إذا ما صمدت هدنة السبعة أيام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية حتى 28 فبراير/شباط، فإنَّ الصراع الأفغاني المستمر منذ عقود قد ينتهي أخيراً. فوفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، يمكن التوقيع على اتفاق سلام بحلول 29 فبراير/شباط.
تأتي مسودة الاتفاق بعد أشهر من توقف واستئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان، إذ قاتلت طالبان الحكومة الأفغانية من أجل السلطة لثلاثة عقود. ومنذ الغزو الأمريكي عام 2001 عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على برجي التجارة العالميين، وقاتلت الولايات المتحدة كذلك في حرب امتدت 18 عاماً أسفرت عن مقتل 2300 جندي أمريكي وأكثر من 43 ألف مدني أفغاني.
انسحاب تدريجي لـ14 ألف جندي أمريكي
ومن شأن اتفاق السلام أن يحدد شروط انسحاب تدريجي للأربعة عشر ألفاً المتبقين من القوات الأمريكية في أفغانستان. وفي المقابل، لابد أن توافق طالبان على الدخول في محادثات مع مسؤولي الحكومة الأفغانية، وتقطع علاقاتها مع مجموعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة.
لكنَّ السلام في أفغانستان سيتطلب أكثر من مجرد اتفاق. فالتاريخ يُظهِر أنَّ النمو الاقتصادي وفرص العمل الأفضل ضرورة لإعادة بناء الاستقرار بعد الحرب. ومن المؤكد أن الاستخدام الحريص والقابل للاستدامة لموارد أفغانستان الطبيعية الوفيرة يمكن أن يكون أحد سبل التعافي.
بناء سلام دائم
تُجنِّد المجموعات المتمردة مَن هم في حاجة ماسّة لدخل. وكما ذكرت مجلة Wired في 2007، دفعت طالبان لجنودها رواتب أفضل بكثير من الحكومة الأفغانية. واليوم، تفيد تقارير بأنَّ رواتب أفراد الفرع المحلي للتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" -ولاية خراسان- أعلى حتى من ذلك.
ومن ثَمَّ، فإنَّ إيجاد بدائل جيدة الأجر للجماعات المسلحة يمثل قطعة مهمة لحل أحجية الأمن القومي الأفغاني.
وبما أنَّ الكثير من مقاتلي الجماعات في أفغانستان ينحدرون من خلفية زراعية –والزراعة تشكل 40% من إجمالي الوظائف في أفغانستان- ستكون التنمية الريفية ذات أهمية خاصة لبناء السلام.
يقول كارل براتش، رئيس جمعية بناء السلام البيئية، وهي منظمة غير ربحية تدرس العلاقة بين الصراع المسلح والموارد الطبيعية: "إنَّ تعزيز سُبُل العيش المرتبطة بالموارد الطبيعية يمكن أن يوفر مستقبلاً للشباب الذين قد ينضمون إلى قوات المتمردين إن لم يتم ذلك".
وترى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي تمول كذلك جهود بناء اقتصاد الدول في مرحلة ما بعد الصراعات كما هو الحال في كولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، أنَّ النمو الاقتصادي المستدام ضروري من أجل وجود أفغانستان مزدهرة ويسودها السلام.
التين والزعفران وحبوب الصنوبر
يُعَد سوق تصدير المنتجات الزراعية الأفغانية المرغوبة مثل الكشمير وحبوب الصنوبر والتين والزعفران واحداً من القطاعات المُربحة المحتملة للاقتصاد الزراعي.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أتمَّت العديد من الجهات المُستورِدة الصينية اتفاقاً مع شركات أفغانية لشراء ما قيمته 2.2 مليار دولار من حبوب الصنوبر الأفغانية على مدار السنوات الخمس المقبلة.
وتشق صادرات زراعية أفغانية أخرى طريقها إلى الأسواق العالمية كذلك. إذ عادت مبيعات العنب على أفغانستان بـ143 مليون دولار في عام 2017. وحققت الفواكه الاستوائية 101 مليون دولار. ونما الاقتصاد الأفغاني بنسبة 2.9% في 2019، قاده في ذلك إلى حدٍ كبير القطاع الزراعي.
وتدرك الحكومة الأفغانية إمكاناتها كمصدر للمواد الغذائية العالمية ذات الجودة. وبعد 8 أشهر من إقامة الرئيس الأفغاني أشرف غني عدة ممرات جوية جديدة في 2018 –وهي ممرات آمنة ومباشرة أُقِيمَت من أجل التجارة وأغراض أخرى- زادت الصادرات من أفغانستان بنسبة 32%. وتربط هذه الطرق الجوية أفغانستان بالهند، وتركيا، والصين، والسعودية، وأوروبا، وروسيا، والإمارات، وأوزباكستان، وهي مراكز تجارية تمنح المنتجات الأفغانية القدرة للوصول إلى وِجهاتٍ تجارية أخرى.
