أثار تقرير صادر عن مؤسسة أمريكية بشأن السياسة الخارجية لتركيا جدلاً بعد أن خلص إلى مؤشرات على أن الجيش التركي ربما يشهد انقلاباً عسكرياً جديداً على الرئيس رجب طيب أردوغان، وأن هناك تقارباً كبيراً بين وزير الدفاع التركي والجيش الأمريكي.
فحوى تقرير مؤسسة "راند" التابعة للجيش الأمريكي
أصدرت مؤسسة راند التابعة للجيش الأمريكي تقريراً الشهر الماضي زعم أن قرار الحكومة التركية طرد المئات من الضباط في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، قد سبب حالة كبيرة من عدم الرضا في صفوف الجيش التركي، بحسب موقع ميدل إيست آي البريطاني الثلاثاء 18 فبراير/شباط.
وبحسب تقرير المؤسسة الأمريكية فإن هنالك حالة إحباط وغضب تسيطر على الضباط من الرتب المتوسطة تجاه قيادات الجيش ويخشون من أن تطالهم عمليات تطهير الجيش من أتباع فتح الله غولن التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وحذر التقرير من أن "حالة عدم الرضا هذه ربما تؤدي لمحاولة انقلاب أخرى في مرحلة ما"، ويبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان يأخذ الأمر بجدية.
فقوات الأمن التركية تقوم بحملات روتينية تستهدف المشتبه بهم في محاولة الانقلاب، كان آخرها الثلاثاء 18 فبراير/شباط، بعد أن أصدرت النيابة أوامر بإلقاء القبض على نحو 700 شخص بينهم ضباط من الجيش ومسؤولين في وزارة العدل.
ومنذ صدور التقرير، بحسب موقع ميدل إيست آي البريطاني، عقد عدد من المسؤولين في أنقرة اجتماعات لمناقشة أمر الانقلاب المحتمل، لكن الإحساس الغالب في تركيا هو أن الأمر لا يعدو كونه إشاعة لا أكثر، إلا أن الكتاب المحسوبين على الحكومة أخذوا نتائج التقرير الأمريكي على محمل الجد وكتبوا مقالات تحذر من خطر وقوع انقلاب آخر.
اذ كتب حسن بصري يلشين وهو أكاديمي كاتب عمود في صحيفة صباح التركية أمس الإثنين 17 فبراير/شباط يقول أنه على الجميع في أنقرة أخذ التقرير بجدية لأن مؤسسة راند تعمل بشكل مباشر لصالح وزارة الدفاع الأمريكية: "لا يجب أن يتعامل أي شخص مع هذا التقرير في إطار نظرية المؤامرة. لو أنكم لا ترون كيف أن كل هذه الخيوط المغزولة بعناية والتي يتم تنسيقها من جانب مركز واحد، فليس لدي ما أضيفه، ولا تتفاجأوا لو وقعت محاولة انقلاب".
يوسف كابلان -كاتب تركي محافظ في صحيفة يني شفق- حذر أمس الإثنين من أن الانقلاب المقبل لن يكون من تنفيذ أتباع فتح الله غولن -الموجود في بنسلفانيا الأمريكية والذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة- بل سينفذ الانقلاب هذه المرة الكماليون والمجموعات العلمانية داخل صفوف الجيش.
الرئيس أردوغان أيضاً علق على التقرير بشكل غير مباشر
الرئيس التركي هو الآخر علق على الموضوع السبت الماضي، دون الإشارة للتقرير بشكل مباشر، حيث قال أردوغان إن مقاومة الشعب لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 يجب أن تكون درساً للجميع، وقال للصحفيين المرافقين له في زيارته لباكستان: "لقد اكتسب شعبنا تجربة عظيمة ومهمة، وفي المرة القادمة لن يترددوا في النزول للميادين (من أجل مقاومة أي محاولة انقلاب)".
وفي حديث له أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم الأحد، قال أردوغان إن حزبه يضم العدد الأعلى من الأعضاء في البلاد وهو 10 ملايين عضو، وغرد فرحات أونولو وهو كاتب قريب من الحكومة على تويتر قائلاً: "ألا يعتبر ذكر الرئيس لعدد أعضاء حزبه رسالة ذات معنى في ظل إشارة تقرير راند لشائعات عن احتمال وقوع انقلاب؟"
التقرير أيضاً يضع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في موقف حرج، حيث وصفه بالوسيط الفاعل الوحيد في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، في الوقت الذي يحمل فيه 90% من الأتراك آراء عدائية تجاه الولايات المتحدة.
يقول التقرير: "خلال تلك الأزمات، ظل أكار همزة الوصل الرئيسية بالنسبة للجيش التركي والجيوش الأجنبية الأخرى، حيث إن احتفاظه بمنصبه كرئيس لأركان الجيش التركي في عام 2017 ثم تعيينه كوزير للدفاع في يوليو/تموز 2018 في أول قرار رئاسي في ظل النظام الرئاسي الجديد يشير إلى أنه سيظل يلعب دوراً رئيسياً في الشؤون العسكرية التركية لفترة ليست قصيرة".
وفي بيان صادر في وقت مبكر من الشهر الجاري، بعد أسابيع من الصمت، قالت وزارة الدفاع التركية إن تقرير راند جاء غامضاً بصورة غير منطقية وأن التعليقات التي تشير للجيش التركي لا أساس لها وغير جادة، وأضاف البيان: "يحزننا أن بعض التعبيرات الواردة في التقرير -عن عمد أو عن غير عمد- قد جاءت ملتوية ومستهلكة في البلاد".
الجيش التركي يقول: التقرير الأمريكي هدفه الوقيعة بيننا
التقرير زعم أيضاً أن حكومة الرئيس أردوغان قامت بإنشاء جامعة الدفاع الوطنية لتكون الهيئة التعليمية الأساسية للجيش في أعقاب محاولة الانقلاب لكي "تخترق الثقافة الانعزالية للجيش التركي كحام للعلمانية"، وردت وزارة الدفاع التركية على هذا الزعم بالقول في بيانها إن الجيش التركي ووحداته جميعاً تتبع قوانين ونظم الدولة وأن القائد الأعلى للجيش هو رئيس الجمهورية.
وفيما اعتبر كمحاولة أخرى لمخاطبة الانتقادات، قام أكار نفسه بالحديث عن القصة الأسبوع الماضي، حيث قال لصحيفة تركية: "تسلمت التقرير (تقرير راند) بالحزن والأسى كون العبارات التي وردت فيه عن نفسي وعن الجيش التركي والجامعة الوطنية للدفاع تمت صياغتها بطريقة ماكرة كي تستخدم بواسطة دوائر بعينها لإحداث الوقيعة بيننا".
على الجانب الآخر، ادعى معارضون أتراك أن الجدل (بشأن تقرير راند) بدأ من أجل توجيه التغطية في الإعلام التركي ونقاشات الرأي العام، في وقت تخوض فيه الحكومة معارك داخلية ومشاكل خارجية مثل الاقتصاد والحرب في سوريا.
أليكان أولوداغ، مراسل الشؤون القانونية في صحيفة حرييت المعارضة، قال في تغريدة: "مزاعم الانقلاب الجديد ما هي إلا نصوص أعدتها الحكومة لإنقاذ نفسها من متاعبها"، مضيفاً: "نعم هذه الحكومة سترحل، لكنها سترحل من خلال صناديق الاقتراع بطريقة ديمقراطية".