حلم الحج ينتهي بالسجن.. أمهات باكستانيات محبوسات بالسعودية رغم وعود الأمير محمد بن سلمان

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/02/18 الساعة 17:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/18 الساعة 21:32 بتوقيت غرينتش
أفراد من الشرطة السعودية/رويترز

كان المواطن الباكستاني محمد سعيد يجلس على السرير ناظراً إلى صور والدته المُحتجزة في أحد السجون السعودية منذ ثلاث سنوات، إنها واحدة من أعداد كبيرة من السيدات الباكستانيات المسجونات في السعودية.

إذ كانت والدته، وهي ربة منزل تُدعى زُهرة نافين، لديها رغبةٌ شديدة طوال سنوات في أداء العمرة، لكنَّها لم تكن قادرة على تحمُّل تكاليفها، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

لذا حين التقت زهرة بامرأة تدعى بومي في محل ملابس محلي، قالت لها إنها تستطيع التكفُّل بجميع تكاليف العمرة، سرعان ما اغتنمت الفرصة، بحسب ما قاله سعيد وأصدقاء زهرة. 

تعرّضت للخداع ثم هددوها بقتل ابنها

وقال رفعت، أحد جيرانها، لموقع Middle East Eye البريطاني: "زهرة امرأة لطيفة محبوبة. ولم تكن ترى في الناس سوى الخير، لذا تعرَّضت للخداع". 

فحين كانت زهرة في طريقها إلى المملكة العربية السعودية، أخبرها شخصٌ مسافر معها على متن الطائرة بوجود مخدرات في حقيبتها، وبأنَّ ابنها سالم محتجزٌ في قبضة شركاء بومي في باكستان.

وقيل لها إنَّها إذا أفشت ذلك عند وصولها إلى المملكة فستُعرِّض حياة ابنها للخطر. 

وقالت زهرة لموقع Middle East Eye متحدثةً من سجن ذهبان المركزي في مدينة جدة السعودية، حيث يُسمَح لها بإجراء مكالماتٍ منتظمة مع أقربائها في باكستان: "لم أتعرَّض للتفتيش أو الاستجواب في إسلام آباد، لكنني شككت في وجود خطأ ما. عرفت أنَّ ابني سيتعرَّض للأذى إذا أفشيت ذلك الأمر". 

جديرٌ بالذكر أنَّ زهرة تعد واحدةً من بين 3240 سجيناً باكستانياً محتجزين حالياً في السجون السعودية، وفقاً لآخر الأرقام الصادرة عن وزارة الخارجية الباكستانية.

ويقول ناشطون حقوقيون إنَّ هؤلاء السجناء مجرد أشخاصٍ، مثل زهرة، ذهبوا إلى المملكة لأداء مناسك دينية أو البحث عن وظائف، لكن انتهى بهم المطاف في السجن، وغالباً ما يحدث ذلك نتيجة استخدامهم في تهريب المخدرات دون علمهم. 

وعد الأمير محمد بن سلمان

ومن الواضح أنَّ هؤلاء السجناء محط اهتمام كلٍّ من المسؤولين السعوديين والباكستانيين. 

ففي أثناء زيارةٍ أجراها الأمير السعودي محمد بن سلمان إلى إسلام آباد قبل عام واحد، تطرَّق رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى محنة السجناء، فأمر محمد بن سلمان، وهو ما زال في باكستان، بالإفراج عن 2100 سجين باكستاني في السجون السعودية. 

لكنَّ عدد السجناء الذين عادوا إلى باكستان ما زال غير واضحٍ بالضبط حتى الآن. 

إذ تقول وزارة الخارجية الباكستانية إنَّ 2080 عادوا إلى البلاد، بينما ذكرت وزارة الباكستانيين المغتربين أنَّ العدد هو 1790. وتؤكِّد الوزارتان أنَّ أرقامهما تستند إلى قوائم أرسلتها الحكومة السعودية إليهما.

الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الباكستاني عمران خان/رويترز

ومن جانبه سأل موقع Middle East Eye مسؤولين في كلتا الوزارتين مراراً، عن سبب اختلاف أرقامهما، لكنَّه لم يتمكن من الحصول على إجاباتٍ واضحة.

