قد يؤدي حظر السفر والحجر الصحي اللذان فرضتهما إدارة ترامب لمواجهة فيروس كورونا الذي انتشر في مدينة ووهان الصينية، إلى تقويض الجهود الدولية لمحاربة تفشي الفيروس، لأنها إجراءات قد تفضي إلى استعداء الزعماء الصينيين، فضلاً عن نبذ السكان المنحدرين من أصل آسيوي، وفقاً لمجموعة كبيرة من خبراء الصحة العامة والمشرعين.
"إثارة الشعور بالتمييز العنصري"
وبحسب صحيفة Politico الأمريكية، أعاد مسؤول بارز في منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء 4 فبراير/شباط، تأكيد قلقه من أن هذه التحركات في النقل والتجارة قد تضر بالجهود المبذولة لمعالجة الأزمة، رغم أنه لم يشر إلى الولايات المتحدة مباشرة.
وفي الوقت نفسه، انتقدت نقابات مضيفي الطيران والممرضين والمعلمين الإدارة الأمريكية؛ لعدم توضيحها نوع الفحص والعلاج اللذين سيخضع لهما الأفراد، في حين يقول بعض أعضاء الكونغرس إنهم قلقون من أن هذه الخطوات قد تثير الشعور بالتمييز العنصري.
إذ قال النائب آمي بيرا، النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، وهو طبيب سابق: "الفيروس حدث وإن ظهر في الصين. لكن الفيروس لا يميز بين الآسيويين وغير الآسيويين. وفي تصدينا له لا يمكننا إثارة التحيزات وتوجيه قلقنا إلى شعب واحد".
يُذكر أن الإدارة الأمريكية أمرت، الأحد 2 فبراير/شباط، باحتجاز المسافرين الأمريكيين الذين سافروا مؤخراً إلى مقاطعة هوبي الصينية -مركز تفشي المرض- في الحجر الصحي الإلزامي لمدة أسبوعين. وكانت آخر مرة اتخذت فيها الحكومة مثل هذه الخطوة في أواخر الستينيات، عندما احتجزت أشخاصاً على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك لا يملكون ما يثبت تطعيمهم ضد الجدري.
في الوقت الحالي، يوجد 195 أمريكياً في الحجر الصحي بقاعدة عسكرية في أونتاريو، بولاية كاليفورنيا، ممن تم إجلاؤهم من منطقة ووهان الأسبوع الماضي، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد مع إجلاء المزيد من الأشخاص جواً.
"ليس ضرورياً لوقف انتشار المرض"
فيما قال رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الثلاثاء، إن حظر السفر على نطاق واسع والقيود المفروضة ليست ضرورية لوقف انتشار المرض، وقد "يؤدي إلى زيادة الشعور بالخوف والنبذ، دون فوائد تذكر للصحة العامة". ودعا قادة النقابات بشكل منفصل إلى التنسيق مع الحكومة لمواجهة الفيروس، وحذر السلطات من التحيز ضد المنحدرين من أصل آسيوي أثناء التصدي لتهديد الفيروس.
يُذكر أن الفيروس أصاب حوالي 20,900 شخص حول العالم، وتسبب في موت 427 شخصاً على الأقل، معظمهم في الصين. ومنحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في وقت متأخر من يوم الثلاثاء إذناً طارئاً لتوزيع اختبار تشخيصي للفيروس على مختبرات الصحة العامة في جميع أنحاء البلاد. وتُلغي هذه الخطوة الحاجة إلى تأكيد حالات الإصابة عن طريق إرسال عينات إلى مقر مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أتلانتا.
هل تستطيع الحكومة احتجاز الأشخاص باسم "الصحة العامة"؟
تتمتع الحكومة بسلطة قانونية واسعة لاحتجاز الأشخاص وفرض الحدود الأمريكية باسم الصحة العامة، لكن الأمر أكثر تعقيداً من الناحية السياسية والدبلوماسية.
فيما يقول المشرعون المحافظون، الذين طالبوا منذ أسابيع بحظر السفر وفرض الحجر الصحي الإلزامي، إن "طريقة الإدارة في مواجهة الفيروس تصب في مصلحة الشعب".
إذ أشاد السيناتور توم كوتُن، النائب الجمهوري عن ولاية أركنساس، "بالإجراءات الحاسمة"، قائلاً إن الحكومة "تلزم جانب الحذر". وقد حث كوتُن وغيره من الجمهوريين الإدارة على المضي قدماً وفرض حظر على جميع أشكال السفر التجاري إلى الصين.
الأمر خطير وسيشجع إخفاء تفشي المرض
لكن هذه التدابير قوبلت بانتقاد واسع على الصعيدين المحلي والدولي. يقول خبراء الصحة العامة إن الإجراءات الطوعية وتثقيف الناس عادة ما تكون أفضل من الإجراءات الإجبارية، التي قد تدفع الناس إلى عدم التحدث بصدق عن الأعراض التي يصابون بها وتاريخ سفرهم، وتشجع الدول على إخفاء تفشي المرض. وفضلاً عن ذلك، تضر قيود السفر بالاقتصادات وتحول موارد الصحة العامة باتجاه فرض حظر قد لا يكون مفيداً في منع انتشار العدوى، وفقاً لسعد أومير، مدير معهد ييل للصحة العالمية.
ومن الجائز أن هذه السياسات تعقد بالفعل المحاولات الدولية للتصدي للفيروس. إذ اتهمت الحكومة الصينية يوم الإثنين الولايات المتحدة بأنها "بالغت في رد فعلها" على تفشي المرض. ويقول قادة مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها CDC إنهم ما زالوا ينتظرون إذناً من الحكومة الصينية للانضمام إلى وفد منظمة الصحة العالمية القادم إلى ووهان.
