كان سجناً لا يُشبه غيره من السجون، عادة ما يُستخدم المكان الرائع المُطل على البحيرة في مدينة سريناغار في كشمير، ويبعد دقائق قليلة عن ملعبٍ للغولف، كفندقٍ فخم، لكنه لثلاثة أشهر من العام الماضي كان سجناً فاخراً لسلمان ساغار وعشراتٍ من وزراء كشمير ومشرِّعيها الذين كانوا ذوي نفوذ في وقتٍ مضى.
يقول ساغار لصحيفة The Guardian البريطانية: "لقد كان سجناً، قُدِّمَت الفكرة على أنه فندق 5 نجوم ولكنه لم يكن كذلك… لقد وضعوا ضغطاً نفسياً هائلاً علينا.. لقد كانوا صارمين بأقصى ما يمكنهم".
كان ساغار، السياسي النافذ في حزب المؤتمر الوطني في كشمير وعمدة سريناغار السابق، من بين 50 سياسياً آخرين اعتُقلوا في أغسطس/آب العام الماضي واحتُجزوا في فندق سناتور، ثم في نزلٍ آخر لاحقاً لمدة 6 أشهر دون توجيه تهمٍ لهم. وكان هذا الاعتقال الجماعي قد أعقب قرار الحكومة الهندية السريع والقاسي في 5 أغسطس/آب من العام الماضي بإبطال المادة 370، وهي القانون الذي منح هذه المنطقة من الهيمالايا المُتنازع عليها وضعية شبه استقلال خاصة لأكثر من 7 عقود.
تقول الحكومة الهندية إن الاعتقال الجماعي للسياسيين جاء "حفاظاً على النظام في المنطقة حيث ظلت قوات الأمن تحارب التمرد طويل الأمد ضد مسلحين مدعومين من باكستان".
اعتقالات دون محاكمات بقصد "الإذلال"
تُعتبر الاعتقالات دون محاكمة أمراً معتاداً في كشمير، وقد شُنت بقوة ضد السياسيين المناهضين للهند والمتعاطفين مع المسلحين، لكن هذه كانت المرة الأولى التي تُنفذ فيها الاعتقالات بحق سياسيين انحازوا إلى نيودلهي وتحملوا لاحقاً تهديدات المعارضين وهجمات قاتلة لعقود.
بالنسبة إلى ساغار والآخرين الموالين للهند خلال صراع كشمير الطويل، كان الاعتقال بلا سبب يُقصد به الإذلال. وقد أقام بعض المعتقلين، الخاضعين لمراقبة الشرطة والضباط شبه العسكريين، في غرفٍ خاصة، بينما اضطر آخرون إلى مشاركة الغرف، وكان نطاق حريتهم محدوداً. بينما كان مصدر التسلية الوحيد لديهم هو السير في ردهات الفندق مع بعضهم البعض.
قال ساغار عن الفندق الذي تحول إلى سجن ويقع عند سفح جبل زاباروان، ويشمل صالة رياضية ومركزاً صحياً ورواقاً للتسوق، لم يُسمح لهم بالدخول إليهم قط: "تتوقع أن يتحلى المكان بالصفاء. لكن لم يكن هناك أي هدوء؛ بل مضايقات فقط".
أضاف: "لم يُسمح لنا بالخروج إلى حدائق الفندق… كنا فقط ننزل إلى الأماكن العامة لتناول الغداء والعشاء. وقد طلبنا أن يُسمح لنا بالخروج إلى الحدائق لكنهم رفضوا".
شعور بالعجز والقهر
كان ساغار واحداً من عشرات السياسيين الذين أُفرج عنهم أخيراً في فبراير/شباط الجاري، نظراً لعدم تمكن الحكومة الهندية من احتجازهم بصفة قانونية أكثر من 6 أشهر. ومع ذلك ظل 4 أكبر قادة سياسيين -رئيسا وزراء سابقَان لجامو وكشمير؛ هما عمر عبد الله ومحبوبة مفتي، وزعيمان حزبيان إقليميان؛ هما علي محمد ساغار وسارتاج مدني- في الحجز، وأُعيد اتهامهم بموجب قانون السلامة العامة الهندي، الذي يسمح بالاعتقال دون تهم لمدة تصل إلى عامين. وعلي محمد ساغار هو والد سلمان ساغار، وقد احتُجزا في فندق سناتور معاً.
