مرة أخرى، يواجه الرئيس دونالد ترامب أسئلة حول علاقته بمحمد بن سلمان بعد اتهام ولي العهد السعودي بالتجسس على هاتف رئيس شركة أمازون جيف بيزوس. هذا الاختراق المزعوم لهاتف بيزوس -أغنى رجل في العالم ومالك لصحيفة Washington Post- يخلق صداعاً جديداً للسياسة الخارجية لترامب، والذي كانت استراتيجيته في الشرق الأوسط تعتمد إلى حد كبير على تنمية العلاقات الوثيقة مع الزعيم السعودي، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
هل تتحرك واشنطن الآن؟
لقد ابتعد ترامب عن المواجهة المباشرة مع الأمير محمد بن سلمان من قبل، ورفض علناً ما خلصت إليه وكالة الاستخبارات المركزية بأنه أمر بقتل جمال خاشقجي، رغم الغضب الشعبي الواسع النطاق. وحتى الآن، هناك القليل من الدلائل على أن الولايات المتحدة سوف تتحرك لمعاقبة السعودية على الاختراق المزعوم لهاتف الرئيس التنفيذي لواحدة من كبرى الشركات الأمريكية.
في الوقت نفسه، لم يخف ترامب خصومته تجاه بيزوس. لقد استهدف ترامب مراراً وتكراراً بيزوس بسبب انتقاد الصحيفة التي يملكها لإدارة ترامب، كما رفعت شركة أمازون دعوى قضائية ضد الحكومة، مدعية أنها حُرمت من عقد كبير مع البنتاغون لأن ترامب يعتبر بيزوس "عدواً سياسياً". ورفضت أمازون التعليق على هذه القصة.
في حين، نفى المسؤولون السعوديون تورطهم في قضية التجسس هذه. وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن "فكرة اختراق ولي العهد لهاتف جيف بيزوس سخيفة للغاية".
"السعودية حليف مهم"
من جانبه قال المتحدث باسم البيت الأبيض هوجان جيدلي إن المسؤولين الأمريكيين "يأخذون هذه المواقف على محمل الجد بشكل واضح"، لكنه شدد على أن "السعودية حليف مهم". ورفض وزير الخزانة ستيفن منوشين مناقشة عملية الاختراق في مقابلة مع قناة CNBC يوم الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2020، لكنه قال إنه يتعين على الشركات الأمريكية "بشكل مطلق" مواصلة العمل مع السعودية.
وقال منوشين: "لدينا الكثير من الأعمال التجارية مع السعودية. إنهم عنصر كبير بشكل واضح لتوفير الطاقة. ولدينا أيضاً علاقة دفاعية مهمة مع السعودية. وهذا لن يتغير بناءً على مقال واحد في الصحيفة".
تقول وكالة بلومبيرغ، إن إحجام إدارة ترامب عن الإدانة العلنية لعملية الاختراق الظاهرة يمكن أن يكون مدفوعاً جزئياً بعدم وجود معلومات استخباراتية مباشرة. تجدر الإشارة إلى أن التحليل الشرعي الذي وجد حملة اختراقات لمدة شهور ضد هاتف بيزوس قد أُجري بواسطة محققين عينهم بيزوس نفسه. ودعا اثنان من خبراء الأمم المتحدة الذين شاهدوا النتائج -التي تشير إلى أن هاتف بيزوس جرى اختراقه بعد تلقيه ملف فيديو مرسل من حساب واتساب خاص بالأمير محمد بن سلمان في عام 2018- إلى إجراء تحقيق، على الرغم من أن الحكومة الأمريكية لم تقم بذلك.
حاول الأمير فيصل التقليل من شأن النتائج، قائلاً إن التحليل الذي أجرته شركة خاصة لم يُفحص بشكل مستقل ولم يقدم "دليلاً دامغاً على صحة الادعاءات التي يقدمها".
وسابقاً نفى الأمير محمد أيضاً أن يكون قد أمر بقتل خاشقجي، قائلاً في مقابلة مع برنامج 60 Minutes الأمريكي إنه لن يستثني أحداً عند محاكمة المسؤولين عن وفاة الصحفي جمال خاشقجي. وكانت محكمة سعودية قضت بحكم الإعدام على خمسة أشخاص وعلى ثلاثة آخرين بالسجن فيما يتعلق بعملية القتل دون تحديد هوياتهم.
البيت الأبيض يفضل الصمت والابتعاد
يبدو أن البيت الأبيض حريص على الابتعاد عن القصة التي تمس المسائل الأخلاقية والسياسية والتي طاردت ترامب طوال فترة رئاسته.
الديمقراطيون بالكونغرس قالوا إن محامياً لجاريد كوشنر أقر بأن صهر ترامب وكبير مستشاريه قد استخدم حساب واتساب للتواصل مع الزعماء الأجانب. وذكرت شبكة CNN أن هذه المحادثات شملت رسائل مع الأمير محمد، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان كوشنر أو غيره من المسؤولين الأمريكيين يمكن أن يكونوا أيضاً ضحايا للاختراق، مما يعرض المواد السرية للخطر.
قد يلحق ذلك ضرراً خاصاً بترامب، الذي انتقد بانتظام وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون لاستخدامها خادم بريد إلكتروني خاص خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016. ورفض البيت الأبيض الرد على طلبات التعليق حول استخدام كوشنر لتطبيق واتساب.
لكن اختراق هاتف بيزوس يسلط الضوء على العلاقة الأمريكية السعودية الأوسع، التي خلقت سلسلة من الخلافات في السياسة الخارجية لرئيس أمريكي صور نفسه كمفاوض ناجح بشكل فريد وبطل الانسحاب من النزاعات الدائمة في الشرق الأوسط.
ترامب يستعد لخطوات أوثق مع السعودية
على الرغم من الصخب على مقتل خاشقجي، استمرت الولايات المتحدة في تقديم المساعدات العسكرية للسعودية لتدخلها العسكري في اليمن – على الرغم من أن الأمم المتحدة خلصت إلى أن الغارات الجوية السعودية تسببت في خسائر بشرية كبيرة وفاقمت الأزمة الإنسانية هناك.
في هذه الأثناء، تسبب أمر ترامب بقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني -وهي الخطوة التي جاءت بعد هجوم شنه الحوثيون باستخدام طائرة بدون طيار على منشأة لتجهيز النفط تابعة لشركة أرامكو السعودية- في تصاعد التوتر في المنطقة.
أرسل البنتاغون حوالي 3000 جندي -بما في ذلك سربان مقاتلان إضافيان وأفراد دعم- إلى السعودية بعد هجمات الطائرات بدون طيار. وسط انتقادات بأنه يضيف قوات على الرغم من تعهده بالانسحاب من المنطقة، زعم ترامب بشكل خاطئ في مقابلة مع قناة فوكس نيوز أن السعودية "أودعت بالفعل مليار دولار في البنك" في مقابل نشر القوات.
"أفعالهم تخبرنا"
وقال نيد برايس، وهو محلل استخباراتي سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية ومتحدث باسم مجلس الأمن القومي للرئيس باراك أوباما، إن استجابة إدارة ترامب لاختراق هاتف بيزوس كانت مجرد استمرار لسياسة الصمت العام مع التقرب أكثر من الرياض في أعقاب مقتل خاشقجي.
وقال برايس: "هذه المرة هي عملية قرصنة إلكترونية، والاستجابة هي نفسها. لم نسمع شيئاً عن نسب الاختراق للسعودية أو حتى الإدانة، وأفعالهم تُخبرنا".
أشار برايس إلى أن إدارة أوباما كانت تدين علانية الحوادث التي تثير الرأي العام عندما كانت المعلومات الاستخباراتية تشير بوضوح إلى الجاني، مثل التدخل الروسي في انتخابات عام 2016 الرئاسية، وإسقاط رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 من قبل الانفصاليين المدعومين من روسيا في أوكرانيا، أو اختراق كوريا الشمالية لرسائل البريد الإلكتروني والمستندات الخاصة بشركة Sony Pictures. وفرضت إدارة أوباما عقوبات اقتصادية إضافية رداً على الاختراق الكوري الشمالي لشركة Sony، وهي شركة خاصة.
من المرجح أن تتلقى استجابة إدارة ترامب لحادث بيزوس مزيداً من التدقيق نظراً للمعركة القانونية المستمرة بشأن مزاعم أمازون بأن الحكومة الفيدرالية عاملت الشركة بشكل غير عادل بسبب عداء ترامب الشخصي تجاه بيزوس بسبب مقالات الصحيفة التي يملكها.
في وقت سابق من يوم الخميس 23 يناير/كانون الثاني 2020، طلبت أمازون من محكمة فيدرالية أن تمنع شركة Microsoft Corp مؤقتاً من العمل على عقد سحابي للبنتاغون بقيمة 10 مليارات دولار. في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، زعمت الشركة أن عداوة ترامب لبيزوس تسببت في أن يستبعد البنتاغون عرض أمازون الخاص بعقد برنامج البنية التحتية المشتركة للمؤسسات الدفاعية، أو JEDI.