يتقرب الفلسطينيون والإسرائيليون ودول الشرق الأوسط إعلان الرئيس الأمريكي عن صفقة القرن المثيرة للجدل، مساء الثلاثاء 28 يناير/ كانون الثاني 2020، حيث تظاهر آلاف الفلسطينيين الغاضبين، الثلاثاء احتجاجاً على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام الإسرائيلية- الفلسطينية، التي أطلق ترامب عليها اسم "صفقة القرن"، قبل ساعات من الموعد المقرر للإعلان عنها خلال مراسم في واشنطن. وفي الوقت الذي رحّب فيه زعماء إسرائيليون بالخطة رفضها قادة فلسطينيون، حتى قبل الإعلان الرسمي عنها، قائلين إن إدارة ترامب منحازة لإسرائيل.
يأتي ذلك في ظل حالة تأهب كبيرة في إسرائيل والأراضي المحتلة، إذ عزّز جنود إسرائيليون مواقع بؤر ساخنة بين المناطق الفلسطينية والمستوطنات، في الضفة الغربية المحتلة. في حين ذكر متحدث عسكري إسرائيلي أنه جرى إرسال جنود لتعزيز غور الأردن، وهي منطقة تعهَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بضم جزء منها.
لماذا يريد ترامب إحياء الخطة الآن؟
يريد ترامب ونتنياهو صرف الأنظار عن مشاكلهما الداخلية. فترامب يواجه محاكمة في مجلس الشيوخ في إطار مساءلته، بينما وُجهت لنتنياهو تهم فساد، في نوفمبر/تشرين الثاني، وينفي الرجلان ارتكاب أي مخالفات.
وكلاهما مقبل على انتخابات: نتنياهو في مارس/آذار، وترامب في نوفمبر/تشرين الثاني. وفشل نتنياهو مرتين في الحصول على أغلبية في الكنيست الإسرائيلي بعد جولتي انتخابات العام الماضي.
كما أرجأ ترامب مراراً طرح خطته لتجنّب إثارة أي مشاكل انتخابية لنتنياهو، إذ إنها قد تتطلب بعض التنازلات من إسرائيل.
كما يواجه هو نفسه أزمة سياسية، وقد لا يستطيع الانتظار لشهور حتى تقرر إسرائيل من هو رئيس وزرائها المقبل، وفقاً لما قاله مصدر مطلع على فكر فريق خطة السلام.
ماذا نعرف عن الخطة حتى الآن؟
يقع الاقتراح في عشرات الصفحات، لكن لم يتم الكشف عن الكثير من محتوياته. وتخشى مصادر فلسطينية وعربية جرى إطلاعها على مسودة الخطة، أن يكون الهدف منها رشوة الفلسطينيين لقبول الاحتلال الإسرائيلي، تمهيداً لأن تضم إسرائيل نحو نصف الضفة الغربية، بما في ذلك غور الأردن، القطاع الاستراتيجي الشرقي الخصيب في الضفة الغربية.
يقول الفلسطينيون إن غور الأردن، أي ما يقرب من 30% من الضفة الغربية، سيكون جزءاً حيوياً من دولتهم في المستقبل، بوصفه يمثل سلة الخبز للضفة الغربية وحدودها مع الأردن.
ودشّن جاريد كوشنر، صهر ترامب والمهندس الرئيسي للخطة، المرحلة الأولى من مقترح السلام في مؤتمر اقتصادي في البحرين، في يونيو/حزيران الماضي. ودعا هذا الشق إلى إنشاء صندوق استثماري بقيمة 50 مليار دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني واقتصادات دول الجوار العربية.
ما هي فرص نجاح الخطة؟
انهارت آخر محادثات سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في عام 2014. وتشمل العقبات توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وانعدام الثقة بين الجانبين على مدى عقود.
شهد العقدان الأخيران أيضاً صعود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى السلطة في قطاع غزة. ويدعو ميثاق تأسيس حركة حماس إلى تدمير إسرائيل وهي في خضم صراع مستمر منذ عقود على السلطة مع سلطة رام الله، المدعومة من الغرب برئاسة محمود عباس.
