وكمثال على ذلك، وقَّع الرئيس، بعد وقت قصير من توليه منصبه، أمراً تنفيذياً يمنع دخول مواطني العراق وسوريا وإيران وليبيا والصومال والسودان واليمن إلى الولايات المتحدة، ولقي هذا الأمر التنفيذي اعتراضات شديدة وصُنِّف بأنه تمييزي وأوقفت المحاكم تنفيذ جزء منه مؤقتاً.
رداً على ذلك، لجأ البيت الأبيض إلى إصدار قرار ثانٍ معدَّل -استثنى العراق وألغى الحظر غير محدد المدة المفروض على اللاجئين السوريين- تعرَّض لانتقادات وطُعن فيه قانوناً.
لكن ذلك لم يُثن الحكومة، التي انتهى بها الأمر بإصدار أمر ثالث في سبتمبر/أيلول 2017 نص على أن يشمل الحظر دخول المسؤولين الفنزويليين وأسرهم، بالإضافة إلى مواطني كوريا الشمالية وتشاد، ومع الإضافات الجديدة لقوائم الحظر، لم يعد من الممكن اعتبار الأمر "معادياً للمسلمين" وحصل على موافقة المحاكم.
دخل هذا القرار حيز التنفيذ يوم الجمعة، 21 فبراير/شباط، ليشمل إريتريا وقيرغيزستان وميانمار -والأهم من ذلك- نيجيريا، الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في إفريقيا، كذلك يحظر هذا الإجراء على مواطني السودان وتنزانيا المشاركة في برنامج تأشيرة هجرة التنوع -المعروف باسم "الهجرة العشوائية"- الذي تُمنح من خلاله رخصة الإقامة الدائمة لحوالي 50 ألف أجنبي كل عام.
عبء على عاتق الدولة
وفقاً للخبراء، ستكون اللائحة التي ستعني عائقاً كبيراً من الآن فصاعداً هي القاعدة النهائية الجديدة لقانون العبء على الدولة "Public charge rule"، الذي دخل حيز التنفيذ يوم الإثنين، 17 فبراير/شباط، والذي ينص على إمكانية رفض الإقامة الدائمة أو رفض تمديد التأشيرة للأجانب الذين تعتبرهم سلطات الهجرة غير قادرين على إعالة أنفسهم، والذين يمكن أن يمثِّلوا بالتالي عبئاً اقتصادياً على الدولة.
حتى الأسبوع الماضي، لم يُرفض سوى المهاجرين الذين كانوا قريبين جداً من خط الفقر الرسمي أو تحته أو الذين كانوا بحاجة إلى مساعدة مالية متواصلة على المدى الطويل، وحدث ذلك مع أقل من 1% من الحالات، من الآن فصاعداً، لن يتَّخذ موظفو الهجرة القرار بناءً على الدخل فحسب، بل أيضاً بناء على مجموعة أخرى من العوامل، مثل عمر مقدم الطلب وحالته الصحية ومستوى تعليمه.
هناك عنصر رئيسي آخر يشترط ألا يكون الشخص قد استفاد من الرعاية الاجتماعية مثل إعانات الإسكان أو المساعدات الغذائية لمدة 12 شهراً خلال الـ 36 شهراً الماضية.
في أغسطس/آب الماضي، عندما حصل القانون على الموافقة، دافع القائم بأعمال المدير المسؤول عن دائرة خدمات الهجرة والجنسية الأمريكية، كين كوتشينيلي، عن القانون الجديد بدعوى أنه سيساعد في ضمان أن يكون المهاجرون الذين يصلون إلى البلاد يتمتعون بالاكتفاء الذاتي وأنهم لن يكونوا عبئاً على المجتمع.
تعليقاً على بدء دخول قانون "Public Charge" الجديد حيِّز التنفيذ، كتب كوتشينيلي في مقال نُشر في صحيفة The Hill الأمريكية قائلاً: "يواصل الرئيس ترامب الوفاء بوعده للشعب الأمريكي بإنفاذ قوانين الهجرة في بلادنا".
غير أن هذا التغيير لقي انتقادات شديدة، ويقول كثيرون إنه ليس مجرد إعادة تأويل للقوانين الحالية، وفي حديثه لصحيفة The New York Times الأمريكية، قال كمال الصاحب، نائب مدير المركز الوطني لقانون الهجرة (NILC): "إنها إعادة صياغة جذرية لقوانين الهجرة باستخدام الأوامر التنفيذية".
من جانبه، يُقدِّر تحليل لمعهد سياسات الهجرة (MPI) أن هذا القانون الجديد "سيكون له أثر عميق على الدخول الشرعي إلى الولايات المتحدة واستخدام المنافع العامة من قبل ملايين الأجانب المقيمين بصفة قانونية والمواطنين الأمريكيين الذين يعيشون معهم".
وفقاً لتقديرات هذه المؤسسة، يمكن أن يؤدي هذا القانون المثير للجدل إلى أن يقرر جزء كبير مِمَّا يقرب من 23 مليون أجنبي، ومن الأمريكيين الذين هم جزء من الأسر المهاجرة، التوقف عن الاستفادة من المنافع العامة المتاحة لهم.