كما كان متوقعاً أنهت الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي محاكمة عزل دونالد ترامب بتبرئته، فهل تم إسدال الستار نهائياً على "أوكرانيا جيت" أم أن للقصة فصولاً أخرى؟ ومن الأقرب للرئاسة في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل: ترامب أم مرشح الديمقراطيين؟
كيف انتهت المحاكمة الأسرع؟
نجحت الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ برئاسة ميتش ماكونيل في جعل محاكمة ترامب الأسرع تاريخياً، بعد تصويت أمس الأربعاء 5 فبراير/شباط الذي جاء سياسياً بامتياز، فقد صوّت 52 من أعضاء المجلس الجمهوريين لصالح تبرئة ترامب من تهمة استغلال سلطته لحجب مساعدات أمريكية لأوكرانيا وربط الأمر بقيام السلطات الأوكرانية بفتح تحقيق فساد بحق نجل جو بايدن المنافس المحتمل لترامب في الانتخابات الرئاسية هذا العام، مقابل 48 عضواً صوّتوا بإدانته (47 عضواً ديمقراطياً وعضو جمهوري واحد هو ميت رومني).
وفي الاتهام الثاني وهو عرقلة تحقيق الكونغرس، نال ترامب 53 صوتاً (جميع الجمهوريين بمن فيهم ميت رومني) مقابل 47 ديمقراطياً صوّتوا لإدانته.
المحاكمة منذ بدأت وحتى انتهت تعكس الانقسام الحزبي الذي تشهده الولايات المتحدة بصورة لم يسبق لها مثيل، وقد جاءت محاكمة سياسية بامتياز جرت وقائعها بين حزب جمهوري يتمتع بالأغلبية في مجلس الشيوخ وديمقراطي يملك الأغلبية في مجلس النواب، لكن تبرئة ترامب أمس والتي جعلت محاكمته الأسرع بعد تكتل الجمهوريين ورفض استدعاء شهود خصوصاً مستشار الأمن القومي لترامب جون بولتون، ربما لا تعني أن القصة انتهت تماماً.
الآن وقد انتهت المحاكمة، ماذا بعد؟
ردود الأفعال جاءت متوقعة، حيث أكد البيت الأبيض وقيادات الحزب الجمهوري أن الرئيس تمت تبرئته بشكل كامل، وأن محاولة الديمقراطيين عزل الرئيس بعد فشلهم في الفوز بالانتخابات قد ارتدت عليهم، وأن ثقة الشعب بالرئيس أقوى من أي وقت مضى.
على الجانب الآخر، أكد الديمقراطيون أن الأعضاء الجمهوريين قرروا "دفن الحقيقة"، وأن ما حدث يمثل "انتصاراً أخلاقياً" لهم ولحزبهم وللشعب الأمريكي ككل، وجاءت تصريحات قيادات الحزب لتؤكد أن فصول قصة أوكرانيا-جيت (فضيحة أوكرانيا) لم تنتهِ بنهاية المحاكمة.
من الناحية القانونية، أصبح عزل ترامب قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني مستحيلاً، لكن مدى تأثير محاكمة العزل سياسياً على الطرفين أمر آخر، فاستطلاعات الرأي فيما يتعلق بمسألة استدعاء الشهود (التي رفضها الجمهوريون) أظهرت أن غالبية مَن شملتهم تلك الاستطلاعات كانوا يفضلون أن يتم استدعاء الشهود، وهو ما يمكن أن يكون ضاراً بترامب والجمهوريين في الانتخابات القادمة التي ستشهد أيضاً انتخابات على ثلث مقاعد مجلس الشيوخ نفسه.
بولتون ربما يكون له دور غير متوقع
رواية بولتون تحديداً عما حدث في قضية أوكرانيا ربما تمثل في حد ذاتها فصلاً جديداً في فصول القصة، حيث إن نشر مذكراته عن الفترة التي عمل فيها مستشاراً للأمن القومي في البيت الأبيض مع ترامب سيكون هو القصة الأبرز وحديث وسائل الإعلام، وهي الفرصة التي يسعى إليها الديمقراطيون الآن لأنها ستمثل ورقةً انتخابية هامة في الأشهر القادمة، بعد أن منعهم ترامب وفريقه من استخدامها كورقة قانونية في المحاكمة.
