أصبح مما لا شك فيه أن الخطة الأمريكية المزعومة -المعروفة باسم "صفقة القرن" التي تدعو لإقامة دولة فلسطينية مزعومة دون أي تواصل جغرافي مع دول الجوار- ستحوّل الضفة الغربية إلى مجموعة من "السجون الكبيرة".
يقول الخبير في الاستيطان خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية بالقدس، للأناضول، إن منطقة الأغوار، التي تعتبر سلة الغذاء بالضفة الغربية، ستكون بكاملها تحت السيطرة الإسرائيلية.
كما أوضح أن الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية ستكون محاطة بالمستوطنات والشوارع الالتفافية (التي يسلكها المستوطنون). محذراً من أن إسرائيل "تسعى لتفريغ القدس من أهلها وجعل الفلسطينيين فيها أقلية".
أرخبيل تربطه أنفاق وجسور
تتضمن الخطة -التي رفضتها السلطة الفلسطينية وكافة فصائل المقاومة- إقامة دولة فلسطينية "متصلة" في صورة أرخبيل تربطه جسور وأنفاق، وجعل مدينة القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل.
يقول التفكجي: "إذا تم ضم أكثر من 40% من أراضي (ج) بالإضافة إلى المستوطنات الإسرائيلية، فهذا يعني على أرض الواقع تقطيع الضفة إلى كانتونات".
ووفق اتفاقية أوسلو الثانية 1995، تم تقسيم الضفة الغربية إلى 3 مناطق "أ" و"ب" و"ج":
- المنطقة "أ" تمثل 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنياً وإدارياً.
- أما المنطقة "ب" فتمثل 21% من مساحة الضفة وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية.
- وأخيراً فإن المنطقة "ج" التي تمثل 61% من مساحة الضفة تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية.
لا اقتصاد ولا استثمار فلسطينياً مستقلاً
حسب هذه المعطيات، فإن أي دولة فلسطينية ستقام، لن يكون لها أي تواصل جغرافي حتى مع دول الجوار، وبحسب التفكجي فإن منطقة الأغوار التي تشكل 27% من مساحة الضفة الغربية، وتعد السلة الغذائية للضفة، ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية.
كما تسمح الخطة لإسرائيل بضم ما بين 30 و40% من أراضي المنطقة "ج"، والتي تشكّل 61% من مساحة الضفة، وتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية كاملة، ما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.
وبناءً على ذلك، فإن الاقتصاد الفلسطيني (المستقل) والاستثمار في أراضي الضفة "لن يكون لهما وجود، فكل شيء سيكون تحت السيطرة الإسرائيلية".
أما ما تبقى من أراضي (ج) بحسب الصفقة، وهو ما نسبته 20-30%، فسيكون لتوسيع بعض المناطق غير الحيوية وغير ذات أهمية أمنية أو اقتصادية لإسرائيل، ويمكن من خلالها توسيع مخططات المدن الفلسطينية، يضيف التفكجي.
الدولة الفلسطينية أصبحت هباءً منثوراً
بالنسبة للأماكن المقدسة ستكون تماماً تحت السيطرة الإسرائيلية، فالدخول والخروج منها بإذن إسرائيل، تسمح لمن تشاء وتمنع من تشاء، أما الدولة الفلسطينية بمفهوم القدس الشرقية العاصمة، وفقاً للقرارات الدولية، فأصبحت هباءً منثوراً.
وفي معرض حديثه عن مستقبل تلك المناطق الثلاث يقول الخبير الفلسطيني: "إسرائيل تدخل مناطق (أ) دائماً، تعتقل وتهدم وتفعل ما تريد، فتقسيمات أوسلو غير موجودة إلا على الخرائط".
أما الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية فستكون محاطة بإسرائيل، وبنفس الوقت تستطيع إسرائيل أن تغلق أي منطقة بكل سهولة لأنها تمسك بالمناطق الاستراتيجية في الضفة الغربية.
وعند الحديث عن هذه المناطق، فنحن نتحدث عن السيطرة الإسرائيلية على الاقتصاد فيها، فهي تسيطر على المياه والذهب الأبيض الفلسطيني، وهو المحاجر، وسلة الغذاء الفلسطيني (منطقة الأغوار)، والموجودون في هذه المناطق عليهم العمل إما داخل إسرائيل أو الهجرة نحو الخارج، لأن الاقتصاد الوطني بمفهومه الصحيح غير موجود على الإطلاق.
ويشير التفكجي إلى أن لدى إسرائيل "برنامجاً واضحاً تماماً، فالأحزاب الإسرائيلية سواء اليمين أو اليسار وغيرهم، يتفقون على نقطتين أساسيتين: أولاً، دولة فلسطينية تقام في الأردن، وثانياً، القدس ليست عاصمة إلا لدولة واحدة وهي الدولة العبرية".
مخططات استيطانية قديمة
الأطماع الإسرائيلية في السيطرة على أراضي الضفة واستكمال ضمّها، ليست وليدة اللحظة كما يشير التفكجي.