ويسعى أقرباء السجناء، والناشطون الحقوقيون الذين يشعرون بالإحباط من هذا الالتباس ونهج الحكومة الذي وصفوه بأنَّه غير تدخُّلي، إلى اتخاذ إجراءاتٍ أقوى والتحلِّي بشفافيةٍ أكبر. 

إذ قالت سارة بلال، وهي مديرة تنفيذية لمنظمة Justice Project Pakistan غير الربحية التي يقع مقرها في لاهور، والتي تتخذ إجراءاتٍ قانونية لإجبار الحكومة على بذل مزيدٍ من الجهد وتحاول التحقق من الأرقام الصادرة عن الوزارتين: "لقد أعيد أقل من 5% من الباكستانيين إلى باكستان منذ العفو الملكي الذي أصدره ولي العهد. فيما لم تتضح ماهية العائق الذي منع عودة البقية".

مليارات مُعرَّضة للخطر تؤثر على الباكستانيات المسجونات في السعودية

تجدر الإشارة إلى أنَّ العديد من الباكستانيين يتجهون إلى المملكة العربية السعودية منذ عقودٍ، بحثاً عن فرص عمل. ويبلغ عدد الباكستانيين الذين يعيشون في السعودية حالياً حوالي 2.7 مليون باكستاني، وذكرت بعض التقارير أنَّهم أرسلوا حوالاتٍ تجاوزت قيمتها 3.7 مليار دولار إلى باكستان في العام الماضي 2019. 

وبالإضافة إلى هذه الحوالات، أصبحت المملكة تحمل أهمية متزايدة للاقتصاد الباكستاني بعدما قدَّمت له 6 مليارات دولار في شكل قروض في أواخر عام 2018، لتجنُّب حدوث أزمةٍ في ميزان المدفوعات.

وبعد ذلك بثلاثة أشهر، وفي أثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان، أبرمت المملكة صفقاتٍ استثمارية مع باكستان قيمتها 20 مليار دولار.

ويقول ناشطون حقوقيون إنَّ العالقين وسط كل ذلك هُم السجناء الباكستانيون في المملكة الذين وقعوا في منطقةٍ مُحرَّمة بين براثن البيروقراطية والحواجز اللغوية حالما زُجَّ بهم خلف القضبان.

إذ قالت سارة: "إذا كنت مواطناً أجنبياً في أي سجن، فسوف تُصبح في مأزقٍ كبير لأنَّك لا تفهم النظام القانوني".

وصحيحٌ أنَّ هناك معاهدةً دولية مُبرَمة في الستينيات من القرن الماضي، تقتضي من الدول المُضيفة والدول التي تستقبل مواطنين زائرين الالتزام بمجموعةٍ محددة من الأمور في مثل هذه الحالات، لكنَّ الواقع مختلفٌ بعض الشيء عمَّا هو مذكورٌ على الورق، على حد قول سارة.

إذ قالت: "القيود المفروضة على الموارد اللازمة لتوكيل محامين أو الحصول على مساعدةٍ قانونية تعني أنَّ العملية برمتها منحازةٌ بحد ذاتها ضد السجناء، لأنَّ المحتجز ليس لديه شبكة دعم. لذا يكون عالقاً في مأزقٍ بطبيعة الحال". 

ووفقاً لتقريرٍ صدر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في عام 2018، امتنع المسؤولون السعوديون عدة مراتٍ عن إبلاغ المسؤولين القنصليين الباكستانيين عند اعتقال مواطنين باكستانيين في السعودية، تاركين عبء اتخاذ هذه الإجراءات على المعتقلين وأفراد أسرهم.

ومن جانبها قالت زهرة و18 سجينة باكستانية أخرى محتجزاتٍ معها لموقع Middle East Eye، إنَّهن لم يتلقين أي اتصالٍ من أي مسؤول حكومي باكستاني منذ دخولهن السجن. 

وتعمل زهرة والسجينات الأخريات مع منظمة Justice Project Pakistan لبدء حوار مع الحكومة بخصوص محنتهن، ولكن دون جدوى حتى الآن.

ابتلاع أحجارٍ كريمة

وفي ريف كاسور على مشارف مدينة لاهور، تحدَّث بابار، الذي رفض ذكر اسمه الأخير، إلى موقع Middle East Eye عن والدته بلقيس، التي قُبض عليها في جدة في عام 2017 بعدما عثر مسؤولو الجمارك على مخدراتٍ في جهازها الهضمي. 