ومؤخراً، أصبحنا نجد حقائب حمراء زاهية من تين قندهار، في متاجر الأغذية الصحية بالولايات الأمريكية. يقول موزع، شركة Ziba Foods، إنَّ 80% من قوتهم العاملة –في مناصب الإدارة والموظفين- نساء، وإنَّ الشركة تقدم دروساً في اللغة الإنجليزية وغيرها من وسائل التطوير المهني.
وأضاف رافي فارتانيان، الشريك في الشركة: "إنَّنا ملتزمون بتوفير وظيفة على مدار السنة لموظفينا الأفغان على الرغم من الطبيعة الدورية للقطاع الزراعي".
التنقيب عن الزمرد
يُعَد الزمرد منتجاً أفغانياً آخر بالإمكان أن يقود النمو الاقتصادي. إذ تُغطى أعالي جبال هندوكوش بولاية بنجشير بالزمرد الأخضر الزاهر ذي اللون والنقاء اللافتين.
كان سكان بنجشير في الماضي يبيعون تلك الزمردات الشهيرة من أجل تمويل مقاومتهم للاحتلال السوفيتي. وفي ظل مستقبلٍ أكثر استقراراً، يمكن أن توفر تلك الأحجار دخولاً كبيرة للناس في منطقةٍ جبلية للغاية بدرجة تعوق الزراعة والرعي.
ووفقاً لمجلة InColor Magazine، التابعة للجمعية الدولية للأحجار الكريمة الملونة، صدَّرت أفغانستان ما يُقدَّر بـ100 مليون دولار من الزمرد عام 2018. وفي عام 2015، باعت دار مزادات كريستيز زمردة أفغانية بمبلغ مليونين و276 ألفاً و408 دولارات (2276408 دولارات)، في سعر يمثل رقماً قياسياً بالنسبة لدار كريستيز.
وعلى الرغم من بعض أعمال الصيانة في الطرقات مؤخراً، لا يزال الدخول والخروج من منطقة بنجشير الجبلية النائية بالغ الصعوبة. وفي حال توفير قدرة أكبر للوصول، وتكنولوجيا أفضل، والمزيد من التدريب للمُنقِّبين، يُقدِّر المحللون أنَّ بنجشير قد تنتج ما قيمته 300 إلى 400 مليون دولار من الزمرد سنوياً.
توقيت جيد
في حال جرى توقيع اتفاق السلام الأفغاني، فإنَّه سيأتي بعد بمرور ما يزيد قليلاً عن 40 عاماً من الغزو السوفيتي عام 1979، والذي أطلق دائرة من الصراع المسلح الذي تسبب في زعزعة استقرار البلد الواقع في آسيا الوسطى منذ ذلك الحين.
ويُقدَّر أنَّ 2.5 مليون أفغاني قُتِلوا أو أُصيبوا خلال الاحتلال السوفيتي الذي استمر عقداً. وترك انسحاب القوات السوفيتية عام 1989، البلاد في حالة من الفوضى وعُرضة في نهاية المطاف لصعود المجموعات المسلحة مثل طالبان وتنظيم القاعدة، وأخيراً داعش.
ومع أنَّ الـ27.5 مليون أفغاني تحت سن الخامسة والعشرين عاماً لم يعرفوا إلا الحرب، فإنَّ السكان متفائلون بشأن آفاق السلام في بلادهم. فوجد استطلاع رأي حديث أُجري على 18 ألف أفغاني أنَّ 90% من المُستطلَعة آراؤهم يؤيدون بقوة الجهود الرامية لإبرام اتفاق مع طالبان.
يتذكَّر الأفغان الأكبر سناً فتراتٍ أكثر سعادة. إذ يملك زودي، الذي غادر أفغانستان شاباً بعد الغزو السوفيتي، ألبومات صور تُظهِر أسرته وهي تشوي الكباب وتتجول في حدائق بغمان المليئة بالورود مباشرةً خارج المدينة. وبالعودة إلى ذلك الزمن، كانت كابول الجميلة تُعرَف بـ"باريس آسيا الوسطى". وتخضع الكثير من مروج وقصور بغمان الآن لعملية ترميم دقيقة، في إشارة تبعث على الأمل بعد عقود من الدمار.
ووفقاً لوزارة الخارجية الأفغانية، كانت المناظر الطبيعية المذهلة في أفغانستان تجذب آلاف السائحين كل عام في الستينيات والسبعينيات. وكان المسافرون الشباب الذين يجتازون "طريق هيبي" الشهير –وهي رحلة تمتد لـ4660 ميلاً (7500 كيلومتر تقريباً) من لندن إلى مدينة غوا الهندية- يمرون عبر أفغانستان.
وتُعَد السياحة البيئية صناعة أخرى يمكن أن تتطور في أفغانستان إذا ما توقف الصراع المسلح. إنَّ اتفاق طالبان ضروري لإنهاء حرب أفغانستان. لكنَّ إيجاد فرص عمل حقيقية ونمو اقتصادي مستدام سيساعد في إيجاد سلام دائم.