أداء محيي الدين ياسين اليمين الدستورية رئيساً للوزراء أمام الملك ربما لا يعني أن الأزمة السياسية في ماليزيا قد انتهت، مع إعلان مهاتير محمد التحدي من خلال البرلمان، فما قصة تلك الأزمة وكيف تسبب محيي الدين في تفكيك "تحالف الأمل"؟
ما أحدث تطورات الأزمة حتى الآن؟
أدى رئيس حزب بيرساتو محيي الدين ياسين اليمين الدستورية رئيساً لوزراء ماليزيا، اليوم الأحد 1 مارس/آذار، بعد أن أصدر ملك البلاد عبدالله أحمد شاه مرسوماً بتعيينه خلفاً لرئيس الحكومة المستقيل مهاتير محمد.
مراسم أداء اليمين أنهت أسبوعاً من الاضطرابات السياسية، بدأ باستقالة مهاتير، التي جاءت على ما يبدو كمناورة، الهدف منها كان توطيد سلطته، لكنها انتهت بصورة غير متوقعة مع تولي محيي الدين المسؤولية، رغم أن الخلاف كان بين أنصار مهاتير وأنصار أنور محمد.
هل يعني ذلك انتهاء الأزمة؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب إلقاء نظرة على خريطة التحالفات السياسية في ماليزيا، وما طرأ عليها من تغيير، فنجد أن "تحالف الأمل" بزعامة مهاتير محمد كان قد فاز في الانتخابات العامة، في مايو/أيار 2018، وأطاح بمنظمة اتحاد الملايو "أومنو" الذي حكم البلاد على مدار ستة عقود، وضم "تحالف الأمل" حزبي بيرساتو بزعامة مهاتير و"عدالة الشعب" بزعامة أنور محمد، إضافة لعدد آخر من الأحزاب.
شمل الاتفاق بين أحزاب "تحالف الأمل" أن يتخلى مهاتير عن رئاسة الوزراء -دون تحديد موعد محدد- لأنور إبراهيم بعد الفوز في الانتخابات، ومع ضغوط إبراهيم وحلفائه المتكررة كي يحدد مهاتير موعداً لتسليم السلطة، حسب الاتفاق، بدأت بوادر الأزمة، وظهر الاستقطاب جلياً بين تيارين، أحدهما يريد استمرار مهاتير في السلطة، والآخر يريد تنفيذ الاتفاق.
وكانت وسائل إعلام محلية قد ذكرت، الأحد 23 فبراير/شباط، أن اجتماعاً بين سياسيين من الائتلاف الحاكم تم بأحد فنادق العاصمة كوالالمبور مع نظرائهم من حزب المعارضة الرئيسي "أومنو" تم فيه الاتفاق على تشكيل ائتلاف جديد يظل بموجبه مهاتير (94 عاماً) في منصبه كرئيس للوزراء حتى نهاية مدته الدستورية، وفي اليوم التالي تقدم مهاتير باستقالته فجأة للملك دون ذكر أسباب أو تفاصيل.
أنور، من جانبه، تحدث عن وجود "خيانة" داخل صفوف "تحالف الأمل"، لكنه قال إن مهاتير ليس على علم بتلك التحركات، وهو ما أثبتته تطورات الأحداث بالفعل حتى الآن.
ما الموقف الآن فيما يخص التحالفات؟
أمس السبت 29 فبراير/شباط، أعلن مهاتير وأنور توحيد جهودهما مرة أخرى، وطالبا الملك معاً بإعادة تكليف مهاتير بتشكيل الحكومة، إلا أن القصر قال في بيان إن الملك اتخذ قراره لأن محيي الدين ياسين يتمتع بالأغلبية البرلمانية.
لكن مهاتير طالب بإجراء تصويت في البرلمان للطعن في مستوى الدعم الذي يحظى به محيي الدين، معلناً أنه يملك تأييد 114 عضواً، وهو عدد أكثر من النصاب المطلوب المقدر بـ112.
القرار النهائي الآن سيكون في البرلمان إذن، فما إن يشكل محيي الدين ياسين حكومته سيكون عليه الفوز بدعم الأغلبية في البرلمان المكون من 222 عضواً، أي على الأقل دعم 112 من الأعضاء، ولا أحد يمكنه الجزم إذا ما كان ذلك وارداً أم لا، في ظل تصريحات مهاتير وأنور.