ولم يتحدث بابار طويلاً، إذ سرعان ما دقّ هاتفه متلقياً المكالمة الأسبوعية المسموح لبلقيس بإجرائها إلى أسرتها من السجن. وقالت بلقيس عبر الهاتف إنَّ محنتها بدأت في المصنع الذي كانت تعمل فيه، وكوَّنت فيه صداقةً مع امرأةٍ تُدعى شاغوفتا. 

فعرَّفتها شاغوفتا على صديقها وسيم، وعرضا عليها رحلةً مجانية إلى مكة المكرمة، مقابل أن تبتلع بعض الكبسولات قبل رحلتها وتوصِلها إلى شخصٍ ما في المملكة العربية السعودية فور مرورها من الجمارك. 

وقالت بلقيس متحدثةً عن شاغوفتا: "ادَّعت أنَّ الكبسولات تحتوي على أحجارٍ كريمة. كان عليَّ أن ابتلعها حتى أتجنَّب الرسوم الجمركية".

وأضافت: "أعلم ما تُفكِّر فيه، لكنني لست مجنونةً. لقد صدَّقت أنَّ هذه المرأة وزوجها كانا يساعدانني في تحقيق رغبتي في الذهاب إلى مكة".

فقاطع باربار الحديث قائلاً: "لماذا لم تتعرَّض والدتي للتفتيش في مطار لاهور؟ إنَّها محتجزة في السجن منذ عامين بعد وقوعها ضحيةً لهذين الزوجين المجرمين".

وأشار إلى أن أمّه إذا خضعت لاستجواب في باكستان لم يكن حالها ليصير إلى تلك الفوضى التي صار إليها اليوم، إذ قال: "لا سبيل لنا للحصول على مساعدة قانونية أو محامٍ، وأنا لا أعرف ما سيجري، أنا مرعوب بشأن مستقبلها".

ألقي القبض على بلقيس بصحبة ابنيها الصغيرين واثنين آخرين، وكانوا جميعاً باكستانيين على متن الرحلة الجويّة نفسها. وأُعيد الصغيران؛ عبدول نعمان وعبدول أمان، إلى باكستان في عام 2018.

وحينما عاد الصبيّان، البالغان الآن من العمر تسع سنوات وخمس سنوات، لم يتمكنا من تفسير ما جرى في المملكة العربية السعودية بسهولة، لأنّهم يتحدثون باللغة العربية فقط هناك.

قال سهيل يافات، أحد المحققين لدى مؤسسة Justice Project Pakistan: "كان الصبيان في حالة صدمة، ولم يتلقّيا أية رعاية من جانب السلطات. وبمجرد أن تستعيد الكثير من الأسر أحباءها، لا تعود تريد مناقشة تلك القضية أكثر من ذلك بسبب التهديدات والخوف من أن يعيد الموقف نفسه من جديد".

لماذا مازالت أرقام المسجونين مُلتبسة؟

وحتّى الآن، بعد مضيّ عامٍ من إعراب عمران خان عن مخاوفه بشأن المحتجزين لمحمد بن سلمان، مازال هناك تضارب دائم بين تصريحات المسؤولين الباكستانيين بشأن عدد مواطنيهم المُحتجزين في السجون السعودية.

سأل موقع Middle East Eye سيد ذو الفقار بخاري، وزير شؤون الباكستانيين المقيمين في الخارج، عن سبب تضارب الأرقام بين وزارته -التي تقول إنه قد أطلق سراح 1790 باكستانياً- وتصريحات وزارة الخارجية التي تشير إلى أن 2080 شخصاً عادوا إلى وطنهم.

وأصرّ من جانبه على أن الموقف معقّد، وأن السبب في هذا التأجيل والارتباك يُعزى إلى المملكة العربية السعودية. 

وقال بخاري: "أنا أتفق مع المنظّمات غير الحكومية في أن السلطات السعودية كانت بطيئة التصرّف في بادئ الأمر، فإنهم في حاجة إلى تطبيق آلية لتنفيذ الأمر".

وطلبت Middle East Eye من وزير الخارجية شاه محمود قريشي التعليق على تضارب الأرقام، ولكنّه رفض التعقيب من جانبه.