من وجهة النظر الدولية، فإن حل الدولتين، هو الصيغة المطروحة منذ فترة طويلة لإحلال السلام من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة، جنباً إلى جنب مع إسرائيل. كما تؤيد الأمم المتحدة ومعظم دول العالم حل الدولتين، الذي بات ركناً أساسياً في أي خطة سلام منذ عقود.
لكن إدارة ترامب رفضت دعم حل الدولتين. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، خالفت سياسة أمريكية مطبقة منذ عقود، عندما أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر مستوطنات إسرائيل على أراضي الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي.
في حين ينظر الفلسطينيون والمجتمع الدولي إلى المستوطنات على أنها غير قانونية بموجب القانون الدولي.
هل يمكن للولايات المتحدة أن تكون وسيطا نزيها؟
قبِل نتنياهو بكل سرور دعوة ترامب لزيارة واشنطن، وقال عشية الكشف عن الخطة "صفقة القرن هي فرصة القرن، ولن ندعها تفلت منا".
في الوقت نفسه، زار منافسه الرئيسي على مسرح السياسة في إسرائيل، الجنرال السابق بيني غانتس، واشنطن، لبحث الخطة مع ترامب، ووصفها بأنها "مهمة وعلامة تاريخية". ويسعى الاثنان لتحقيق أقصى استفادة سياسية ممكنة قبل الانتخابات التي تجري في الثاني من مارس/آذار، ويسعى فيها غانتس للإطاحة بنتنياهو من رئاسة الحكومة.
لكن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قال إن الخطة الأمريكية "ما هي إلا خطة لتصفية القضية الفلسطينية، ونحن نرفضها". وقالت القيادة الفلسطينية إنه لم يعد من الممكن اعتبار واشنطن وسيطاً في أي محادثات سلام مع إسرائيل، بعد سلسلة من القرارات أصدرها ترامب أسعدت إسرائيل وأغضبت الفلسطينيين.
يتضمن ذلك قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والتوقف عن تقديم مساعدات إنسانية بمئات الدولارات للفلسطينيين.
وينظر إلى هذه التخفيضات في المساعدات على نطاق واسع على أنها وسيلة للضغط على القيادة الفلسطينية، للعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن ذلك فشل حتى الآن.
كيف سيتعامل الفلسطينيون مع الوضع الجديد إذا ما فرض عليهم؟
يخشى الفلسطينيون أن تبدد الخطة آمالهم في إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية وغزة والقدس، بالسماح لإسرائيل بضم مساحات كبيرة من الأراضي.
يقول حسام زملط، رئيس البعثة الفلسطينية إلى بريطانيا لرويترز، إن خطة ترامب للسلام مجرد "مسرحية سياسية.. هذه ليست صفقة سلام. هذا تحويل لشعب فلسطين وأرض فلسطين إلى بانونستان أخرى". وكان يشير إلى مناطق مستقلة كان يعيش فيها السود إبان فترة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
أضاف زملط أن "28 يناير/كانو الثاني 2020 سيمثل ختم القبول الرسمي من الولايات المتحدة لنظام فصل عنصري متكامل تطبقه إسرائيل".
ودعت القيادة الفلسطينية حركة حماس وكافة الفصائل للمشاركة في اجتماع، الثلاثاء، لمناقشة صفقة القرن، حيث أعلنت حماس أن "صفقة القرن" تستدعي الإعلان عن "النفير العام"، معتبرة أن الخطة الأمريكية بمثابة "نكبة جديدة" بحق الشعب الفلسطيني.
في حين أعلنت حركة فتح أنها "تعتبر نفسها في حالة استنفار كامل، وعلى مستوى أطرها كافة، لمواجهة هذا التحدي المفروض علينا، وتدعو أشقاءها بكافة القوى الوطنية والإسلامية للالتقاء معها على أرضية الثوابت الوطنية، والتمسك بالحقوق الوطنية كاملة، كما كفلتها الشرعية الدولية وقراراتها، وهذا وقت التعالي على أي اختلاف ثانوي داخلي أمام استهداف شعبنا وحقوقه وتمثيله وإنهاء الانقسام".