أخيراً بات رحيل بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي واقعاً، ولكن بعد كل التحذيرات من الفوضى بالنسبة للسياح الوافدين والمشكلات التي سوف تواجه المسافرين البريطانيين عن سفرهم إلى بقية أنحاء القارة الأوروبية، ما المواقف الفعلية التي سوف تواجه المسافرين بعد 31 يناير/كانون الثاني؟
يقول موقع شبكة CNN الأمريكية، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جاء بعد ثلاث سنوات ونصف من إجراء البلاد لاستفتاء أدخلها في هذا المسار ثم أعقبته مجموعة من المواعيد النهائية التي لم تلتزم بريطانيا بها، وفي كل مرة يحمل ذلك تهديداً بخروج بريطانيا "بلا صفقة"، السيناريو الذي أثار توقعات بحدوث نقص حاد في الإمدادات الطبية والطعام، فضلاً عن وجود طوابير طويلة على الحدود.
ما الذي سيتغير؟
بالرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير/كانون الثاني، سوف تظل جزءاً من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي بموجب شروط فترة التنفيذ أو الانتقال.
وسوف تستمر هذه الفترة حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2020، وعندها تأمل بريطانيا في التوصل إلى اتفاق تجاري جديد، وترتيبات أمنية وقوانين هجرة جديدة.
الفشل في التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى احتمال خروج بريطانيا "بلا صفقة" مجدداً. ولكن في الوقت الراهن، هذه المشكلة مؤجلة إلى يوم آخر.
في أبريل/نيسان 2019، أكد البرلمان الأوروبي موافقته على إمكانية سفر المواطنين البريطانيين بدون تأشيرة لإقامة قصيرة (90 يوماً خلال 180 يوماً) داخل حدود منطقة شنغن التي تغطي معظم دول أوروبا الغربية.
يقول توم جنكينز، الرئيس التنفيذي لجمعية السياحة الأوروبية: "وفقاً لوزارة الخارجية وشؤون الكومنولث، فإن الفترة الانتقالية، التي تبدأ من 1 فبراير/شباط، تعني أن السفر بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي سوف يظل كما هو حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2020. بإمكان مواطني بريطانيا مواصلة السفر إلى الاتحاد الأوروبي كما يفعلون الآن".
وأضاف: "لن يحتاج المواطن البريطاني إلى تأشيرة أو شرط صلاحية جواز السفر لمدة ستة أشهر أو تأكيد حجز تذكرة عودة".
ويتفق معه فرانك مار، رئيس قسم السفر والسياحة بشركة PRCA ومدير إدارة AM+A، شركة تسويق الرحلات السياحية البريطانية.
ويقول: "بناء على الاتفاقيات الحالية، نتوقع بقاء جزء كبير من الأمور كما هو، لن تتغير قدرة السائح البريطاني على الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي ما دام يتطلع إلى الإقامة في أوروبا مدة أقل من شهر".
ولأن بريطانيا والاتحاد الأوروبي لا يمكنهما، من الناحية القانونية، بدء المفاوضات حول العلاقات المستقبلية حتى شهر فبراير/شباط، من غير الواضح كيف سيكون وضع المسافرين بحلول عام 2021.
قالت بريتي باتيل، وزيرة الداخلية البريطانية، إنه مهما حدث، سوف تنتهي حرية انتقال مواطني الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، وكذلك قدرتهم على العمل بدون تأشيرة.
هناك خطط حالية لبريطانيا لأن تكون جزءاً من نظام المعلومات وتصاريح السفر الأوروبي (ETIAS) من العام المقبل (بالرغم من احتمالات عدم بقاء ذلك النظام قيد التنفيذ بحلول ذلك الوقت).
وعلى غرار الإعفاء من التأشيرة التي يتمتع به السياح البريطانيون عند سفرهم إلى الولايات المتحدة بموجب النظام الإلكتروني لترخيص السفر (ESTA)، سوف يتيح ذلك للمواطنين البريطانيين السفر إلى منطقة شنغن بدون تأشيرة، مع دفع 7 يورو (7.77 دولار أمريكي).
