على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسحب قواتها من أفغانستان فوراً، يظل اتفاق السلام الذي توصلت إليه واشنطن وحركة طالبان تاريخياً، من حيث إنه يمهد الطريق لإنهاء أطول حرب تخوضها واشنطن على الإطلاق، فما أبرز بنود الاتفاق؟ وما العقبات أمام تنفيذه؟
ماذا حدث؟
أمس السبت 29 فبراير/شباط، وقَّعت الولايات المتحدة في العاصمة القطرية الدوحة اتفاقاً تاريخياً مع حركة طالبان الأفغانية، يمهد الطريق لسحب آلاف الجنود الأمريكيين خلال فترة زمنية من 14 شهراً، ويأمل الأفغان أن يؤدي الاتفاق إلى إنهاء أربعة عقود من النزاعات، وفتح باب الحوار بين حكومة كابول والحركة المتشددة، بهدف وضع حد للمعاناة في البلد الفقير.
وقد وقَّع الاتفاق في العاصمة القطرية الدوحة، المبعوث الأمريكي الخاص بأفغانستان زلماي خليل زاد والمسؤول السياسي لـ"طالبان" الملا عبدالغني بارادار، وحضر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مراسم التوقيع.
ووفقاً للاتفاقية المبرمة بين الطرفين، يتضمن اتفاق السلام الشامل والمستدام 4 أجزاء؛ أولها ضمانات بمنع استخدام الأراضي الأفغانية من قِبل أي جماعات إرهابية دولية أو أفراد ضد أمن الولايات المتحدة وحلفائها، وثانيها جدول زمني لسحب جميع قوات الولايات المتحدة الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان، وثالثها تسوية سياسية تنتج عن الحوار بين الرئيس الأفغاني و"طالبان"، ورابعها وقف إطلاق نار دائم وشامل.
ماذا يعني ذلك لترامب؟
الاتفاق يمهد الطريق أمام الولايات المتحدة للانسحاب تدريجياً من أفغانستان، حيث خاضت هناك حرباً هي الأطول في تاريخها، وإن كان كثير من المحللين يتوقعون أن تكون المحادثات بين الأطراف الأفغانية المتعددة أكثر تعقيداً بكثير.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنها كانت "رحلة طويلة وشاقة" في أفغانستان، وأضاف: "لقد حان الوقت بعد كل هذه السنوات، لإعادة جنودنا إلى الوطن". وفي كلمة من البيت الأبيض، قال ترامب إن حركة طالبان كانت "تحاول التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة منذ فترة طويلة".
وقال إن القوات الأمريكية كانت تقتل الإرهابيين في أفغانستان "بالآلاف"، "والآن حان الوقت لشخص آخر للقيام بهذا العمل، وستكون طالبان وقد تكون دولاً محيطة"، وأضاف: "أعتقد حقاً أن طالبان تريد فعل شيء لإظهار أننا لا نضيّع الوقت"، ملوّحاً إلى امكانية الرجوع في الاتفاق، قائلاً: "إذا حدثت أشياء سيئة، فسوف نعود بقوة مثلما لم يحدث من قبل".
ما أبرز البنود؟
نص الاتفاق على أن البلدين ملتزمان بعلاقاتهما طويلة الأمد، والاستثمار لبناء المؤسسات الأفغانية اللازمة لإرساء قواعد ديمقراطية وحماية وحدة البلاد والحفاظ عليها، وتعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي وحقوق المواطنين. وأصبحت الالتزامات المنصوص عليها هنا ممكنة بفضل هذه الإنجازات المشتركة.
كما نص على أن تشترك القوات الأفغانية وقوات الأمن الأمريكية في رباط خاص، تمت صياغته خلال سنوات عديدة من التضحية الهائلة والشجاعة، وتؤكد جمهورية أفغانستان الإسلامية وشعب أفغانستان دعمهما للسلام واستعدادهما للتفاوض على إنهاء هذه الحرب.
واتفقت طالبان والولايات المتحدة على تبادل الأسرى في الأيام القليلة القادمة، ومن المفترض أن تنطلق المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية في العاشر من مارس/آذار الجاري، وإن كانت تلك النقطة ليست مؤكدة، في ظل الأزمة السياسية بالبلاد والتي نتجت عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بعد إعلان فوز أشرف غاني الرئيس الحالي ورفض المعارضة للنتائج.
ما قصة أطول الحروب الأمريكية؟
شنت الولايات المتحدة الحرب على أفغانستان بعد أقل من شهر على وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، بعد أن رفضت حكومة طالبان وقتها تسليم أسامة بن لادن وبقية قيادات تنظيم القاعدة، الذي اعترف بشن الهجمات الإرهابية.
وسرعان ما شكلت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً، وتم إسقاط حكومة طالبان سريعاً، وبعدها تحولت الحركة إلى المعارضة والتمرد المسلح، وشنت هجمات متنوعة استهدفت القوات الأمريكية وحلفاءها في أفغانستان، وأدت إلى اضطرابات مستمرة بالبلاد.
وعلى الرغم من إنهاء التحالف الدولي مهمته في أفغانستان عام 2014، ظلت آلاف من القوات الأجنبية وأغلبها أمريكية في أفغانستان تحت بند تدريب القوات الأفغانية، وقلصت الولايات المتحدة عملياتها العسكرية في البلاد فترةً، قبل أن تواصلها مرة أخرى.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 18 عاماً على بداية الحرب، أظهر مسح على الأرض أجرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عام 2018، أن حركة طالبان لا تزال ناشطة في أكثر من 705 من أراضي أفغانستان.
ومنذ 2001، قُتل أكثر من 3500 عسكري من قوات التحالف الدولي، بينهم 2300 جندي أمريكي، بحسب إحصائيات البنتاغون. وبتوقيع اتفاق السلام أمس، يكون ترامب قد حقق وعداً مُهماً قطعه للناخبين، وهو إنهاء الحروب اللانهائية، وإن كان الأمر مرتبطاً بمدى التزام الأطراف على الأرض بما تم الاتفاق عليه.