الحراك حول حرية التعبير إلى مكسب جديد للجزائريين، ولكن التخوفات من رهن هذه الحرية ما زالت قائمة

عربي بوست
تم النشر: 2020/02/04 الساعة 10:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/04 الساعة 10:47 بتوقيت غرينتش
ارتفع سقف الحريات في الجزائر بعد اسقاط نظام بوتفليقة/ رويترز

يثير واقع حرية التعبير في الجزائر بعد الحراك الشعبي نقاشاً واسعاً في الوسطيْن الإعلامي والثقافي امتد إلى كتابة التاريخ، حيث يرى مختصون أن الحراك حقق لها مكاسب، ويعتقد آخرون أن الواقع عكس ذلك.

وأدى الحراك الشعبي الذي انطلق بالجزائر في 22 فبراير/شباط 2019، ضد ترشح عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة، إلى إجبار الأخير على الاستقالة في 2 أبريل/نيسان من نفس السنة. ومنذ انطلاق الحراك سُجنت شخصيات سياسية وثورية ونشطاء وإعلاميون (أُطلق سراح بعضهم) بسبب آرائهم حول الوضع السياسي في البلاد ونشاطهم في الحراك الشعبي.

تجريم العنصرية والكراهية

في 14 يناير/كانون الثاني 2020 أودع القضاء الجزائري رابح ظريف، مدير الثقافة لمحافظة المسيلة (شرق)، الحبس المؤقت بتهمة "الإضرار بالمصلحة الوطنية والمساس بسلامة الوطن"، حسب بيان لمحكمة المحافظة. وكان ظريف نشر تدوينة على حسابه بفيسبوك اتهم فيها عبان رمضان، أحد قادة الثورة التحريرية (1954-1962) ضد الاستعمار الفرنسي، بالخيانة.

عقب انتخابه رئيساً للجزائر، في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أمر عبدالمجيد تبون حكومته بإصدار قانون يجرّم خطاب العنصرية والكراهية والتحريض، الذي اعتبره يشكل تهديداً للانسجام الوطني، حسب بيان للرئاسة.

وفي 9 يناير/كانون الثاني الماضي دعت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (أكبر تجمع لعلماء الدين في البلاد) المواطنين إلى نبذ التنازع والاختلاف المذموم. وقالت الجمعية: "إيماناً بواجب النصح ندعو أبناء الأمة الجزائرية إلى نبذ التنازع والاختلاف المذموم وكل دعوات التعصب والصراع الأيديولوجي بينهم".

مكاسب في ظل تخوفات وشكوك

يعتقد المخرج الجزائري المختص في الأفلام الوثائقية عبدالباقي صلاي أن "الحراك بقدر ما فتح الباب على عهد جديد في مجال حرية التعبير، بقدر ما خلق تخوفات من رهن هذه الحرية". وقال صلاي لـ"الأناضول" إنه "يجب توخي الحذر في ما نتحدث عنه على أنه حرية تعبير".

مضيفاً أن "الطعن في الأشخاص مهما كان توجههم الأيديولوجي لا يعتبر حرية تعبير، كما لا يكون مسوغاً للزج بهذه المفردة في أتون المشاجرة واعتبارها من صميم حرية التعبير".

وأشار صلاي إلى أن السلطة "تعاملت مع تصريحات الكثيرين على أنها استفزاز لها وللجيش، فيما يرى البعض أن سجنها كل مَن تجاوز حدودها، يعتبر تجنياً على حرية التعبير". معتبراً أن "تعامل السلطة مع رابح ظريف بتلك الطريقة يندرج ضمن التحفظ الذي يجب على كل موظف في الدولة أن يلتزم به".

وبحسب صلاي، فقد "أخطأ ظريف، فخلط الوظيفة مع القناعة الشخصية، وأفتى فتوى تاريخية خارج تخصصه، وهو الذي كان على رأس متحف للتاريخ قبل أن يصبح مديراً للثقافة". واستطرد قائلاً: "ظريف ضحية تاريخ مكتوب من زاوية واحدة، وتعامل بما اعتقد أنه حرية تعبير لأنه سمع ورأى التخوين يطال رموزاً تاريخية منذ الفترة الاستعمارية من قبل آخرين ولم يتم معاقبتهم".

الحراك حقق مكاسب.. فماذا عن كتابة التاريخ؟

الأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر رضوان بوهيدل أشار إلى ضرورة "عدم الخلط بين سجين الرأي والمسجون بسبب جرائم يعاقب عليها القانون".

وقال بوهيدل لـ"الأناضول": "الشتم والتشهير ليست أفعالاً تدخل في حرية الرأي، القانون واضح في هذا الشأن تفادياً للتهويل والعودة إلى تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية".

وحول حرية التعبير في الجزائر اعتبر أن الحراك الشعبي حقق مكاسب في هذا المجال عبر خلق نوع من القطيعة مع بعض الممارسات السابقة. وأضاف: "يجب ضبط مفهوم الحرية بعيداً عن خطابات التجريح والكراهية والتخوين التي سادت مؤخراً بسبب اختلاف في وجهات النظر". مشيراً إلى أنه يتم ذلك بإعادة النظر في التشريعات المرتبطة بذلك سواء في الدستور أو القانون العضوي للإعلام أو حتى قانون العقوبات.

ولم يخفِ بوهديل أن "هذا المفهوم مرتبط بالديمقراطية والمسؤولية والأخلاق ولا يمكن الحديث عن حرية رأي متجردة من الأخلاق". وأشار إلى أن "الحراك حقق بعض المكاسب وجب تعزيزها بمكاسب أخرى تضمن حق المواطن في حرية الرأي دون تجريم".

يُذكر أنه في تصنيف "مراسلون بلاد حدود" لعام 2019 نشر أبريل/نيسان الماضي، حلت الجزائر في الصف 141 عالمياً، بعد أن كانت في المرتبة 136 في عام 2018.

تحميل المزيد