لماذا يقف العلم عاجزاً عن هزيمة السرطان حتى الآن؟ ربما حان الوقت لنظرية جديدة

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/02/03 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/04 الساعة 06:23 بتوقيت غرينتش

دون معرفة السبب الذي يؤدي للإصابة بالسرطان، يظل العلم عاجزاً عن التوصل لعلاج ناجع يقضي عليه، وبالتالي الانتصار في تلك الحرب التي تدور رحاها منذ أكثر من قرن ونصف، فهل حان الوقت لتغيير طريقة البحث عن علاج تقليدي؟

موقع ستاف النيوزيلندي نشر تقريراً بعنوان: "لماذا لا يزال العلم يبحث عن علاج للسرطان؟ حان الوقت لنظرية جديدة"، ألقى فيه جون ماكرونف الضوء على تلك القصة انطلاقاً من سؤال بديهي: هل نعرف أصلاً سبب حدوث السرطان؟ يوجد قدر كبير من المنطق خلف مفهوم تطوري جديد للمرض؟

كيف ومتى بدأت الحرب؟

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية "الحرب على السرطان" في سبعينات القرن الماضي، في وقت كان فيه علم الوراثة هو الثورة العلمية السائدة، ومن هذا المنطلق انطلقت عجلة البحث العلمي للتوصل إلى علاج للمرض والقضاء عليه.

وكان السرطان وقتها يبدو، من وجهة نظر العلم، قصة بسيطة وواضحة؛ خلل جيني نتجت عنه خلية مارقة أدت لإصابة الجسم البشري بالسرطان، ولكن يبدو أن العلم الطبي قد حقق تقدماً في التعامل مع السرطان أقل بكثير مما وعدوا به قبل أكثر من نصف قرن.

كيف تحدث الإصابة بالسرطان؟

الخلية المارقة تؤسس جيشاً من الخلايا المستنسخة ينتج عنها الورم الأساسي، لكن هذا التكتل يبدأ في نهاية المطاف بإرسال خلايا منفردة عبر الجسد وعندها يتنشر السرطان في أعضاء الجسم ويقضي عليه.

وعلى الرغم من رصد مليارات الدولارات لأبحاث السرطان، فإن العلاج الناجع للمرض لم يظهر وكانت النتائج مخيبة للآمال على أقل تقدير.

فالعمليات الجراحية التي يتم إجراؤها لاستئصال الخلايا السرطانية التي تشكل الأورام تترك وراءها "خلايا ضالة"، بينما العلاج الإشعاعي ينتج عنه إبطاء النمو السرطاني وليس القضاء عليه، والعلاج الكيماوي يعتمد على تسميم الخلايا السرطانية بدرجة أسرع قليلاً من تسميمها للمريض، وبذلك يقضي العلاج الكيماوي على الخلايا المسرطنة والسليمة على السواء، فيدمر الشعر ونخاع العظم وخلايا جدار الأمعاء.

قسم العلاج الكيماوي في مستشفى وايراريا نيوزيلندا

الشعر يسقط والجهاز المناعي يتحطم ويصاب المريض بحالة غثيان مستمرة، الأمر بهذه البساطة. صحيح أن هناك أدوية تعالج بعض أنواع السرطان وهناك تركيبات كيماوية يمكنها أن تقلص من اللوكيميا والأنواع الأخرى من سرطانات الدم، لأن الوصول للخلايا في هذه الأنواع أسهل، لكن تظل الأورام هي التحدي الأصعب.

فيتامين سي علاج للأورام؟

باحثة السرطان د. غابي داكس، عضوة في مجموعة ماكنزي لأبحاث السرطان في مستشفى كرايستشيرش، حيث يعملون على التعامل مع السرطان من خلال نظرية جديدة خارج إطار نظرية الهندسة الوراثية والخلل الجيني السائدة حول العالم في البحث عن علاج للسرطان.

أحد الأبحاث العلاجية التي تعمل عليها المجموعة تتمثل في استعمال فيتامين سي العادي في محاصرة الأورام وتقليص حجمها، وتقول الدكتورة داكس: "نعم. حقن فيتامين سي العادية. رخيصة السعر ولا تخضع لإجراءات براءات الاختراع (تتكلف ملايين بل مليارات أحيانا)، ولا تهتم بها المؤسسات الدوائية العملاقة، لذلك نستخدمها نحن مجموعات البحث الصغيرة في أبحاثنا".

أما كيف فيتامين سي، فهو يعمل كعنصر مساعد ضروري لتنشيط بروتين آخر يخفض مستويات بروتين HIF-1 المسؤول عن تكبير حجم الورم ونشر الخلايا السرطانية، وبالتالي يساعد إغراق الورم السرطاني بفيتامين سي على محاصرته وجعله أقل عدوانية.

كيف تتغير نظريات علاج السرطان؟

ترى د. داكس أن السؤال الكبير المتعلق بنظريات عمل السرطان تشهد الآن منعطفاً كبيراً نحو التغيير في التفكير نفسه، حيث إنها عندما بدأت أبحاثها في التسعينات كانت نظرية الطفرة الجسدية لا تزال الدوجما الرسمية، وهي تعني أن حدوث تحول أو طفرة في أحد خلايا الجسد أو مجموعة صغيرة من تلك الطفرات أو التحولات يمكن أن تضع بعض الخلايا على طريق سرطاني مدمر.

لكن اكتشاف التسلسل الجيني وضع شكوكاً حول تلك النظرية، وتقول د. داكس إن "كل سرطان نوع مختلف فهو ليس مرضاً واحداً، وهذا ما جعل السرطان هدفاً صعباً للغاية، حيث لا يوجد مريض سرطان متطابقاً جينياً مع مريض آخر".