وطلب موقع Middle East Eye مراراً وتكراراً من السفارة السعودية في إسلام آباد الردّ على سلسلة من التساؤلات، من بينها سبب تضارب الأرقام الرسمية الخاصّة بالباكستانيين المحتجزين في السجون السعودية، وسبب احتجازهم، لكنّ السفارة رفضت التعليق.

وتقول سارة إنه بعد التحقيق الذي أجرته منظّمة Justice Project Pakistan، تعتقد المؤسسة أن 500 سجين ممن شملهم حصر الوزارتين كانوا قد عادوا إلى أوطانهم بالفعل قبل العفو الملكي، ورفعت المؤسسة عريضة في المحكمة تطالب بإجراء المزيد من التحقيقات في القائمة الصادرة عن الحكومة.

وتوضح قائلة: "الكرة الآن في ملعب الحكومة الباكستانية فيما يتعلّق بمطالبة السلطات السعودية ببعض الوضوح بشأن القضية، إذ لا توجد أيّ متابعة مستدامة من جانب الحكومة للتحقق من تلك القائمة التي نشرتها السلطات السعودية".

تضيف سارة: "برغم أن السلطات السعودية أصدرت قائمة من 500 اسم وقبلها الجانب الباكستاني، فإن رئيس الوزراء وولي العهد لا يفهمان أو يعرفان التفاصيل الحقيقية للقضية. وأعتقد أنهما إذا أدركا الأمر سيشعر كلاهما بالإحراج الشديد".

اليد العليا للسعودية، وإسلام آباد تنتظر موافقتها على زيارة سجنائها

تنتظر باكستان في الوقت الراهن موافقة الحكومة السعودية على زيارة مسؤولي وزارة شؤون الباكستانيين المقيمين في الخارج للسجون في المملكة، لكن المسؤولين قالوا من جانبهم إنهم يتوقّعون إجراء تلك الزيارة خلال الشهر الجاري".

وبمرور الوقت، يقول محللون إنه صار من الواضح أن السلطات الباكستانية تفتقر إلى القوّة اللازمة لإحداث تغيير حقيقي على صعيد الموقف.

قال طلعت مسعود، الجنرال الباكستاني المتقاعد والمعلّق على الشأن السياسي، في حديث أجراه مع موقع Middle East Eye، إن الجهود المتعثّرة تظهر قيادة البلد في موقف ضعيف. وأضاف: "إنها ليست صورة جيدة لباكستان أن يكون هناك العديد من سجنائها قابعين في بلدٍ صديق. وقد يكون لدى السعوديين شواغل تتعلق بالتأكد من أن تلك الخطوة، المتمثلة في إعادة السجناء الباكستانيين، لا تشكل سابقةً مفادها أن القواعد يمكن أن تُنتهك".

وقال مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج آسيا وكبير زملاء جنوب آسيا في مركز ويلسون بواشنطن العاصمة، إن المملكة العربية السعودية لها اليد العليا في الأمر.

وأوضح: "لا أعتقد أن إسلام آباد في وضع يسمح لها بالشكوى من أي تأخير متوقع، لاسيّما بالنظر إلى أن المملكة العربية السعودية ما زالت تفرج عن سجناء، برغم أن هذا لا يجري بالسرعة التي تفضلها إسلام آباد".

وأضاف أن السعوديين "يقدمون دعماً مالياً مديداً لإسلام آباد في الوقت الذي تواجه فيه باكستان أزمتها الاقتصادية، ومن ثمّ فهناك ورقة ضغط لصالح المملكة العربية السعودية".

وبرغم ذلك، فإن هذه النقاط تخضع للنقاش على ألسنة السجناء مثل بلقيس وعائلتها، الذين صاروا في طيّ النسيان. وفي نهاية مكالمتها الأسبوعية تبدأ بلقيس في البكاء.

وقالت: "إنني لست على قيد الحياة ولست ميّتة في هذا السجن، هناك نساء من كافّة أنحاء العالم، بعضهن حُكم عليهن بالسجن لمدد تتجاوز 15 عاماً، ولن يُطلق سراحي ما لم يصدر بشأني عفو. لقد أرسلت السفارة السعودية مستشاراً، ولكنّة لا يوثّق قضيّتي ولا يستمع، فأنا أقول له "أنا لست مهرّبة"، وأرجوه أن يخبر السلطات الباكستانية، ولكنني أخشى ألا يستمع أحد".

تحميل المزيد