كان واضحاً منذ إعلان مصر عن وصول مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا إلى طريق مسدود، أن الجانب الإثيوبي ليس مستعداً للتفاوض أو التراجع عن خطته للانتهاء من بناء السد والبدء في ملء الخزان قبل الانتخابات هناك والمقرر لها أغسطس/آب المقبل، فكيف حققت الحكومة إجماعاً شعبياً على هذه الاستراتيجية؟
موقع VOANEWS الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "محتجون أمريكيون من أصل إثيوبي يطالبون الرئيس ترامب بالتوقف عن الضغط على إثيوبيا"، ألقى الضوء على خلفيات الموقف الإثيوبي الذي رفض التوجه إلى واشنطن للتوقيع على اتفاق اقترحته واشنطن.
تجمُّع رمزي لكنه كاشف
تجمَّع الإثيوبيون في واشنطن، الخميس 27 فبراير/شباط؛ لدعم مشروع السد الذي تبنيه البلاد على نهر النيل، والإعراب عن استيائهم من دور الولايات المتحدة في المفاوضات.
ففي قضية مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير، طلبت مصر، التي تعتمد على النيل في توفير 90% من مياهها العذبة، ضمانات لإبطاء معدل ملء حوض السد؛ لتجنب التأثير على مستوى مياه النيل، وقالت إثيوبيا إنها تخطط للبدء في ملء حوض السد، البالغ طوله 145 متراً، في وقت لاحق من هذا العام. ويقول المخططون إنه سيحتاج ما بين 4 و7 سنوات حتى يمتلئ.
وقد احتشد عشرات المتظاهرين أمام وزارة الخارجية الأمريكية، حاملين أعلاماً إثيوبية وأمريكية ولافتات تحمل شعارات، من بينها "ينبغي لأمريكا أن تتوسط لا أن تُكره!".
وعبَّر عديد من المتظاهرين عن غضبهم من ميل الوسطاء الأمريكيين إلى مصر في النزاع، حيث تضطلع وزارة الخزانة الأمريكية بدور رائد في التوسط بالمناقشات الفنية بين إثيوبيا ومصر والسودان حول بناء السد، أحد أكبر مشاريع البنية التحتية في تاريخ إفريقيا.
تصدير رسالةٍ مفادها "واشنطن منحازة إلى القاهرة"
ويعتقد المحتجون أن وزارة الخزانة، إلى جانب وسطاء البنك الدولي، متحيّزون إى لمصر، فوفقاً لوسائل الإعلام المملوكة للدولة، انسحب المفاوضون الإثيوبيون مؤقتاً من المشاورات.
وصرَّح داويت غالاسو ألامبو، أحد المشاركين في الاحتجاج، لقسم اللغة الأمهرية الإثيوبية من إذاعة VOA الأمريكية: "يُبنى هذا السد على حساب الشعب الإثيوبي، وأمريكا تقف إلى جانب مصر. لا نعتقد أن هذا صائب. ينبغي أن يكون لإثيوبيا الحق في استخدام مياهها، وهذا هو حقها الدولي. نريد أيضاً تذكير الولايات المتحدة، شعباً وحكومة، بأنها لا تستطيع التدخل من خلال التحيز وتجاهل حق إثيوبيا في استخدام مياهها".
وبمجرد اكتمال المشروع، من المتوقع أن يكون السد أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في القارة، حيث سينتج 6 آلاف ميغاوات من الكهرباء والطاقة التي ستُصدَّر إلى البلدان المجاورة، وهذا مصدر فخر لعديد من الإثيوبيين الذين لا يريدون أن تقدم البلاد تنازلات.
إثيوبيا صاحبة النيل!
وتحدث محيي الدين سراج محمد باللغة الأمهرية، وهو أحد سكان ضاحية الإسكندرية في واشنطن بولاية فرجينيا، في أثناء حضوره الاحتجاج، قائلاً: "إثيوبيا هي صاحبة النيل بلا منازع. مياهنا ملكنا، ولدينا الحق كاملاً في فعل ما نريد بها. هناك بعض الضغوط في الوقت الحالي، وهناك بعض الأنشطة التي تمنع العمل. ونحن هنا ليعي مَن يفعلون ذلك، ولنؤكد أن هذا حقنا".
وقال ويليام دافيسون، المحلل البارز الممثل لإثيوبيا بمجموعة الأزمات الدولية، إن "انسحاب إثيوبيا مؤقتاً من المفاوضات يمثل ضربة للعملية. فقد أمل المفاوضون التوصل إلى اتفاق فني بين الدول الثلاث بحلول نهاية هذا الشهر، وهو موعد يبدو غير واقعي الآن".
وصرَّح دافيسون لإذاعة VOA عبر تطبيق Skype، قائلاً: "والآن، علينا أن ننتظر ونرى ما هو الجدول الزمني التالي. أعتقد أن المتحدثين باسم الحكومة الإثيوبية وصفوا هذا بأنه تأجيل. لذا، فإنهم لا يشيرون إلى أن الاجتماع أُلغي إلى الأبد، ولكنهم يحتاجون فقط مزيداً من الوقت للتأهب له".
وأضاف أن الإثيوبيين يعتقدون أن قواعد البنك الدولي تمنح بلدان المصبّ كثيراً من القوة لاستخدام حق النقض ضد مشاريع دول المنبع، وتشعر الدولة أيضاً بالقلق من أن العلاقات العسكرية الأمريكية مع مصر تجعلها تميل بشكل تفضيلي إلى الحجج المصرية في النزاع.
وتابع: "تشعر إثيوبيا بأن المجتمع الدولي، بطريقة ما، رتَّب للحكم ضدها أو للانحياز إلى جانب الطرف الآخر فيما يتعلق بهذه القضية العامة، وهذا هو السبب في أنهم كانوا متحفِّظين تجاه إشراك طرف ثالث"، وقال دافيسون إن إثيوبيا تعتقد أن الطرف الثالث من المراقبين يتخطى دوره في العملية.
إذ صرَّح بقوله: "كان من المفترض أن تكون الولايات المتحدة والبنك الدولي مراقبَين فحسب، لكن يبدو أن هناك شكلاً من أشكال توسُّع المهام من ناحية تلك الأطراف الثالثة، التي تضطلع الآن بالفعل بعملية صياغة الاتفاقيات. وكما ذكرت، فهذه الاتفاقيات لا تسري بما يُرضي إثيوبيا. فلديهم شعور بأنهم يتحملون كثيراً من الالتزامات تجاه حماية حقوق مصر المائية".