عام 1979 كان هناك برنامج لمليون مستوطن في الضفة الغربية، وعام 1983 وضع برنامج للشوارع الالتفافية (الاستيطانية)، وهذا البرنامج لا يقضي بإقامة دولة فلسطينية، فالدولة الفلسطينية هي بمكان آخر، ليست بالضفة الغربية، بل في الأردن، وبالتالي الصورة التي نشاهدها اليوم هي عبارة عن مجموعة تجمعات فلسطينية مرتبطة مع بعضها البعض عن طريق الأنفاق أو الجسور.
ويمضي بالقول: "الضفة الغربية بالنسبة لإسرائيل عبارة عن سجون كبيرة محاطة بإسرائيل، تستطيع أن تغلقها متى تشاء، والنمو السكاني فيها لن يكون إلى الأبد، بل على العكس تماماً، فأي فائض سكاني سيتم تهجيره بطريقة غير مرئية للخارج".
إسرائيل تريد دولة يهودية عبرية نقية، وأي تهجير سكاني للفلسطينيين من الضفة سيتم بهذا الإطار، لكن دون إعلان.
الممر الآمن بين الضفة وغزة
تطرح الصفقة المزعومة مدّ نفق بين غزة والضفة الغربية كممر آمن. إلا أن هذا البند، بحسب الخبير بالاستيطان، لن يلقى قبولاً إسرائيلياً بالدرجة الأولى.
في السابق كان هناك حديث إسرائيلي عن الربط بين غزة والضفة عبر جسر فوقي، والآن يتم الحديث عن مدّ نفق بينهما، لكن إسرائيل لا تريد أياً منهما، ولن تقيم نفقاً ولا جسراً للربط بين الضفة والقطاع، لأنها غير معنية بالتواصل الجغرافي بينهما، إذ سيكون هناك رفض إسرائيلي بذرائع وحجج أمنية.
دولة دون تحالفات، ما الحل إذاً؟
ووفق ما تطرح صفقة القرن المزعومة، فلن يكون بمقدور الدولة الفلسطينية المقبلة عقد أي تحالفات، وهذا سيبقي مواردها محدودة، في حين تسيطر إسرائيل على غالبية الموارد.
لذلك يرى التفكجي أن البديل أمام السلطة الفلسطينية هو "حلّ السلطة الفلسطينية".
يقول: "الحل هو تسليم مفاتيح الضفة للاحتلال ووضعنا تحت الوصاية الدولية، لأننا وصلنا لمرحلة أن ما سيحصل بالمستقبل هو تضييع لجميع حقوقنا التاريخية أو الاجتماعية أو الاقتصادية".
مشيراً إلى أن ردات الفعل الفلسطينية على الصفقة المزعومة، لا يكون من خلال وقفة احتجاجية على ميدان المنارة وسط رام الله، بل من خلال تسليم السلطة للجانب الإسرائيلي وعودة الإدارة المدنية الإسرائيلية كما كانت، قبل تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994.
القدس والصفقة المزعومة
تزعم الصفقة أن "القدس لن تقسّم بتاتاً، ويمكن للفلسطينيين المشاركة في إدارة الأماكن المقدسة، وكل ما هو خارج الجدار في القدس، يمكن للفلسطينيين ضمّه إلى دولتهم وإعلان عاصمتهم في أي جزء من هذه المنطقة، ويمكن اقتراح بلدة شعفاط كمكان لهذه العاصمة".
وتعقيباً على ذلك يقول التفكجي: "بالسابق، كانوا يطرحون بلدة أبوديس، عاصمة بديلة للفلسطينيين، وبعدها تحدثوا عن بلدة بيت حنينا، واليوم عن شعفاط وهي بلدات محيطة بالقدس".
وقال: "هم يتكلمون عن التخلص من 200 ألف فلسطيني في القدس، بحيث يبقى ما نسبته 12% فلسطينيين و88% يهود".
أما عن الحقوق الدينية، فيقول: "منع إسرائيل لخطيب المسجد الأقصى عكرمة صبري من دخول الأقصى لأربعة شهور يدل على أنه لن يكون هناك خطوط حمراء أمام طرد أي شخص، كما أن دخول الفلسطينيين للقدس سيبقى تحت سيطرة الاحتلال وبتصاريح خاصة".
المحميات الطبيعية
صادقت إسرائيل مؤخراً على إقامة 7 محميات طبيعية في الضفة الغربية، وتوسيع 12 محمية قائمة تقع بالمنطقة "ج".
وفيما إذا كان ذلك في إطار تنفيذ صفقة القرن المزعومة، يقول الخبير بالاستيطان: "المحميات الطبيعية هي جزء من السيطرة على الأرض، هناك نصف مليون دونم من الأراضي محميات طبيعية، والإعلان عن هذه المحميات ليس الأول، ففي عام 1975 تم الإعلان عن 12 ألف دونم محميات طبيعية".
خطورة الإعلان عن المحميات الطبيعية أنها لا تندرج ضمن مفهوم الضم بالنسبة للجهات الدولية، بحسب قوله.
ويتابع: "يمنع النمو الطبيعي للسكان بالمحميات، ولا يستطيع أي فلسطيني أن يبني حجراً فيها كونها محميةً طبيعية، لكن من الممكن أن تتحول فيما بعد لمستعمرات إسرائيلية كما حدث في منطقة جبل أبوغنيم بالقدس في السابق".