بعد أن ضغطت السعودية على رئيس وزراء باكستان كي لا يشارك في القمة الإسلامية بكوالالمبور، وقدمت له وعداً بعقد اجتماع خاص لمنظمة التعاون الإسلامي لمناقشة قضية كشمير، خرج عمران خان مؤخراً يشكو من المماطلة في عقد الاجتماع الموعود، فما أسباب الصمت السعودي تجاه كشمير؟
موقع معهد Responsible Statecraft الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "هل الاستثمارات السعودية في الهند تُجبر الرياض على التزام الصمت حيال قضية كشمير؟"، ألقى الضوء على خلفيات الموقف السعودي وعلاقات الرياض مع الهند.
ما الذي فجر الغضب الباكستاني؟
رفضت المملكة العربية السعودية مرةً أخرى طلب باكستان عقد اجتماعٍ عاجل لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي بشأن الوضع في كشمير.
تجدر الإشارة إلى أنَّ الهند تفرض حالةً من العزلة على وادي كشمير المتنازع عليه، في ظل قطعها الإنترنت عنه منذ أغسطس/آب الماضي، بعدما ألغت الوضع الخاص الذي مُنِحت المنطقة إيَّاه من الأمم المتحدة، وقد حاولت باكستان الحثَّ على عقد اجتماعٍ طارئ في منظمة التعاون الإسلامي، لكن دون جدوى.
فنظراً إلى أنَّ المملكة العربية السعودية هي كبرى دول مجلس التعاون الخليجي، تُعد رغبتها ضروريةً كي تتخذ منظمة التعاون الإسلامي خطوة بشأن كشمير وتعقد اجتماعاً خاصاً، لكنَّ المملكة طرحت عديداً من الخيارات الأخرى، مثل عقد مؤتمرٍ لرؤساء البرلمانات، أو منتدى برلماني، أو جلسة مشتركة لمناقشة قضيتي فلسطين وكشمير معاً. غير أنَّ باكستان ترى أنَّ عقد اجتماعٍ منفصل بشأن كشمير سيُحدِث تأثيراً أكبر.
لماذا غاب عمران عن قمة ماليزيا؟
وفي أثناء اجتماع الرئيس الماليزي ونظيره التركي ورئيس الوزراء الباكستاني على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي عُقِد بواشنطن في العام الماضي (2019)، اقترح الرئيسان الماليزي والتركي على "خان" عقد قمة إسلامية مُصغَّرة في كوالالمبور من أجل تسليط الضوء على أزمات المجتمع الإسلامي مثل أزمة كشمير.
ولكن قُبيل انعقاد هذه القمة مباشرة، بدأت المملكة العربية السعودية في انتقادها، زاعمةً أنَّ منظمة التعاون الإسلامي أنسب منصةٍ لمناقشة القضايا المتعلقة بالعالم الإسلامي.
وبعدما نجحت السعودية في إثناء "خان" عن حضور القمة في اللحظة الأخيرة، أرسلت الحكومة السعودية وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إلى إسلام آباد؛ لمناقشة اضطلاع منظمة التعاون الإسلامي بدورٍ أكبر في إثارة النقاش حول كشمير، وطمأنت السعودية "خان" بأنَّها ستعقد اجتماعاً طارئاً لوزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي؛ لمناقشة الوضع في كشمير، وبدا أنَّها كانت جادة وأنَّ الاجتماع سيُعقد قريباً.
لكنَّ باكستان أجَّلته فترةً من الوقت؛ لتبديد التصوُّر العام بأنَّها أجرت مقايضةً مع السعودية، ومنذ ذلك الحين، عادت السعودية إلى موقفها الأصلي، ويبدو أنَّها تمانع المُضي قُدُماً في هذه المسألة الآن.
كيف تماطل الرياض في عقد الاجتماع الموعود؟
ففي 9 فبراير/شباط، عُقد اجتماعٌ لكبار المسؤولين بمنظمة التعاون الإسلامي في جدة؛ للتحضير للدورة السابعة والأربعين من مجلس وزراء خارجية المنظمة والمقرر إجراؤها بالنيجر في أبريل/نيسان المقبل، لكنَّ السعودية لم تُبدِ أي إشارةٍ إلى أنَّها ستقبل طلب باكستان عقد اجتماعٍ فوري لمجلس وزراء الخارجية بشأن كشمير.
ومع ذلك، فقبل يومٍ واحد فقط من اجتماع كبار المسؤولين في منظمة المؤتمر الإسلامي، اتصل وزير الخارجية السعودي هاتفياً بنظيره الباكستاني، ليؤكِّد له مجدداً أنَّ دولتيهما يمكن أن تتعاونا تعاوناً ثنائياً في العمل على قضية كشمير من منصة المنظمة، وهذا يشير إلى عدم وجود نيةٍ لعقد اجتماع طارئ خاص حول كشمير قبل الاجتماع السنوي لمجلس وزراء الخارجية.