ويمكن شراء إعفاء من التأشيرة لمدة ثلاث سنوات عبر الإنترنت. ولكن انضمام بريطانيا إلى نظام المعلومات وتصاريح السفر الأوروبي يعتمد على تأكيد البرلمان البريطاني إمكانية سفر مواطني الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا في العطلات بدون تأشيرة باستخدام نظام إلكتروني مماثل.
لكن انتقال الأفراد بلا صعوبات قد ينتهي خلال 11 شهراً
يقول جوناثان سميث، من رابطة وكلاء السفر البريطانيين، إن البريطانيين كانوا يتقبلون تلك الفكرة عندما أجرت جمعية السفر بحثاً عمّا يعرفه الناس عن نظام ETIAS.
ويقول سميث: "معظم البريطانيين الذين تحدثنا إليهم كانوا سعداء بتلك الفكرة، طالما ليست باهظة التكلفة ولن تحتاج إلى إجراءات ورقية مطوَّلة".
الاستثناء الوحيد لنظام ETIAS هو جمهورية أيرلندا. منذ 1923، كانت منطقة السفر المشتركة تعني إمكانية انتقال من بريطانيا وإيرلندا بين البلدين دون تأشيرة.
ويقول نيال جيبونز، الرئيس التنفيذي لهيئة السياحة الإيرلندية: "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يغير أي شيء بخصوص سهولة وصول مواطني بريطانيا إلى أيرلندا أو دفء الترحيب الذي سيُستقبلون به".
ولكن عدم توصل بريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بنهاية عام 2020، وهو احتمال قائم بشدة، يعني أن انتقال الأفراد عبر القناة الإنجليزية بلا صعوبات قد ينتهي خلال 11 شهراً.
ويقول سميث: "من الأفضل أن نعود سريعاً إلى التواصل ومناقشة القضايا التي كنا نعمل عليها في المواعيد النهائية السابقة".
ويضيف موضحاً بعض التفاصيل الدقيقة لتلك القضايا: "نريد مناقشة هل نحتاج إلى أن تكون جوازات السفر ذات صلاحية ممتدة، وما التغييرات المنتظرة في قواعد قيادة المركبات، وماذا عن صلاحية بطاقات التأمين الصحي الأوروبية؟".
كيف ستبدو صالات المطارات والعبَّارات؟
يقول فران داونتون، الرئيس التنفيذي لشركة Tourism South East السياحية، التي تروّج لكون الإقليم الإنجليزي هو الأقرب جغرافيا للقارة الأوروبية: "في فترة الانتقال الأولى، لن يشهد المسافرون إلى بريطانيا وجنوب شرق إنجلترا تغيرات كثيرة، سوف يستمر عمل الرحلات الجوية بسلاسة، وسوف يستمر السياح الأوروبيون في السفر بموجب بطاقات الهوية الشخصية وسوف تسمح بوابات جوازات السفر الإلكترونية بدخول كل السياح الأوروبيين".
ولكن في حال التوصل إلى اتفاق حول العلاقة المستقبلية بنهاية العام، هناك احتمالات تشير إلى حاجة المسافرين عندئذ إلى استخدام خطوط مختلفة عند الوصول إلى المطارات أو بوابات العبَّارات، بها المزيد من نقاط التحقق.
وسوف يتسبب ذلك في طوابير طويلة وتأخير طويل، خاصة في المطارات المكتظة بالفعل مثل مطار هيثرو، مع مخاوف كبيرة بشأن انسيابية حركة المرور في الموانئ المزدحمة مثل ميناء دوفر في بريطانيا وكاليه في فرنسا. وقد تظهر مشكلات أيضاً بخصوص سفر المواطنين الأوروبيين إلى بريطانيا باستخدام بطاقات الهوية وليس جوازات السفر، قد لا يتمكنون من ذلك في العام المقبل.
ويقول تون جنكينز: "تكمن الصعوبة في أن دول الاتحاد الأوروبي لديها التزام ملزم بمعاملة الزوار من خارج الاتحاد الأوروبي أو المنطقة الاقتصادية الأوروبية بشكل مختلف".
