كان سِجل محمد باقر قاليباف، الذي عمل قائداً للقوات الجوية بالحرس الثوري الإيراني، ورئيساً للشرطة الوطنية وكان من قدامى المحاربين، قد حبَّب الزعيم الأعلى آية الله خامنئي فيه، وعزَّز فرصه في شغل منصب رئيس البرلمان القادم بعد الانتخابات التي تجري الجمعة 21 فبراير/شباط 2020.
"خامنئي يريد برلماناً سهل القِياد"
يقول محللون لرويترز إن خامنئي، الذي تواجه قبضته على السلطة ضغوطاً متزايدة من واشنطن ومن تنامِي الاستياء الشعبي في الداخل، يعوِّل على صقور الأمن من القادة العسكريين، أمثال قاليباف في تشكيل برلمان مخلص في ولائه سهل القِياد.
وقد عمل مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة من المحافظين المتشددين -تتولى فحص المتقدمين لترشيح أنفسهم في الانتخابات- على ضمان أن تسفر الانتخابات البرلمانية عن أغلبية من الموالين لخامنئي، وذلك باستبعاد المعتدلين وشخصيات بارزة من المحافظين من قوائم المرشحين.
يقول أمير علي حاجي زادة، رئيس الوحدة الجوية الفضائية بالحرس الثوري، في رسالة دعم قوية بالفيديو نشرتها مواقع إلكترونية إيرانية: "اليوم مشكلتنا هي الاقتصاد، ونحن بحاجة لمديرين جهاديين من أمثال قاليباف للتغلب على المشاكل الاقتصادية".
اختبار للمؤسسة الدينية
وستمثل الانتخابات لاختيار أعضاء البرلمان المؤلف من 290 مقعداً اختباراً لما تحظى به المؤسسة الدينية من دعم قبل انتخابات الرئاسة المقررة العام المقبل. وهذه هي أول انتخابات منذ انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الدولي مع إيران وأعادت فرض عقوبات معوقة عليها.
تتوقف فرص قاليباف في الفوز بمنصب رئيس البرلمان على كسب ثقة المتشددين الذين ظلوا يكافحون أياماً للتوصل إلى توافق على قائمة واحدة للمرشحين في طهران. ولا يزال من الممكن أن يطرح المتشددون مرشحاً منافساً لمنصب رئيس البرلمان في الأشهر المقبلة.
وقال مسؤول إصلاحي سابق، مشترطاً عدم الكشف عن هويته، لرويترز: "المتشددون منقسمون… ولن يصوِّت المرشحون المعتدلون والمستقلون لقاليباف، سيكون البرلمان في غاية الفوضى بوجود جماعات مختلفة من المتشددين".
مرشح لا يعرف الهزل
قبل الانتخابات حاول قاليباف استمالة الناخبين من أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض بالتركيز على المصاعب الاقتصادية الناجمة في جانب كبير منها عن العقوبات الأمريكية وبإطلاق الوعود بالتصدي لأصحاب المصالح الشخصية.
ويتشكك البعض في قدرة البرلمان على تحقيق التغيير؛ إذ إن خامنئي والحرس الثوري هم مَن يحددون الاتجاه العام للبلاد من خلال السيطرة على وسائل الإعلام والقوات المسلحة وأجهزة المخابرات ومعظم الموارد المالية.
يقول رامين سرداري، خريج الجامعة، العاطل في طهران، البالغ من العمر 28 عاماً: "لا يمكن أن يتغير شيء في ظل هذه المؤسسة. ولا يهم مَن يفوز في هذه الانتخابات".
وقد أحيا قاليباف طموحاته السياسية بترشيح نفسه لعضوية البرلمان، بعد أن أخفق مرتين في انتخابات الرئاسة، واضطر للانسحاب مرة ثالثة لتفادي انقسام أصوات المتشددين.
وفي 2005 استقال قاليباف من عمله في المؤسسة العسكرية لخوض انتخابات الرئاسة. وكان يعتبر مرشحاً قوياً لكنه خسر في الأيام الأخيرة عندما حوَّل خامنئي وحلفاؤه تأييدهم إلى المرشح الشعبوي المتشدد محمود أحمدي نجاد.
ثم فاز قاليباف بمنصب أحمدي نجاد السابق رئيساً لبلدية طهران وشغل هذا المنصب على مدار 12 عاماً. واكتسب شهرة باعتباره براغماتياً قادراً على حل المشاكل وعالج الأزمة الحادة التي كانت البنية التحتية تعاني منها في طهران، وأحدث تحسناً في المواصلات العامة.
غير أن الفوضى العنيدة التي عانت منها حركة وسائل النقل في العاصمة وما تردد عن تورطه في قضية فساد في 2016 ومقتل 50 من رجال الإطفاء في حادث انهيار مبنى في العام التالي، كل ذلك أضعف شعبيته.
ورغم ذلك فلا يزال ناخبون كثيرون في طهران يعتبرون قاليباف، صاحب الشخصية الآسرة البالغ من العمر 58 عاماً، مرشحاً لا يعرف الهزل، بإمكانه إنجاز المهام الموكلة له. ويتصدر قاليباف قائمة المرشحين للفوز بمقاعد طهران البالغ عددها 30 مقعداً في البرلمان.
حزم مع المعارضة
من المتوقع أن يتمكن قاليباف بما يتمتع من مؤهلات عسكرية قوية من استمالة المرشحين المتشددين الذين يشتركون معه في خلفية واحدة. فقد شارك وهو في سن التاسعة عشرة في الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988) وترقَّى بسرعة من رتبة لأخرى حتى وصل إلى رتبة جنرال بالحرس الثوري في غضون ثلاثة أعوام وأصبح في نهاية الأمر قائداً لقواته الجوية في 1998.
وبعد عام عندما عجّلت حملة أمنية دموية لقمع الطلبة المحتجين باضطرابات على مستوى البلاد ودفعت رئيس الشرطة الوطنية للاستقالة عُيِّن خامنئي قاليباف في هذا المنصب.
تاريخ في "سحق الاحتجاجات"
واشتهر قاليباف عند ناشطي الحقوق المدنية والإصلاحيين بأنه المسؤول الذي سحق الاحتجاجات وشارك شخصياً في ضرب المتظاهرين في 1999، كما لعب دوراً نشطاً في قمع الاضطرابات في 2003.
وكان قاليباف ضمن مجموعة من قادة الحرس الثوري بعثت برسالة إلى رئيس الدولة الإصلاحي آنذاك محمد خاتمي تهدد فيها بقلب نظام الحكم ما لم يتحرك لوضع نهاية للمظاهرات.
وفي 2009 كان لقاليباف، وهو رئيس بلدية طهران الفضل في المساعدة في إخماد اضطرابات دموية استمرت شهوراً وهزت المؤسسة الحاكمة بعد انتخابات رئاسية قال مرشحو المعارضة إنه تم تزويرها لضمان إعادة انتخاب أحمدي نجاد.
ومع ذلك فقد أثار قاليباف، في بعض الأحيان، استياء أنصاره المتشددين المعادين للغرب. فقد أدار حملة مبهرة في انتخابات الرئاسة عام 2005 وهو يرتدي بذلة بيضاء على الطراز الغربي، ويصف نفسه بأنه "حزب الله رضا شاه" في إشارة إلى والد شاه إيران الذي أطاحت به الثورة الإسلامية عام 1979.