وعلاوةً على ذلك، جاءت هذه المكالمة الهاتفية بعدما ألقى رئيس الوزراء الباكستاني خطاباً في مركزٍ بحثي بماليزيا، أعرب فيه عن خيبة أمله إزاء تقاعس منظمة التعاون الإسلامي عن حل أزمة كشمير، مشيراً إلى انعدام الوحدة بين الدول الإسلامية، إذ قال "خان": "السبب أنَّنا ليس لدينا صوت، وأنَّ هناك انقساماً تاماً بيننا. لا يمكننا حتى أن نتفق جميعاً على عقد اجتماعٍ في منظمة التعاون الإسلامي بشأن كشمير".
تجدر الإشارة إلى أنَّ منظمة التعاون الإسلامي تُعد ثاني أكبر هيئة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة وتضم 57 دولة. ولكن مع الأسف، كان من الممكن أن تؤدي دوراً أكبر تأثيراً في إبراز قضايا العالم الإسلامي، لا سيما أنَّ هناك عديداً من الأزمات الإنسانية المستمرة مثل قضايا الإيغور أو الروهينغا أو الكشميريين أو الفلسطينيين.
وصحيحٌ أنَّ اللجنة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي تضطلع بدورٍ أنشط بعد إعدادها تقريراً عن الأزمة الإنسانية في وادي كشمير، ولكن من المستبعد أن يُعقَد الاجتماع الخاص لمجلس وزراء الخارجية حول الوضع في كشمير.
100 مليار دولار استثمارات مع الهند
وقد تراجعت المملكة العربية السعودية عن تجاهلها التام للوضع في وادي كشمير منذ أن ألغت الحكومة الهندية وضعه الخاص تماماً، لكنَّها ما زالت بعيدةً ومنعزلة عن القضية، فما السبب المحتمل وراء عدم اكتراث السعوديين بمحنة المسلمين الكشميريين، هل استثماراتهم ومصالحهم التجارية في الهند تُجبرهم على هذا الصمت؟
فبعد زيارة الأمير السعودي محمد بن سلمان، عقب رحلة عمل أجراها إلى الهند مباشرة، وسَّع حجم التجارة غير النفطية مع الهند وأبرم خمس اتفاقيات في العام الماضي. وكذلك أُنشئ مجلس شراكة استراتيجي، وأعرب بن سلمان عن أمله أن تتجاوز قيمة الفرص الاستثمارية المستهدفة بالهند 100 مليار دولار في العامين المقبلين، لكن قيمة الاتفاقيات التجارية المُبرَمة بين السعودية وباكستان بلغت 20 مليار دولار فقط.
وفي هذا الصدد، وصف سعود بن محمد الساطي، السفير السعودي لدى الهند، الاستثمارات المقترحة بأنَّها "إنجازات تاريخية استراتيجية" بين الرياض ونيودلهي، مضيفاً أنَّ "الشراكة المقترحة بين شركة أرامكو السعودية وشركة Reliance Industries Limited تعكس الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات المتنامية بين كلا البلدين في مجال الطاقة".
ومنذ نحو 20 عاماً، تتخذ العلاقات الهندية السعودية مساراً تصاعدياً، إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 28 مليار دولار، في حين يعيش 2.7 مليون مغترب هندي بالمملكة.
وبِضخِّ استثماراتٍ بقيمة 100 مليار دولار في الهند بقطاعات البتروكيماويات والطاقة والتكرير والزراعة والمعادن والتعدين والإنشاءات، تتطلَّع السعودية إلى تنمية استثماراتها، بالإضافة إلى صادرات النفط.
وليس ذلك فحسب، بل إنَّ التوسُّع في العلاقات التجارية مع الهند يعزز رؤية 2030 السعودية، ويساعد في تنويع الاقتصاد السعودي الذي يعتمد اعتماداً أكبر من اللازم على المنتجات النفطية.
وفي الوقت نفسه، يعتمد أمن الطاقة في الهند على النفط السعودي، إذ تُكفِّي الهند ما لا يقل عن 17% من احتياجاتها من النفط الخام و32% من احتياجاتها من الغاز النفطي المُسال، من السعودية.
وقد كشف أمين ناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، مؤخراً، أنَّ "الهند تُمثِّل أولويةً لاستثمارات" شركته، مشيراً إلى وجود خططٍ لإقامة مصفاة كبيرة هناك، لكنَّها تأخَّرت فقط، بسبب بعض مشكلات الاستحواذ على الأراضي.
وقبل تعزيز الروابط التجارية مع الهند، عادةً ما كانت السعودية تدعم موقف باكستان من قضية كشمير. ولكن "حدث تحوُّل في موقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى في السنوات الأخيرة"، حسبما يرى خالد رحمن رئيس معهد الدراسات السياسية في إسلام آباد.
وبالنسبة لباكستان، يمثِّل حل قضية كشمير هدفاً مهماً لسياستها الخارجية، في حين ما زال يُشكِّل هذا الاختلاف مع المملكة العربية السعودية -التي تعد أحد أقرب حلفائها- تحدياً.
بل إنَّ الهند تلقت دعوةً لحضور إحدى جلسات منظمة التعاون الإسلامي بصفتها مُراقِباً في مارس/آذار من العام الماضي، وقد كانت هذه نكسة دبلوماسية كبيرة لباكستان، التي كانت تمنع إدراج الهند في المنظمة منذ عام 1969.