ماذا سيحدث لمحطات الوقود التقليدي في حال انتشار السيارات الكهربائية.
تقدم مدينة برغن التي تقع بين أطول مضيقين في النرويج، الإجابة لدرجة أن أصبح هناك سياحة متخصصة في معرفة مستقبل محطات الوقود تتخذ من هذه المدينة ومن النرويج عامة مقصداً لها، حسبما ورد في تقرير صحيفة Financial Times البريطانية.
ففي هذه المدينة التي تعد ثاني أكبر مدن النرويج، أصبحت هناك سيارة من بين كل خمس سيارات الآن كهربائية بالكامل، أكثر من أي مدينة أخرى في العالم.
الكل يأتي إلى عاصمة السيارات الكهربائية في العالم
بينما يقود بعض سكان برغن سيارات نيسان ليف وتسلا الكهربائية في شوارع المدينة، يتطلع أقرانهم في مختلف أنحاء النرويج إلى تلك السيارات وتدرس الشركات الأخرى أداء تلك السيارات في شوارع النرويج في إطار سعيها للتكيف مع عصر السيارات الكهربائية.
وقالت كريستينا بو، الأمين العام للجمعية النرويجية للسيارات الكهربائية: "خلال العام الماضي كان هناك الكثير والكثير من الزيارات من مختلف أنحاء العالم. تأتي الشركات إلى النرويج من أجل التعلُّم".
يبحث آخرون في شأن الشركات العالمية متعددة الجنسيات التي تدير محطات الوقود، الأمر الذي يطرح سؤالاً ملحاً: هل السيارات الكهربائية تعني نهاية عصر محطات الوقود؟
بعدما اشترت شركة محطات الوقود الكندية العملاقة، Alimentation Couche-Tard، أكبر شبكة محطات وقود في النرويج عام 2012، قررت أن تكون النرويج "مختبراً" للدراسة من أجل التوصل لإجابة هذا السؤال.
تريد حكومة النرويج إنهاء بيع السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2025.
وفي سبيل ذلك، تنازلت عن جزء كبير من الضرائب الباهظة المفروضة على شراء السيارات الكهربائية الجديدة.
وعلى الصعيد العالمي، تُقدّر شركة New Energy Finance التابعة لمجموعة Bloomberg العالمية أن 57% من السيارات التي ستُباع عام 2040 ستكون كهربائية.
ماذا سيحدث لمحطات الوقود التقليدي في حال انتشار السيارات الكهربائية؟
استبدلت شركة Couche-Tard محطات شحن السيارات الكهربائية بمضخات الوقود العادية في بعض محطات وقود Circle K التابعة لها في المنطقة الإسكندنافية وأطلقت خدمات لشحن السيارات في المنازل وأماكن العمل في النرويج.
وتقدم شركة الاستشارات البريطانية Insight Research لشركات بيع الوقود ما تُطلق عليه "رحلات السفاري النرويجية"، إذ يمكنهم الدفع مقابل زيارة بعض محطات الوقود المطوّرة في أوسلو.
ووجدت دراسة نشرتها مجموعة بوسطن الاستشارية العام الماضي أن ربع محطات الوقود حول العالم على الأقل مهددة بالإغلاق بحلول عام 2035، إذا لم تجرِ تغييرات كبيرة على أسلوب وطريقة عملها. وفي أقسى السيناريوهات الواردة في الدراسة، سوف تُغلق حوالي 80% من محطات الوقود حول العالم.
النرويج تقدم لك الإجابة
ووصفت كريستينا بو تلك التوقعات بأنها "مبالغ بها بعض الشيء". إلا أنها قالت إنها شهدت على انهيار وتراجع مخططات لتطوير محطات وقود نرويجية جديدة بسبب تسارع الوتيرة التي يتحول بها البلد إلى استخدام السيارات الكهربائية.
قال جون إيشبرغر مدير معهد الوقود الأمريكي، المختص بالأمور البحثية، عن توقعات الدراسة: "ربما، ولكننا نتوقع أن يمتد سوق الطلب على الوقود السائل حتى ستينيات وسبعينيات القرن الحالي على الأقل".
لا أحد مثل النرويج
في معظم البلدان، تعتبر رؤية النرويج بعيدة المنال. تمثّل مبيعات السيارات الكهربائية 2.5% من مبيعات السيارات الجديدة في أمريكا و3.4% في بريطانيا. ووفقاً لشركة IHS Markit للبحث والتحليل، لا تُستبدل السيارات في تلك البلدان كثيراً، إذ يبلغ متوسط عمر استخدام المواطن الأمريكي للسيارة 11.8 عام.