ويضيف: "قد يؤدي إلى طوابير وتأخير على الحدود، لأنه لم تطوّر أي بلد حتى الآن قدرات كافية في إدارات الهجرة للتعامل مع إجراءات الفحص الكامل للمجموعات الكبيرة من الزوّار".
وأعربت كيلي كوك، مديرة الترفيه بشركة Advantage Travel Partnership، أكبر جمعية سفر بريطانية مستقلة، عن مخاوف مماثلة.
وقالت كيلي: "تحتاج الحكومة أيضاً إلى توضيح أنه مع انتهاء الاتفاقات لن تؤدي عمليات دخول الاتحاد الأوروبي بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى طوابير طويلة عند الوصول، لأن هذا من شأنه تراجع المسافرين وتفكيرهم مرة أخرى في السفر".
ماذا عن القيادة في الاتحاد الأوروبي؟
سوف يستمر التنقل بالسيارة من بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي عبر نفق القنال وعلى متن العبارة بنفس البساطة التي عليها الآن بعد 31 يناير/كانون الثاني، ولكن من المرجح أن يتغير ذلك في 2021.
هناك نصائح رسمية من الحكومة البريطانية تقول إن من يقودون سياراتهم من بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي قد يحتاجون إلى رخصة قيادة دولية، وقد تختلف الوثائق المطلوبة بناء على دولة الوجهة.
قد يحتاج السائقون أيضاً إلى "بطاقة خضراء" خاصة من شركة التأمين ووضع ملصق "GB" على مصد السيارة.
وقد تُحل تلك المشكلة خلال المفاوضات المقبلة، مع إمكانية وضع مجموعة أيسر من القواعد لقائدي السيارات البريطانيين تُطبق على مستوى الاتحاد الأوروبي.
هل تحتاج إلى تأمين سفر؟
سوف تظل بطاقة التأمين الصحي الأوروبية، التي تضمن لحاملها تأميناً صحياً مجانياً، صالحة خلال الفترة الانتقالية. ولكن مثل كل شيء آخر يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد يتغير ذلك في 2021.
وفقاً للتوجيهات البريطانية الرسمية: "بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد لا تصبح بطاقة التأمين الصحي الأوروبي صالحة للاستخدام".
بقاء بريطانيا جزءاً من نظام التأمين الصحي الأوروبي محل شك، مما يعني أن المسافرين البريطانيين سوف يحتاجون إلى سياسة تأمين شاملة لضمان حصولهم على الرعاية الصحية في حالات الطوارئ.
ولأن نظام التأمين الصحي الأوروبي يغطي الحالات المرضية الموجودة بالفعل، قد يجعل ذلك قضاء العطلات في أوروبا أعلى تكلفة لمن يعانون من أمراض مزمنة أو منذ فترة طويلة. ولكن رابطة شركات السياحة والسفر في بريطانيا (ABTA) تقول إنها سوف تقدم نفس التغطية الصحية".
وقالت الرابطة على موقعها الإلكتروني: "ننصح المسافرين دائماً بالتأكد من حصولهم على تأمين سفر ملائم، سواء كان لديهم بطاقة تأمين صحي أوروبي أو لا، لأن بطاقة التأمين الصحي الأوروبي لها قيود كذلك".
هل سترتفع فواتير المكالمات الهاتفية؟
منعت الاتفاقيات، التي دخلت حيز التنفيذ في 2017، فرض شركات المحمول رسوم تجوال على المواطنين الأوروبيين عند استخدام هواتفهم المحمولة في الاتحاد الأوروبي.
ولكن بالرغم من بقاء تلك الاتفاقيات حيز التنفيذ خلال الفترة الانتقالية، لا تتضح الصورة بعد لما ستكون عليه العلاقة المستقبلية لبريطانيا مع الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، وقد يكون لذلك أثر سلبي على المسافرين البريطانيين في 2021.