نظرية الطفرة الجسدية بنيت على فكرة أن السرطان عبارة عن حفرة غبية من الخلايا المنكسرة، لكن حتى بمصطلحات الهندسة الوراثية، تبدو تلك النظرية الآن أقرب لتغيير بيولوجي في الشكل الخارجي فقط، حيث إن السرطان أثبت أنه أكثر مقاومة وقدرة على التكيف بصورة تخالف تلك النظرية، فللأورام طرق متعددة تمكنها من تطويع الوظائف الطبيعية للجسم لخدمتها وليس خدمة الجسم كما يفترض بها أن تعمل.

مفهوم جديد في التعامل مع السرطان

بدأ منذ نحو 15 عاماً مفهوماً جديداً في التعامل مع السرطان يقوم على تغيير نظرية أنه يحدث نتيجة خطأ جيني أو طفرة في خلية ما، إلى نظرية أنه أمر واقع يتحول لمرض خبيث بسبب الضغوط الانتقائية للتنافس البيولوجي داخل الجسد.

د. غابي داكس

ففي الجسد الطبيعي يكون دور الخلايا أن تكون مختلفة وموجودة في مكان محدد تؤدي وظيفتها، وكل خلية تحمل البصمة الوراثية الكاملة للجسد في تركيبتها، ولكن خلية الكلية تؤدي وظيفتها في منطقتها عن طريق نظام محدد لتبادل الرسائل يخبرها أن تغلق جميع الوظائف الأخرى وتقوم فقط بدورها كخلية في منطقة الكلية أو هذا العضو تحديداً من الجسد.

وهكذا تقوم خلية الكلية بوظيفتها، ولكن مواصفات خلية المخ أو البشرة تكون موجودة لديها دون أن تفعلها، بناءً على الأوامر الواردة من الخلايا المسيطرة على نظام عمل الجسد ككل، ووظيفة تلك الخلايا عندما ترى أن خلية الكلية لا تؤدي وظيفتها -ربما بسبب عدوى فيروسية أو ضرر جيني- ترسل رسالة "تدمير ذاتي" لتلك الخلية كي تدمر نفسها وقاية للعضو ولباقي الخلايا والجسم ككل.

الخلية المصابة عندما تصلها رسالة التدمير الذاتي تقوم بتفعيل برنامج التدمير بداخلها وإلا يتم إرسال رسالة تحذير للجهاز المناعي في الجسم ليحشد خلاياه والتخلص من تلك الخلية، وهكذا فإن الجسم البشري يعمل في إطار أداة سيطرة متدرجة المهام ومحكمة، وعلى الرغم من أن كل خلية لديها القدرة على ممارسة جميع المهام والسلوكيات، إلا أن تلك القدرة والحرية تخضع لنظام مراقبة صارم وضغوط الخلايا المجاورة.

لكن الخلايا تتعرض لأضرار بصورة مستمرة ولأسباب متعددة؛ الأشعة فوق البنفسجية أو المؤكسدات أو الملوثات أو الفيروسات أو المثيرات الميكانيكية مثل بعض أنواع الأقمشة أو حتى التقدم في السن، وكل هذه الأسباب قد تؤدي إلى تكسر في البصمة الوراثية، وأي تحول جيني مهما كان صغيراً يمكن أن يؤدي لأي شيء.

ويظل للجسد مستويات متعددة من الدفاعات الذاتية، حيث يمتلك آليات لإصلاح الجينات إضافة للتخلص ببساطة من الخلايا التي يصيبها ضرر ما، لكن إذا حدث تحول لخلية ما بصورة لا تغير من وظيفتها، فإن نفس هذا النظام داخل الجسد هو ما يعده للإصابة بالسرطان؛ فقد يحدث تغيير للخلية لا تلتفت إليه أنظمة المراقبة وربما تبدأ تلك الخلية في تأكيد قدراتها الكامنة بحثا شكل من أشكال الوجود أكثر استقلالية وأنانية.

وبما أن الجسد توجد به تريليونات من الخلايا، فإن طفرة أو تحول كهذا يمكن أن يحدث في وقت ما وفي عضو ما، أو بمعنى أدق احتمالات حدوثه كبيرة جدا.

هذا التفسير يشير إلى أن نظرية الطفرة الجسدية صحيحة، لكنها تفسر فقط البداية وما يحدث بعد ذلك هو ما يحتاج لتغيير نظرية التعامل معه؛ كلمة السر هنا يجب أن تقوم على دراسة وتقوية جهاز المناعة للتعامل مع الخلايا المارقة بصورة أكثر فاعلية.

تقول الدكتورة داكس إن أحدث مناطق البحث -علاج جهاز المناعة- تعتبر واعدة للغاية لأنها تعمل على تحفيز جهاز المناعة في الجسم على أن يعمل بصورة أفضل في التعرف على الهدف "الخلايا السرطانية"، "اضرب هذا الهدف وسوف تقضي على الحالات المتقدمة من السرطان".

والآن توصل الأطباء لتركيبات متعددة من العلاج تساعد على تحجيم السرطان لفترات أطول، لكن الباحثين أدركوا أخيراً أن السرطان أكثر عمقاً في آلية عمله مما كان أي شخص يتوقع، فهو ليس كتلة غبية من الخلايا ولا هو تحول جيني بسيط، بل هو هجوم منظم وقوي على الجسم.

تحميل المزيد