قضى ساغار الذي فقد 18 كيلوغراماً من وزنه خلال الأشهر الـ 6 الماضية، أيامه الأولى من الاحتجاز "يرثي المادة 370″، قال: "ثم تساءل الجميع متى سيُطلق سراحنا؟ وكانت هناك مخاوف كثيرة تراودنا".
بينما كان ساغار قيد الاحتجاز، سقط جده مريضاً في إحدى الليالي ومات على الفور، قال: "توسلتُ للشرطة أن تدعني أراه لكنهم لم يوافقوا، ومات جدي في ذلك المساء. شعرتُ بالعجز".
ويصف أيضاً كيف أنه انهار باكياً عندما أتت عائلته لزيارته يوم عيد ميلاده، وجعلوهم ينتظرون 5 ساعات، إلى أن جاع ابنه البالغ 4 سنوات، دون إمكانية الوصول إلى طعام، وأُجبروا على إطعامه من كعكة عيد الميلاد. قال: "بكيتُ كثيراً جداً عندما سمعتُ ذلك".
"خُفِّضَت النشاطات السياسية في كشمير إلى الصفر"
كان اعتقال السياسيين الداعمين للهند إضافة لحوالي 5 آلاف من السياسيين والناشطين والمتظاهرين ورجال الأعمال المناهضين للهند، اعتُقلوا بلا محاكمات في الشهور السابقة لإبطال المادة 370. وقد استمرت الاعتقالات أيضاً في الشهور اللاحقة.
وقد أكد استمرار اعتقال قادة الأحزاب وحظر الاجتماعات العامة في كشمير على أن السياسيين من كل الجوانب لا يزالون في حالةٍ من التيه، وأن التمثيل الديمقراطي في كشمير قد تفكك، وهو ما يخشى الخبراء أن يكون له أثر كارثي طويل المدى في المنطقة.
قال خالد شاه، الباحث المتخصص في شؤون كشمير في مركز أبحاث Observer Research Foundation: "خُفِّضَت النشاطات السياسية في كشمير إلى الصفر"، وأضاف: "كان هناك تيار سياسي قوي داعم للهند في كشمير، انتهى تماماً الآن. لقد صار منتهياً، لكن الحكومة لم تفعل شيئاً منذ ذلك الحين لتضمن وجود من يُمثل الشغب أو استمرار النشاط السياسي من الداخل".
أضاف شاه: "إنه أمر مخيف للغاية؛ لأنه في مكان مثل كشمير، حيث يُصنف الكثيرون بالتطرف بالفعل، فأنت تريد أن تكون السياسة والديمقراطية وسيلة لجلب الناس إلى التيار. وهكذا فهناك خوفٌ من أن يزداد التطرف".
"الجميع يشعر بالخيانة والخداع"
سبَّبَت الاعتقالات الكثير من الخوف والحيرة في دوائر كشمير السياسية، حتى إن الكثيرين لا يرغبون في الحديث عن سجنهم وأكثر منهم لا يودون ذكر اسمه. ومثل الكثيرين غيره، أُجبر ساغار على التوقيع على سند إلزامي بأنه لن يحرض الناس على المعارضة أو يتحدث معارضاً إبطال المادة 370.
قال عضوٌ نافذٌ في حزب الشعب الديمقراطي -الحزب السياسي في كشمير الذي اعتبرته الحكومة الهندية متعاوناً- أُفرج عنه مؤخراً من اعتقاله الذي دام 6 أشهر، وقد تحدث شريطة إخفاء هويته: "الجميع يشعر بالخيانة والخداع".
قال: "لطالما خاطرنا بالمضي قدماً مع علمانية الهند… وقد شُكِّك في إخلاصنا لفكرة الهند؛ لأن تعريف هذه الفكرة قد تغير".
احتُجز ساغار أيضاً في فندق سناتور لثلاثة أشهر قبل نقله إلى النزل. وقال إن المساجين أمضوا الوقت في القراءة ومناقشة الكتب الدينية والسياسية ولعب الورق والصلاة، لكن لم يُسمح لهم بالخروج على الإطلاق.
وقال إن فترة الاحتجاز الطويلة كانت "مهينة حتى النخاع"، وإنها منحته "لحظات من التأمل الذاتي… كان هناك شعورٌ بالهزيمة"، وأضاف: "رأيتُ زعيماً سياسياً يبكي مراتٍ عدة لأن الوضع كان مهيناً للغاية. كان الطعام شديد السوء، وكانت الشوكولاتة أو الحلوى لتمثِّل هدية". وقال إنه شعر أحياناً بأنه ميت. قال: "لا أحد يتذكرك. شعرتُ أنني طائر محجوز في قفص".