ولكن صناعة السيارات الكهربائية توحي بالتفاؤل. يتوقع إريك فيربايرن، الرئيس التنفيذي لشركة Pod Point البريطانية، التي تبيع محطات السيارات الكهربائية، أن تكون 95% من السيارات الجديدة في بريطانيا كهربائية بحلول عام 2030. ويرى أن الانخفاض السريع في أسعار البطاريات سوف يجعل السيارات الكهربائية أرخص كثيراً من البدائل التي تعمل بالوقود، حتى بدون أي تدخل حكومي على غرار ما حدث في النرويج.
وقال: "سوف تصبح المرحلة أشبه بمنافسة شركتي Blockbuster وNetflix. لا يمكن أن يتواجدا معاً لفترة طويلة"، مشيراً إلى السرعة التي أطاحت فيها Netflix بمنافستها التي تعمل بمجال تأجير الأفلام المنزلية.
هذه المحطات هي التي ستنجو فقط من الانقراض
وأضاف أن محطات الوقود على الطرق السريعة أو متاجر التسوق هي فقط من سيكون أمامها فرصة للنجاح.
ولا يتفق معه المنتسبون إلى مجال محطات الوقود. قال إيشبرغر: "لا يزال الوقت مبكراً جداً. ولا تزال المبالغ التي تُدفع الآن للحصول على متجر صغير قائم بالفعل في محطة وقود باهظة جداً".
وقال بريان ماديرسون، رئيس اتحاد تجّار الوقود في بريطانيا: "خلال اجتماع مع مصرفيين الأسبوع الماضي، قالوا إن ثقتهم في القطاع تمتد إلى 10 أو 15 عاماً مقبلة".
رغم أن معظم أرباحها تأتي من المتاجر، فإن محطات الوقود لا يمكنها أن تستمر
معظم أرباح محطات الوقود تأتي من بيع الأطعمة والمشروبات والتبغ، وليس الوقود. ووفقاً للرابطة الوطنية الأمريكية للمتاجر، 38% فقط من أرباح محطات الوقود الأمريكية تأتي من مبيعات الوقود.
وبدأت Couche-Tard في التفكير بالفعل في الاستخدامات المستقبلية لمحطات الوقود التابعة لها، وتراوحت الأفكار ما بين تحويلها إلى مستودعات وتشغيلها في خدمات غسيل السيارات وورش إصلاحها.
قال هاكون ستيكسورد، مدير قطاع السيارات الكهربائية بمحطات وقود Circle K التابعة لشركة Couche-Tard في أوروبا: "مع الاعتماد على السيارات الكهربائية، سوف تظهر مجموعة جديدة تماماً من نماذج الأعمال".
والمشكلة أنه ليس من السهل عليها التحول إلى محطات شحن كهربائية
ولكن بدون الحاجة إلى التزوّد بالوقود، نادراً ما سيضطر أصحاب السيارات الكهربائية إلى زيارة المتاجر الموجودة بالمحطة.
في النرويج، بالرغم من تزايد انتشار محطات الشحن داخل محطات الوقود، يستخدمها معظم أصحاب السيارات الكهربائية بشكل شهري، وفقاً للجمعية النرويجية للسيارات الكهربائية. بينما يعتمدون في عمليات الشحن اليومية على محطات الشحن المتوفرة في المنزل أو أماكن العمل.
وقالت كريستينا بو: "لا يستخدم أصحاب السيارات محطات الشحن الموجودة في محطات الوقود إلا في الرحلات الطويلة".
بينما بدا الأخوان محسن وزوبر عيسى، مؤسسا شركة Euro Garages، التي تدير محطات وقود ومنافذ للوجبات السريعة في أوروبا، أكثر تفاؤلاً. قال محسن: "ستعاني محطات الوقود الصغيرة التي لا تقدم أي خدمات طعام أو قهوة جيدة أو لديها برنامج تطوير ملائم".
وأضاف زوبر: "يتوقف الأشخاص في المحطات من أجل الاستراحة وليس فقط للتزود بالوقود. أكثر من 60% من الأشخاص يتوقفون للاستراحة. وعلى الطرق السريعة، تصل النسبة إلى 80% أو 85%".
هل يسير العالم على خطى مدينة برغن النرويجية؟ حتى هاكون ستيكسورد، من شركة Couche-Tard، يعتقد أن ذلك ممكن. وقال: "قد تكون النرويج مثالاً لكيفية التطوير التي ستصبح عليها بقية العالم. ولكن ليس من السهل تحديد إطار زمني لتحقيق ذلك".