وقال بيرا، الذي سيرأس جلسة استماع للجنة فرعية تابعة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب حول الوباء، اليوم الأربعاء، إنه يخشى من أن تأتي إجراءات إدارة ترامب الاحتياطية بنتائج عكسية.
أضاف: "لا ينبغي أن نستعدي الصينيين، وإنما حري بنا أن نتعاون معهم". وإلى جانب العواقب الدبلوماسية السلبية، قال إن حظر السفر قد "لا يفيد"، لأن الفيروس انتشر بالفعل في العديد من البلدان الأخرى.
الحجر الإلزامي قد يكون مبالغاً فيه
يقول بيرا لموقع POLITICO: "في هذا المنعطف، سيكون من الصعب جداً احتواء الفيروس"، مشيراً إلى أن أولويته الآن هي إرسال خبراء الأوبئة من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها إلى الصين لدراسة مصدر انتشار الفيروس.
معتبراً أن الحجر الصحي الإلزامي "قد يكون مبالغاً فيه"، مشيراً إلى خبراء قالوا إن على الحكومات اللجوء إلى الإجراءات الطوعية كلما أمكن، لأن الناس عادة ما يمتثلون لتوجيهات الحجر الصحي الذاتي لحماية أنفسهم والآخرين من الأمراض.
يقول أومير، رئيس معهد ييل، إن رجال السياسة قد يشعرون بأن عليهم "أن يفعلوا شيئاً"، لأن الأوبئة تغذي مشاعر العجز. لكن النهج الأكثر اتزاناً هو البعث برسائل تجعل الناس يشعرون أنهم جزء من الحل، مثل الحث على غسل الأيدي، أو البقاء في المنزل إذا شعروا بالمرض، أو الحصول على لقاح الإنفلونزا، الذي يستهدف مرضاً يمثل تهديداً أكبر بكثير من فيروس كورونا لسكان الولايات المتحدة.
انتهاك للحقوق المدنية
في الوقت نفسه، حذّر اتحاد الحريات المدنية الأمريكي ACLU، من أن تنتهك إجراءات الإدارة الحقوق المدنية. إذ قال جاي ستانلي، كبير محللي السياسات في اتحاد الحريات المدنية الأمريكي، إن أي احتجاز للمسافرين أو المواطنين يجب أن يكون "مبرراً علمياً، وألا يكون تدخلاً في الحريات المدنية أكثر مما تقتضيه الضرورة القصوى".
يتناول مسؤولو الإدارة علناً بعض هذه المخاوف. ففي اتصال مع مراسلين يوم الجمعة 31 يناير/كانون الثاني، أقرّ مسؤولو مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بأن هذه السياسات "يمكن أن تثير الخوف والنبذ"، لكنهم قالوا إن فوائدها للصحة العامة تفوق جوانبها السلبية.
إذ قالت نانسي ميسونييه، مديرة المركز الوطني للتحصين والأمراض التنفسية في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها: "نُفضل أن يقال عنا إننا بالغنا في رد فعلنا على أن يقال إننا تهاونا".
فيما يثني بعض خبراء الصحة على جهود مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، قائلين إن الهيئة تتبع نهجاً أكثر إنسانية وعقلانية من عمليات العزل العشوائي للمدن في المنطقة الأكثر تضرراً في الصين.
إذ قال هوارد ماركيل، الطبيب والمؤرخ الطبي بجامعة ميشيغان: "عزل 56 مليون شخص بحلقة حول مدنهم أمر شديد العشوائية، خاصة أننا نعلم أن 5 ملايين شخص غادروا بالفعل. وقال إن الحجر الصحي في الولايات المتحدة "ليس الأمثل"، لكنه "أكثر حرصاً ودقة بكثير".
لكن البعض يصفه بـ "الإجراء الحكيم"
كان الحجر الصحي في القرن التاسع عشر يعني الاحتجاز على متن سفينة خارج الميناء مع مرضى الجدري والكوليرا، ورش الملابس بالكبريت الذي يُفترص أن يقضي على الجراثيم. لكنه قال إن الحجر الصحي للأشخاص العائدين من الصين يُفترض أن يكون مختلفاً.
وأضاف: "لم تكن حينها لتستمتع بالهواتف والحواسب ووسائل الترفيه. ولا أحد يزعم أن الحجر الصحي تجربة رائعة. إنها تجربة تعبث بعقلك، لكنني أعرف أن الحجر سيفرض بطريقة إنسانية وأخلاقية، ونظراً لسرعة انتشار الفيروس، أرى أنه إجراء احتياطي حكيم".
ووصفت النائبة الديمقراطية جودي تشو عن ولاية كاليفورنيا، ورئيسة تجمع Congressional Asian Pacific American Caucus بالكونغرس، الحجر الصحي بأنه "خطوة ضرورية" بالنظر إلى فداحة وباء الكورونا.
لكن تشو -التي تقع مقاطعتها بالقرب من قاعدة القوات الجوية حيث يُعزل الأمريكيون الذين جرى إجلاؤهم- انتقدت الإدارة في عدم صراحتها في كشف المعلومات. ولم ترد مراكز مكافحة الأمراض واتقائها بعد على خطابٍ أرسلته مع مشرعين آخرين من كاليفورنيا في الأسبوع الماضي، تسأل عن تفاصيل تتعلق بنوع الفحص والعلاج الذي يواجهه ويتلقاه كل فرد، وعن حالتهم وعمن "يدير الأمور" في المكان.
قالت تشو إنها تشعر بالسخط أيضاً لأنها لم تُبلغ ما إذا كان من سيجري إجلاؤهم مستقبلاً من ووهان سيُحتجزون في القاعدة نفسها، أو في مكان آخر في الولايات المتحدة.