رغم أن القوى السياسية الشيعية التي تمتلك نفوذاً أكبر في البرلمان العراقي استطاعت، الشهر الماضي، وسط مقاطعة الكرد والسُّنة، تمرير قرار ملزم بخروج القوات الأجنبية من البلاد، فإن آلية إصدار القرار وسط الانقسام السياسي أفقدته الشرعية السياسية.
هذا الانقسام يتمثل في أن إصرار القوى الشيعية على رحيل القوات الأجنبية تواجهه مخاوف من القوى السياسية السنية من أن الفراغ الذي سيتركه خروج القوات الأجنبية من البلاد سيحل محله الجانب الإيراني، من خلال أذرعه المنتشرة في العراق.
كما أن الجانب الكردي، المتمثل بإقليم كردستان في شمال العراق، هو الآخر لديه تحفظ من القرار، على اعتبار أنه صدر في وقت لا يزال فيه تنظيم "داعش" الإرهابي يشكل تهديداً على الأرض، ومن دون قوات التحالف الدولي، سيشهد الوضع الأمني تراجعاً.
إصرار شيعي على تطبيق القرار
في ظل حالة الانقسام، تصّر القوى السياسية الشيعية على أن قرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأجنبية لا رجعة عنه، وعلى الحكومة القادمة التي من المؤمل تشكلها قريباً، أن تتولى تنفيذه.
يقول وليد عبدالحسين، عضو تحالف "الفتح" (48 مقعداً في البرلمان من أصل 329 مقعداً)، إن "القرار صدر فعلاً دون إجماع سياسي، حيث كان هناك رفض سني وكردي للقرار، لكنه صدر بالأغلبية".
وأوضح عبدالحسين أن "القوى السياسية ستلزم الحكومة القادمة بتنفيذ جدولة لخروج القوات الأجنبية، وسيتم إجراء توافقات مع الكتل السياسية المعترضة لغرض الخروج بموقف وطني موحد"، معتبراً أن "ما حصل من قِبل القوات الأمريكية هو تجاوز لسيادة العراق، من خلال قتل مسؤول في الدولة، وعدد من أفراد القوات الأمنية، ولا يمكن قبول ذلك على الإطلاق".
الشهر الماضي، صوّت البرلمان العراقي على قرار يدعو الحكومة إلى إنهاء التواجد العسكري الأمريكي في البلاد. وجاء القرار بعد سلسلة من الهجمات الأمريكية ضد أهداف تتبع لإيران والحشد الشعبي في العراق.
أبرز هذه الهجمات كان اغتيال قائد فيلق "القدس" الإيراني قاسم سليماني، والقيادي في "الحشد الشعبي" أبومهدي المهندس إلى جانب 8 من قادة الحرس الثوري الإيراني والحشد العراقي بداية الشهر الماضي، في غارة جوية قرب مطار بغداد، غربي العاصمة.
كما شنت واشنطن غارات جوية على مواقع لكتائب "حزب الله" العراقي، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقتلت 28 مسلحاً في صفوفها غربي العراق، بعد أن اتهمتها بالوقوف وراء الهجمات الصاروخية على القواعد العسكرية.
رفض كردي وسُني
في توافق مع الموقف الرسمي للقوى السياسية الكردية، التي تقول إن البلاد مازالت بحاجة للوجود الأجنبي بسبب خطورة تنظيم "داعش"، فإن القوى السياسية السنية تتحدث عن أن نشاط التنظيم الإرهابي في غربي البلاد يتطلب دعماً وإسناداً عسكرياً أجنبياً لضمان عدم عودة الإرهابيين.
يقول عضو تحالف "القوى العراقية" (32 مقعداً)، عادل خميس: "نحن لسنا بالضد من إخراج القوات الأجنبية من العراق، وأن تعود السيادة لبلادنا، لكن التوقيت غير دقيق في الوقت الحاضر".
"نحن الآن بحاجة إلى الدعم الاستخباري واللوجيستي لقوات التحالف لقتال داعش الذي ينشط في المناطق الصحراوية، لأن قواتنا المسلحة لا تمتلك جميع الآليات والمعدات اللازمة لهذا الغرض".
وينتشر نحو 5 آلاف جندي أمريكي في قواعد عسكرية بأرجاء العراق، ضمن التحالف الدولي لمحاربة "داعش" الإرهابي.
في الآونة الأخيرة، عاد عناصر تنظيم "داعش" لشن هجمات منسقة استهدفت مواقع عسكرية وأمنية في محافظات ديالى (شرق) وصلاح الدين وكركوك ونينوى (شمال)، رغم أن قوات الأمن العراقية تواصل منذ أشهر تنفيذ عمليات أمنية وعسكرية لملاحقة خلايا التنظيم منعاً لإعادة تنظيم صفوفها.
متغيرات تضغط لإبقاء القوات الأجنبية
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة "المستنصرية" في بغداد عصام الفيلي، يرى أن المتغيرات والمواقف السياسية إلى جانب الأوضاع الميدانية تضغط باتجاه الإبقاء على التواجد العسكري الأجنبي في البلاد.
وقال الفيلي إن "مهام رئيس الوزراء العراقي القادم محددة، وهي الدعوة إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، والسقف الزمني لا يسمح له بمناقشة قرار سحب القوات الأجنبية من البلاد".
وكان الرئيس العراقي برهم صالح قد كلف وزير الاتصالات الأسبق، محمد علاوي، مطلع شباط/فبراير الجاري، بتشكيل الحكومة، وأمامه مهلة 30 يوماً لتقديم حكومته إلى البرلمان لمنحها الثقة.
من ناحية أخرى، ذكر الفيلي: "الجميع يعرف أن قضية إخراج القوات الأجنبية من البلاد هي صراع إيراني أمريكي، فإيران تريد عراقاً خالياً من التواجد الأمريكي، والأخيرة أعلنت أنها لن تسلم العراق لطهران على طبق من ذهب".
وأضاف: "هناك اتفاقيات مبرمة بين العراق والولايات المتحدة تتعلق بالجانب العسكري، منها ملف التسلح لطائرات F16، وكذلك دبابات أبرامز، وهذه عقود موقعة وملايين الدولارات دفعت في هذا الإطار، وليس من السهل إلغاؤها".
عام 2017، أعلن العراق تحقيق النصر على "داعش" باستعادة كامل أراضيه، التي كانت تُقدر بنحو ثلث مساحة البلاد، اجتاحها التنظيم صيف 2014. لكن التنظيم لا يزال يحتفظ بخلايا نائمة في مناطق واسعة بالعراق، ويشن هجمات بين فترات متباينة.
جدير بالذكر أن العراق، يشهد منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019، احتجاجات غير مسبوقة، تخللتها أعمال عنف خلفت أكثر من 600 قتيل، وفق رئيس البلاد برهم صالح، ومنظمة العفو الدولية.
ويطالب المحتجون برئيس وزراء مستقل نزيه، لم يتقلد مناصب رفيعة سابقاً، بعيدٍ عن التبعية لأحزاب ولدول أخرى، فضلاً عن رحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة، والتي تحكم منذ إسقاط نظام صدام حسين، عام 2003.