وحتى لو نجح ترامب في منع بولتون من نشر مذكراته، وهو ما قال إنه سيفعله، لا يزال بإمكان الديمقراطيين مواصلة السعي لدى المحكمة العليا لإلغاء أمر منعه من الشهادة هو ومسؤولين آخرين في إدارة ترامب، وهي المعركة القانونية التي فضّل الديمقراطيون عدم خوضها لأنها قد تستغرق شهوراً طويلة، أما الآن فلن يخسروا شيئاً من خوضها، فالهدف ليس قانونياً (العزل)، بل سياسي وهو كشف تورّط ترامب من مصدر مباشر مثل بولتون، وهذا على الأرجح سيكون مؤذياً لترامب في مرحلة حساسة من الحملة الانتخابية.
الكاتب الصحفي الأمريكي جوناثان ألتر يرى أن شهادة بولتون الآن في مجلس النواب بعد انتهاء محاكمة عزل ترامب ستكون أكثر تأثيراً مما لو كانت تمت في مجلس الشيوخ أثناء المحاكمة، ويفسر ذلك بقوله: "عندما يدلي بولتون بشهادته في مجلس النواب سيكون ذلك حدثاً رئيسياً وليس مجرد فقرة ضمن المحاكمة تغطي عليها أضواء تبرئة ترامب، وهو ما كان سيحدث لو تم مثوله للشهادة في مجلس الشيوخ. وهكذا سيصبح جُرم ترامب هو الموضوع الرئيسي في الأخبار حتى يوم الانتخابات".
كيف تأثرت شعبية ترامب بعد تبرئته؟
تظهر استطلاعات الرأي أن الموقف لم يتغير كثيراً على مستوى شعبية ترامب بعد انتهاء محاكمة عزله بالبراءة عما كانت عليه قبل انطلاق قطار تلك المحاكمة، فشعبيته تتراوح بين 40 و45%، وهو ما يعني أن فرص إعادة انتخابه معقدة، وإن كانت أبعد ما تكون عن كونها ضعيفة.
أما عن التأثير العام لمحاكمة العزل فقد أظهرت بوضوح مدى الاستقطاب الحزبي داخل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام، وهو ما يشير إلى أن الانتخابات القادمة على الأرجح ستكون نتائجها متقاربة إلى حد كبير، ما لم يحدث شيء ضخم يغير من الاتجاهات الحالية سواء مع ترامب أو ضده.
فقد أدت المحاكمة إلى تحفز القاعدة الانتخابية اليمينية لترامب وفي القلب منها المسيحيون الأنجيليون والبيض المحافظون، وهذه القاعدة الشعبوية لا تعارض أو تناقش أي شيء يقوله ترامب بصورة عامة، وبالتالي فبالنسبة لهم محاكمة العزل ما هي إلا "مؤامرة ديمقراطية".
وعلى الجانب الآخر، وحّد قرار البدء في المحاكمة الذي قاومته نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، طويلاً جانباً كبيراً من الديمقراطيين، وبالتالي بعد انتهاء المحاكمة من المتوقع أن يزداد التماسك الحزبي الديمقراطي سعياً لهزيمة ترامب في الانتخابات المقبلة، ولكن ذلك لن يكون واضحاً قبل انتهاء المنافسات داخل الحزب للفوز بترشيح الحزب لمنافس ترامب القادم.
وهكذا يمكن القول إن محاكمة عزل ترامب ربما تكون قد انتهت من الناحية القانونية والبرلمانية، لكن فصولها السياسية والانتخابية على الأرجح لا تزال في بدايتها، ومدى تأثيرها على فرص بقاء ترامب رئيساً لفترة ثانية ربما لم تتكشف بعد بشكل كامل.