محيي الدين يحظى الآن بدعم أومنو وحزبه بيرساتو -الذي كان يتزعمه مهاتير وأعلن استقالته منه وبالتالي هناك فريق داخل الحزب لا يزال يدعم مهاتير- وحزب إسلامي هو باس، بينما لا يزال تحالف مهاتير-أنور يحظى بدعم أحزاب "تحالف الأمل" باستثناء بيرساتو، وبالتالي سيكون للأحزاب الصغيرة دور محوري في ترجيح إحدى الكفتين في البرلمان.
هل أخطأ مهاتير الحسابات؟
بحسب وكالة الأنباء الفرنسية ربما يؤشر تعيين محيي الدين رئيساً للوزراء إلى هزيمة سياسية لمهاتير، وعودة حزب ياسين الذي تلاحقه تهم فساد، إلى السلطة، بعد أن أقدم مهاتير على الاستقالة كمناورة للتخلص من أنور إبراهيم، لكنها أدت لتهميشهما معاً.
كما شكّل تعيين محيي الدين صدمة وغضباً شعبيين، في الوقت الذي بدا فيه أن مهاتير يتصدر المرشحين المحتملين، وفقاً للوكالة الفرنسية، التي أضافت أن فوز محيي الدين لا يقتصر على إزاحة حكومة منتخبة ديمقراطياً، بل يؤشر إلى عودة حزب "أومنو" إلى السلطة، وهو حزب تلاحقه الفضائح وجرائم الفساد.
وكان "أومنو" ركيزة لتحالفٍ حكم ماليزيا طويلاً، قبل أن يُطاح به في انتخابات تاريخية قبل عامين، وسط اتهامات بأن نجيب وأعوانه سرقوا مليارات الدولارات من صندوق الاستثمارات "وان إم دي بي" السيادي. ويخضع نجيب حالياً للمحاكمة بهذه التهم.
من هو محيي الدين ياسين؟
يبلغ من العمر 73 عاماً، وقد درس في جامعة ماليزية محلية، وعمل بشركات متعددة مملوكة للدولة، ودخل معترك السياسة عام 1978 نائباً في البرلمان عن دائرة باغوه في جوهور، وبصفته عضواً في حزب أومنو تولى العديد من المناصب، منها الوزير الأول لإقليم جوهور بين عامي 1986 و1995.
كما تولى مناصب مهمة في عهد 3 من رؤساء الحكومات، وخدم في حكوماتهم واحداً تلو الآخر، وكان قد نجا من المرحلة الانتقالية بين مهاتير محمد وخليفته عبدالله بدوي، ليعود وينجو مجدداً في عهد نجيب رزاق، وفي عهد رزاق تولى منصب نائب رئيس أومنو ونائب رئيس الحكومة، كما عمل وزيراً للتعليم، وفي عهده أنهى تعليم الحساب والعلوم باللغة الإنجليزية.
وفي عام 2015 أقاله نجيب رزاق من منصبه، على خلفية انتقادات وجهها لرزاق فيما يتعلق بقضية الصندوق السيادي الماليزي، كما أن موقفه من هذه القضية أدى أيضاً للإطاحة به من أومنو في عام 2016، وفي أواخر ذلك العام أسس محيي الدين حزباً جديداً، هو حزب بيرساتو، أي السكان الأصليون لماليزيا، والذي تولى رئاسته، وقد انضم بيرساتو لاحقاً إلى تحالف الأمل بقيادة مهاتير وأنور، والذي فاز بانتخابات عام 2018، وعندما تشكلت الحكومة حصل على حقيبة مهمة وهي وزارة الداخلية.
وبعد ذلك بفترة قصيرة ذهب إلى سنغافورة للعلاج من السرطان، حيث قام رئيس حكومتها لي هسين لونغ وكبار مسؤولي الجزيرة بزيارته، وبعد شفائه عاد إلى ماليزيا لاستئناف عمله، ولكن سرعان ما بدأت المشاكل داخل تحالف الأمل، وفي الأسبوع الماضي أعلن محيي الدين انسحاب بيرساتو من التحالف الحاكم والانضمام لأومنو، وهو ما مهد لانهيار الحكومة وفقدانها الأغلبية البرلمانية.