يقول جيمس لين من شركة Currensea، شركة بطاقات الدفع للسفر والرحلات: "على الأرجح سوف يُعاد فرض رسوم التجوال الهاتفية على المسافرين البريطانيين في أوروبا، لذا ننصح المسافرين بالتحقق جيداً من ذلك الأمر مع مقدمي الخدمات الهاتفية، لتجنب أي فواتير ضخمة غير متوقعة".
ولم تذكر أي شبكة في بريطانيا أي شيء عن إعادة فرض رسوم التجوال، ولكن غياب تشريع أوروبي ينظِّم العلاقة في 2021، يعني إمكانية فرض رسوم أعلى على المسافرين.
يقول الموقع الرسمي للحكومة البريطانية: "بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سوف ينتهي ضمان خدمات التجوال الهاتفية المجانية في أنحاء الاتحاد الأوروبي وأيسلندا وليختنشتاين والنرويج".
هل تعتبر بريطانيا رهاناً أرخص للمسافرين من الولايات المتحدة؟
منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، انخفضت قيمة الجنيه الإسترليني كثيراً أمام اليورو والدولار الأمريكي.
ولكن إعادة انتخاب رئيس الوزراء بوريس جونسون في ديسمبر/كانون الأول 2019، واحتمالية وجود حكومة مستقرة، خلق حالة من الانتعاش المؤقت. ولكن بمرور عام 2020، وتزايد حالة عدم اليقين بشأن المفاوضات والاتفاقيات المنتظرة قد يستمر ضعف وتهاوي العملة البريطانية.
ويقول جيمس لين: "على المدى القصير، نتوقع أن نرى انتعاشاً متواصلاً للجنيه الإسترليني، ولكن من المتوقع أن يستمر تذبذب سعر الصرف حتى تُصاغ اتفاقيات الانسحاب النهائية".
ويضيف: "بحلول عام 2021، هناك حالة كبيرة من عدم اليقين بخصوص قيمة الجنيه الإسترليني في ذلك الوقت. إذا قدمت بريطانيا الكثير من التنازلات في اتفاق الانسحاب سوف يُضعف ذلك من قيمة الجنيه الإسترليني، وسوف يجعل ذلك بريطانيا في محور تركيز السائحين الباحثين عن وجهة سفر أرخص في العطلات".
أي أن ضعف الجنيه الإسترليني يعني إمكانية ازدهار السياحة الداخلية في بريطانيا من دول خارج الاتحاد الأوروبي.
وتظهر أرقام الاستطلاع الدولي للركاب، الذي أجراه مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، أن السياح من الولايات المتحدة فقط أنفقوا 3.4 مليار إسترليني (4.4 مليار دولار) في بريطانيا بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2019، بإجمالي 3.5 مليون زائر خلال تلك الفترة.
وتتوقع هيئة السياحة البريطانية زيادة ما ينفقه السياح داخلياً بنسبة 9.1% في 2020، لتصل إلى 25 مليار إسترليني (32 مليار دولار)، مع وصول عدد السائحين إلى 38 مليون سائحاً.
يبدو أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوف يكون له تأثير سلبي جداً على قدرة المواطنين البريطانيين على السفر من بريطانيا، إلا أن ضعف الجنيه الإسترليني سوف يكون له تأثير إيجابي على قطاع السياحة في بريطانيا.
يقول داونتون: "تظل الولايات المتحدة أعلى دولة من حيث عدد السياح الذين يزورون بريطانيا من حيث عدد الزوّار ومجموع ما ينفقونه في البلاد، بالرغم من أن ذلك مدعوم بشكل كبير بضعف قيمة الجنيه الإسترليني".
ويضيف: "من المرجح أن يزداد عدد السائحين من الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة". ولكن بالنسبة للمسافرين البريطانيين، هناك مخاوف متزايدة بشأن ارتفاع أسعار رحلاتهم إلى أوروبا، خاصة بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
وتقول كيلي كوك: "من أهم الأولويات توضيح الرؤية بخصوص الحركة عبر الحدود عندما تبدأ شركات السياحة وضع مخططاتها لرحلات العطلات عام 2021". وتضيف: "نعلم حالياً أنه سيكون هناك تغيير، ولكن لا نعلم ماهية تلك التغييرات وكيف ستؤثر على الأسعار".