قال الرئيس ترامب، يوم الخميس 23 يناير/كانون الثاني، إنه سيعلن عن خطته للسلام في الشرق الأوسط (صفقة القرن) والتي طال انتظارها، خلال أيام، ودعا رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسه، قائد الجيش السابق بيني غانتس، إلى البيت الأبيض الأسبوع المقبل؛ لمناقشة الصفقة، التي يصفها محللون إسرائيليون بـ"أنها فرصة لا تتكرر إلا كل ألف عام".
ما المتوقع من هذه الزيارة؟
صحيفة The New York Times الأمريكية ترى أنه لا يُتوقَّع أن تُحدث الخطة أو الزيارة أي تقدُّم في عملية السلام، ولكن هذه المناسبة تَعِد بأن تكون مشهداً سريالياً.
وإذا ما سارت الأمور وفقاً للخطة، فإن ترامب، الذي يحاكَم في مجلس الشيوخ بتهمة إساءة استخدام السلطة، سيستضيف نتنياهو، الذي وُجهت إليه اتهامات ضخمة بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة، ومنافسه غانتس، الذي لا يشغل أي منصب حكومي، والحجة الرئيسية التي يسوّقها لإسقاط نتنياهو هي أنه لم توجَّه إليه أي اتهامات على نقيض رئيس الوزراء الإسرائيلي.
من يشمل هذا الاجتماع؟
سيأخذ هذا الاجتماع الرجلين بعيداً عن إسرائيل، في اليوم الذي من المقرر أن يبدأ فيه برلمانها مناقشة مسألة منح نتنياهو الحصانة.
ولا يشمل الاجتماع أي ممثلين عن الجانب الآخر من الصراع، الفلسطينيين، الذين رفضوا التعامل مع إدارة يرون أنها منحازة على نحوٍ ميؤوس منه إلى إسرائيل.
أما خطة السلام نفسها، فقد جدد المسؤولون الفلسطينيون، الخميس، تأكيد موقفهم المتمثل في أنهم سيعاملون أي خطة أمريكية باعتبارها مرفوضة حتى قبل إعلانها.
المحلل السياسي مايكل ج. كوبلو، المؤيد لحل الدولتين، يقول في منتدى السياسة الإسرائيلية: "هذا جنون! في الحقيقة لا توجد كلمة أخرى لوصف ذلك".
وحتى ترامب اعترف بغرابة الموقف. وقال للصحفيين وهو على متن الطائرة الرئاسية خلال رحلة عودته من المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا: "لدينا مرشحان قادمان، وهو أمر غريب".
ما تفاصيل الخطة التي سيعرضها ترامب؟
بدأت وسائل الإعلام الإخبارية الإسرائيلية تناقُل تسريبات متفاوتة لما وُصف بأنها الشروط الدقيقة لاتفاق السلام الأمريكي، وهي بنود خطيرة، ما كان لحكومة إسرائيل اليمينية أن تأتي بأفضل منها على الإطلاق، كما تقول "نيويورك تايمز".
فقد ذكرت التقارير الإعلامية على سبيل المثال أن إسرائيل:
- سوف تتمكن من ضم وادي الأردن ذي الأهمية الاستراتيجية، وجعله الحدود الشرقية الجديدة للبلاد مع الأردن.
- ستتمتع إسرائيل بسيادة على جميع المستوطنات اليهودية تقريباً الموجودة في الضفة الغربية، وضمن ذلك بالمناطق المعزولة.
- ستكون القدس تحت السيطرة الإسرائيلية، وضمن ذلك الجزء الشرقي من المدينة، الذي تقول السلطة الفلسطينية إنه سيكون عاصمة الدولة المستقبلية.
- قالت التقارير إن الشروط المسبقة لدولة فلسطينية هي: "تجريد غزة من السلاح، ونزع سلاح حركة حماس، ووقف تمويل الإرهاب، والاعتراف بإسرائيل بوصفها دولة يهودية، عاصمتها القدس".
وفي البداية، حذَّر ترامب في تغريدة، قائلاً: "التقارير المتداولة حول تفاصيل وتوقيت خطة السلام السرية للغاية محض تكهنات". لكنه أخبر المراسلين الذين كانوا على متن الطائرة الرئاسية، في وقت لاحق، بأنه يتوقع نشر تفاصيل الخطة "في وقت ما قبل" اجتماع الثلاثاء.
ما ردُّ فعل الفلسطينيين على ذلك؟
كانت التسريبات وحدها كافية للفلسطينيين للتعبير عن غضبهم الشديد. يقول حسام زملط، وهو دبلوماسي كبير ومستشار للرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن الخطوة الأخيرة من واشنطن "تجدد فقط تأكيدنا الرفض المطلق لما فعلته الإدارة الأمريكية حتى الآن، خاصةً الاعتراف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وغيرها من القرارات التي تنتهك القانون الدولي".
في حين حذَّر باسم نعيم، المسؤول بحركة حماس ووزير الصحة السابق في غزة، صراحة على تويتر، من أن "الفلسطينيين سيعرقلون تنفيذ الخطة، مهما كان الثمن. سيؤدي ذلك إلى انتفاضة جديدة".
وقال ترامب إنه يعتقد أن الخطة قد تنجح، وإنه تحدث إلى الفلسطينيين "فترة وجيزة". وأضاف: "لديهم حوافز كثيرة لقبول الخطة. أنا على يقين بأن ردود فعلهم قد تكون سلبية في البداية، إلا أن الخطة في الواقع إيجابية للغاية بالنسبة لهم".
كيف ينظر الإسرائيليون إلى كل ذلك؟
في إسرائيل، رأى عديد من المحللين أن دعوة ترامب إلى الاجتماع مناورة بارعة دبَّرها المخضرم نتنياهو، الذي يفتخر بعلاقاته الوثيقة بإدارة ترامب، للإيقاع بغانتس الأقل خبرة من الناحية السياسية.
وهذا لسبب واحد، فمن المرجح أن يحول الاجتماعُ اتجاهَ الحديث، قبيل الانتخابات في إسرائيل، عن لائحة اتهام نتنياهو في ثلاث قضايا فساد، ويمكن أن يؤخر أو حتى يفسد ضغوط غانتس على البرلمان الإسرائيلي للتعامل بسرعة مع طلب نتنياهو الحصول على الحصانة من الملاحقة القضائية.
وكان حزب "أزرق-أبيض"، الذي يرأسه غانتس، قد قرر إجراء تصويت يوم الثلاثاء، لتشكيل لجنة بمجلس النواب للبدء في مناقشة الطلب. وقد حاول نتنياهو دفع العملية إلى ما بعد انتخابات 2 مارس/آذار، لأنه ليست لديه أغلبية تدعم مساعيه للحصول على الحصانة في البرلمان الحالي.
ويمكن أن تمضي عملية الحصانة قدماً على أي حال، لكن نتنياهو يستفيد من كل يوم تتأخر فيه. والأهم من ذلك، إذا طرح ترامب خطته للسلام، أو أجزاء منها، يوم الثلاثاء، يمكن حينها وضع غانتس في موقف حرج.
كيف سيستفيد نتنياهو من تحرُّك ترامب؟
يقول كوبلو إن نتنياهو، الذي يتقن الإقناع السياسي على نحوٍ لا مثيل له، يمكن أن يصور اقتراح ترامب بأنه "فرصة لمرة واحدة في العمر"، مستغلاً ذلك لـ "ترهيب" غانتس من أجل الموافقة على الدخول في حكومة وحدة معه مع احتفاظه برئاسة الوزراء.
وقال شالوم ليبنر، المستشار السابق لسبعة رؤساء وزراء إسرائيليين: "إذا كانت الخطة لخير إسرائيل مثلما يتوقع الجميع ويخرج غانتس ضدها، فإن ذلك سيضيّع عليه فرصة أن يحظى بشعبية في إسرائيل، وسيحرق جسوره مع البيت الأبيض".
وأضاف ليبنر أنه إذا وقَّع غانتس على الخطة، فسوف ينتهي به الأمر إلى لعب "دورٍ أقل من الثانوي تحت تصرُّف نتنياهو". وإذا وافق ترامب على أن تضم إسرائيل أراضي الضفة الغربية، فسيواجه غانتس عقبة كبيرة.
لقد قطع نتنياهو تعهداً أحادي الجانب، بالفعل، بضم وادي الأردن، وهو قطاع استراتيجي من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل على طول الحدود مع الأردن. وستكون هذه خطوة مثيرة للجدل، لكنها ستحظى بشعبية في إسرائيل.
وتعهد غانتس، الثلاثاء 21 يناير/كانون الثاني، بأن يضم هو أيضاً وادي الأردن، ولكن فقط بالتنسيق مع المجتمع الدولي، وهو ما لا يرجح أن يحدث قريباً في غياب اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني.
وقال أيضاً إن نتنياهو مخادع، ودعاه إلى التحلي بالجرأة والمضي قدماً في عملية الضم فوراً؛ لإثبات أنها ليست مجرد دعاية انتخابية.
ماذا يعني ضم "وادي الأردن" لترامب ونتنياهو؟
تقول "نيويورك تايمز"، إن الضوء الأخضر من ترامب لعملية الضم سيجعل من الصعب أن يتراجع عنها نتنياهو، أو أن يعارضها غانتس.
في الوقت نفسه، فإن خطة تطالب إسرائيل بتقديم أي تنازلات قد تمثل إشكالية لنتنياهو، الذي يعتمد على دعم شركاء الائتلاف.
لقد قدَّم ترامب، مراراً وتكراراً، المساعدات لنتنياهو، على سبيل المثال، بنقله السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. وقال محللون إسرائيليون وأمريكيون إنه بدا أنه يفعل ذلك مرة أخرى، بمزيد من الشفافية.
وقال سالاي ميريدور، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة: "إذا خرجت علينا الولايات المتحدة بـعرض لا يتكرر إلا كل ألف عام وهي لم تنسق مع أحد الطرفين في حين أن الآخر في ذروة موسم الانتخابات، فهذا يثير التساؤلات".
وأشار دانييل ب. شابيرو، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة لدى إسرائيل في أثناء رئاسة باراك أوباما، إلى أن عديداً من منتقدي الرؤساء السابقين "قدّموا محاضرات حول عدم قبول التدخل الأمريكي في الانتخابات الإسرائيلية".
وقال: "كثير من هؤلاء الأشخاص أنفسهم هادئون الآن على نحوٍ فجