على الرغم من الإعلان عن تذليل أكثر من 90% من نقاط الخلاف بين مصر وإثيوبيا، وقرب توقيع اتفاق نهائي بشأن سد النهضة، اعتذرت إثيوبيا عن المشاركة في جولة التوقيع، فماذا يعني ذلك؟ وكيف يمكن أن يكون شكل رد الفعل المصري الآن؟
لماذا انسحبت إثيوبيا بهذه الطريقة؟
إثيوبيا أعلنت بشكل مفاجئ اليوم الأربعاء، 26 فبراير/شباط، أنها طلبت من الولايات المتحدة تأجيل ما كان يُتوقع أن تكون الجولة الأخيرة من المحادثات المتعلقة بسد النهضة، دون أن تقدم تفاصيل حول أسباب هذا التحول غير المتوقع.
بزونه تولشا، المتحدث باسم وزارة المياه والري والكهرباء قال لرويترز، دون الخوض في تفاصيل، "طلبنا التأجيل لأننا بحاجة لمزيد من الوقت للتشاور".
الخطوة الإثيوبية مفاجئة بالطبع، لأن وفدي مصر والسودان قد وصلا بالفعل إلى العاصمة الأمريكية، حيث كان من المقرر أن تُعقد الجولة الأخيرة من المحادثات بين الدول الثلاث يومي الخميس والجمعة (غداً وبعد غد) في واشنطن.
أسباب داخلية
كان موقع قناة العربية السعودية قد نشر تقريراً نقلاً عمّا سمّاها مصادر إثيوبية موثوقة، جاء فيه أن "الوفد الإثيوبي لن يغادر أديس أبابا إلى واشنطن للمشاركة في الاجتماع، لأنه لن يوقع على اتفاقية دولية لا يضمن إجازتها من قبل البرلمان المنتخب، وذلك لارتباط التوقيع بالأوضاع الداخلية في إثيوبيا، التي تنتظر انتخابات برلمانية ورئاسية في أغسطس/آب المقبل، ولتجنب تأثير التوقيع إيجاباً أو سلباً على حملة الرئيس (رئيس الوزراء) آبي أحمد الانتخابية.
كان وزير الري السوداني، ياسر عباس، قد صرح قبل يومين أن المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان قد شارفت على الانتهاء، بعد أن تم الاتفاق على "أكثر من 90%" من نقاط الخلاف، مؤكداً أن التوقيع على اتفاق نهائي سيتم خلال جولة المفاوضات الأخيرة في واشنطن، والتي كان من المفترض أن تنطلق غداً الخميس.
لكن الواضح أن الحسابات الداخلية لرئيس الوزراء الإثيوبي -الذي يواجه تحدياً انتخابياً صعباً الصيف المقبل- جعلته يتراجع عن التوقيع على الاتفاق الذي اقترحته الإدارة الأمريكية، وأمس الثلاثاء أوفد رئيس الوزراء الأسبق هايلا ماريام ديسالين إلى الخرطوم كمبعوث شخصي، التقى القيادة السودانية وأبلغها رسالة شفوية بشأن مفاوضات سد النهضة، بحسب تقرير العربية.
ما الذي يعنيه ذلك لمصر؟
لم يصدر أي رد فعل حتى كتابة المقال من الجانب المصري ولا من الجانب الأمريكي، لكن الجدير بالذكر هنا أن المقترح الأمريكي -الذي لم تنشر تفاصيله بشكل رسمي لكن بعض التسريبات أشارت إلى أنه ليس ما كانت تطمح إليه مصر حيث يُفقدها حقوقها التاريخية- أثار مخاوف البعض داخل الأجهزة السيادية في مصر؛ خوفاً من أن يوقع عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي (تفاصيل المقترح حسب التسريبات يمكن الاطلاع عليها من هنا).
لا شك أن الحكومة المصرية تواجه الآن موقفاً حرجاً، في ظل قلة أو انعدام البدائل المتاحة للتحرك، وعلى الأرجح أن هذا ما شجع الجانب الإثيوبي على عدم تقديم أي تنازلات غير مضطر لتقديمها، فمن الناحية القانونية تبني أديس أبابا موقفها على إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في الخرطوم، في مارس/آذار 2015، وهو الورقة القانونية الوحيدة التي وقعت عليها مصر وإثيوبيا والسودان، وتعطي أديس أبابا حقوقاً لم تكن تحلم بالحصول عليها قبل توقيعها.
الوقت الآن أيضاً في صالح آبي أحمد إلى حد كبير، حيث من المتوقع أن يكتمل بناء السد والبدء فعلياً في مرحلة ملء الخزان، في يوليو/تموز المقبل، ما يضع مزيداً من الضغوط على الجانب المصري، الذي ربما يجد نفسه مضطراً لمصارحة الشعب بحقيقة الموقف، بعد أن أصبح واضحاً أن الوساطة الأمريكية لم تحقق أية نتائج كما كان يروج النظام المصري من خلال وسائل الإعلام المحلية التي يسيطر عليها.
لكن بعيداً عن المصارحة وكشف الحقائق، تظل الخيارات أمام الحكومة المصرية شبه منعدمة، اللهم إلا التلويح بالخيار العسكري، وهو ما كان آبي أحمد قد استبقه عندما صرح بأنه مستعد لخيار كهذا، على الرغم من عدم صدور تصريحات مصرية رسمية بشأن الخيار العسكري.
السؤال الآن الذي يجب على الرئيس المصري الإجابة عنه هو إذا ما كان يقصد بالفعل ما قاله من على منصة الأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول الماضي، بشأن كون مياه النيل "مسألة حياة أو موت" بالنسبة لمصر.