جهّزت إيران لجولة أخرى من الانتخابات البرلمانية يوم الجمعة 21 فبراير/شباط. إذ اعترض النظام الديني مجدداً على ما يقرب من نصف الـ 14000 شخص الذين سجلوا أنفسهم للترشح لأحد المقاعد الـ290.
فاستبعد مجلس صيانة الدستور، الذي لا بد أن ينال المرشحون موافقته، رقماً قياسياً منهم، يشمل غالبية الإصلاحيين الذين يهددون السلطة الراسخة لرجال الدين المتشددين الذين يحكمون إيران، كما تقول مجلة National Interest الأمريكية.
انتخابات دون إصلاحيين
تسبب هذا الاستبعاد في عدم وجود مرشحين إصلاحيين مؤهلين للترشح لـ 230 مقعداً من أصل 290 مقعداً في البرلمان الإيراني. بل واستبعد مجلس صيانة الدستور 90 عضواً حالياً في المجلس ومنعهم من الترشح لإعادة انتخابهم.
وانتقد الرئيس حسن روحاني، وهو زعيم براغماتي أضعف مكانته المتشددون المحيطون بالمرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، مجلس صيانة الدستور، قائلاً: "هذا ليس انتخاباً، وإنما تعيين".
وتضاءلت المكانة السياسية لروحاني، وهو رئيس ممنوع من إعادة الترشح بعد انتهاء ولايته الثانية العام المقبل، بسبب الاحتجاجات الضخمة على ارتفاع أسعار الوقود، وانخفاض الدعم الحكومي، وارتفاع نسبة البطالة، والفساد المستشري، والركود الاقتصادي الذي تفاقم بسبب تجدد العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
يشير الصحفي الإيراني أمير طاهري إلى أن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم- باستثناء زيمبابوي ربما- التي أصبحت أفقر مما كانت عليه قبل 40 عاماً.
وصحيح أن العقوبات الأمريكية أضرت بالاقتصاد الإيراني في السنوات الأخيرة، إلا أن المشكلات الاقتصادية الإيرانية تُعزى إلى حد كبير إلى سوء الإدارة الاقتصادية والفساد المستشري والجهود المُكلِّفة لتصدير أفكار الثورة الإيرانية وبناء شبكات مسلحة ضخمة بالوكالة يشرف عليها الرجال الذين سيطروا على إيران منذ ثورة 1979.
يُذكر أنه في نوفمبر/تشرين الثاني، اجتاحت إيران موجة أخرى من الاحتجاجات الشعبية على النظام الديني القمعي الذي تنخفض شعبيته باستمرار. وتطورت الاحتجاجات الشعبية على ارتفاع أسعار الوقود بسرعة إلى اضطرابات واسعة النطاق تدعو إلى إطاحة النظام، قبل قمعها بوحشية.
عزلة روحاني تتوسع
وازدادت عزلة روحاني. إذ انتقده العديد من الإصلاحيين لفشله في الوفاء بتعهدات إصلاح الاقتصاد الإيراني وتخفيف القيود الاجتماعية والسياسية. كما أثار غضب المتشددين، الذين عارضوا الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع إدارة أوباما، فضلاً عن جهوده لتقليص سلطات الحرس الثوري الإيراني.
أصبح الحرس الثوري، المُكلَّف بحماية وتوسيع الثورة الإسلامية الإيرانية، أكثر إصراراً على بناء إمبراطوريته في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والسياسة الخارجية في إيران.
ونظراً لأنهم يرفعون تقاريرهم مباشرة إلى خامنئي، وليس الرئيس الإيراني، فإنهم يعطون الأولوية للمصالح المحدودة للنخبة الإسلامية الثورية الإيرانية على حساب المصالح القومية الأشمل التي تمثلها الدولة الإيرانية.
انقلاب بطيء للحرس الثوري على الدولة
ازدادت قوة الحرس الثوري من الناحية السياسية، والعديد من القادة السياسيين المتشددين هم من جنود الحرس الثوري أو ميليشيا الباسيج التابعة له. ومن المرجح أن تزداد أعدادهم في المجلس الجديد، لأن فرصتهم أكبر من فرصة الإصلاحيين أو المستقلين في الحصول على موافقة مجلس صيانة الدستور.
فضلاً عن ذلك، يطالب العديد من الإصلاحيين بمقاطعة الانتخابات، التي تهدف إلى دعم أقوى مؤيدي النظام الديني. وقد خلُص الإصلاحيون إلى أنه طالما أن مجلس صيانة الدستور يستبعد مرشحيهم ويمنع مشاركتهم في التشريع، فإن الإصلاح من خلال البرلمان أمر مستحيل.
لكن تدفق موجة جديدة من الأعضاء المتشددين إلى البرلمان يمكن أن يعزز موقف خامنئي ورجاله المتشددين، ويعقّد إلى حد كبير السنة الأخيرة لروحاني في منصبه.
"الصوت الوحيد المهم هو صوت خامنئي"
على عكس الإصلاحيين الإيرانيين المحبَطين، ناشد المتشددون مؤيديهم التصويت لهم. بل ووصل الأمر بخامنئي إلى الإعلان أن التصويت "واجب ديني" ويهدف إلى تعزيز الشرعية المزعومة للنظام السياسي الإيراني بتصوير الانتخابات على أنها تصويت على الثقة في النظام.
لكن استخدام نسبة إقبال الناخبين باعتبارها اختباراً حاسماً للشرعية قد يأتي بنتائج عكسية إذا انخفض معدل الإقبال عن معدل الـ62% في الانتخابات البرلمانية لعام 2016، أو عن نظيره الذي بلغ 66% في انتخابات عام 2012. ومع ذلك، قد يؤدي الإقبال الضعيف إلى تسريع انقلاب الحرس الثوري البطيء على الدولة.
حقق الحرس الثوري بالفعل نجاحات كبيرة في اختراق صناعة البناء والتشييد وقطاع النفط وتشغيل الموانئ في إيران، فضلاً عن العمليات العسكرية والاستخباراتية والأمنية الداخلية للنظام.
ومن المرجح أن تزيد "الانتخابات المزورة" من نفوذه داخل المجلس. ومثل هذه النتيجة ستعزز الفكرة التي خلُص إليها الكثير من الإيرانيين وهي أن الصوت الوحيد المهم هو صوت خامنئي، الذي يتمتع بسلطة نقض مطلقة في جميع القضايا الرئيسية.