لم يكن الإعلان عن لقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان خبراً عادياً بالتأكيد، خصوصاً في ظل التغيير الذي شهده السودان وأيضاً توقيت اللقاء بعد أيام قليلة من إعلان صفقة القرن، لكن السؤال الآن ما سر الرغبة الإسرائيلية في التغلغل داخل القارة السمراء؟
ماذا حدث؟
قال مسؤولون إسرائيليون، أمس الإثنين 3 فبراير/شباط، إن إسرائيل والسودان اتفقتا على العمل على تطبيع العلاقات للمرة الأولى، وذلك بعد اجتماع عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني في مدينة عنتيبي بوسط أوغندا.
البيان الإسرائيلي كان واضحاً ومباشراً، حيث جاء فيه أنه "تم الاتفاق على بدء التعاون بما يؤدي إلى تطبيع العلاقة بين البلدين"، وأضاف البيان: "يعتقد نتنياهو أن السودان بدأ يتحرك في اتجاه جديد وإيجابي"، وتابع أن الزعيم السوداني "يرغب في مساعدة بلده على المضي قدماً في عملية تحديث من خلال إنهاء عزلته ووضعه على خريطة العالم".
ردود فعل متوقعة داخل وخارج السودان
وبالطبع أثارت زيارة البرهان والحديث عن تطبيع للعلاقات مع إسرائيل جدلاً مع كثيرين داخل السودان وخارجه في العالم العربي، خاصة في هذا التوقيت الذي يقوم فيه نتنياهو بالترويج لصفقة القرن التي يرفضها الفلسطينيون رفضاً قاطعاً.
وزير الإعلام السوداني والمتحدث باسم الحكومة فيصل صالح في تصريحات لرويترز قال إنه ليس لديه معلومات عن الزيارة، وإن مجلس الوزراء لم يناقشها، وذكر صالح في بيان لاحق أن المسؤولين سينتظرون توضيحات لدى عودة البرهان.
ووصف المسؤول الفلسطيني البارز صائب عريقات اجتماع البرهان مع نتنياهو بأنه "طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وخروج صارخ عن مبادرة السلام العربية"، وفقاً لبيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).
ماذا يريد "المتهم" نتنياهو؟
تطبيع العلاقات مع السودان تحديداً في هذا التوقيت يساعد نتنياهو في إبراز مؤهلاته الدبلوماسية قبل شهر من الانتخابات المقررة في إسرائيل في الثاني من مارس/آذار المقبل، وهي الانتخابات التي قد تكون الفرصة الأخيرة لنتنياهو لإنقاذ نفسه بعد أن تم توجيه اتهامات رسمية له بتلقي الرشوة وخيانة الأمانة والفساد، وأصبح الآن "متهماً" من ناحية التوصيف القانوني.
تطبيع العلاقات مع السودان يمكن أيضاً أن يمهد الطريق أمام تعهد يعلنه الزعيم اليميني الإسرائيلي بترحيل السودانيين الذين يمثلون نحو 20% من العمال غير الشرعيين في إسرائيل، وهي خطوة يدعمها كثير من مؤيديه، وكان هؤلاء المهاجرون قد قالوا في السابق إنه من غير الممكن تسليمهم لأنهم يواجهون عقاباً لسفرهم إلى إسرائيل وهي عدو لبلادهم أي السودان.
سرّ الإصرار الإسرائيلي على التغلغل في القارة السمراء
لكن لا يمكن اختصار تحركات نتنياهو في إفريقيا في المأزق الشخصي الذي يواجهه بالطبع، فمحاولات إسرائيل إقامة علاقات مع دول القارة السمراء ليست وليدة الانغلاق السياسي في تل أبيب على مدار العام الأخير، بل ترجع تلك التحركات إلى تاريخ تأسيس إسرائيل نفسها عام 1948.
وهناك أبعاد استراتيجية وسياسية وأمنية واقتصادية وراء المحاولات الإسرائيلية، تتركز بالأساس في تحقيق اختراق للقارة التي مثلت على مدار سنوات طويلة دعماً مطلقاً للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وتمثل إفريقيا (54 دولة) كتلة تصويتية هامة كانت على الدوام ضد إسرائيل، لكن ذلك بدأ يتغير بصورة ملموسة في العقدين الأخيرين.
ومنذ وصول نتنياهو لرئاسة وزراء إسرائيل، أعطى أولوية كبرى للعلاقات مع الدول الإفريقية تجسدت في الزيارات التي قام بها إلى إفريقيا، وهي الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلي منذ 50 عاماً، أعلن خلالها أن "إسرائيل تعود إلى إفريقيا، وإفريقيا تعود إلى إسرائيل"، تلتها ثلاث زيارات مشابهة، شارك في واحدة منها في القمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) في ليبيريا عام 2017، كأول زعيم غير إفريقي يُدعى لحضور القمة في حدث غير مسبوق.
وفي هذا الإطار جاءت زيارته الحالية لأوغندا، التي وصلها أمس الإثنين 3 فبراير/شباط، والتقى خلالها خلالها الرئيس يوري موسيفيني وطلب منه أمام العدسات أن تقوم أوغندا بافتتاح سفارة لها في القدس، ورد موسيفيني أن الأمر محل دراسة بالفعل، كما طلب نتنياهو تسيير رحلات جوية مباشرة بين تل أبيب وعنتيبي.
صفقة القرن
توقيت تحركات نتنياهو المكثفة تجاه إفريقيا يتزامن مع الإعلان عن صفقة القرن وما ينتظر أن تسببه من سجالات ومواجهات على المستوى الدولي، وتسعى إسرائيل لحشد التأييد لتلك الصفقة أو خطة السلام كما يطلقون عليها، في ظل رفض الجانب الفلسطيني لها.
نتنياهو أيضاً يريد استغلال تراجع الدور العربي في إفريقيا في السنوات الأخيرة والبناء على التحركات الإسرائيلية وعقد الاتفاقيات مع كثير من الدول السمراء، وهو ما بدأ ينعكس مؤخراً في اتجاهات تصويت دول القارة في المحافل الدولية خصوصاً الأمم المتحدة والتي بدأت تميل لصالح تل أبيب (دراسة عن تراجع الدعم الإفريقي للقضية الفلسطينية وأسبابه في هذا الرابط).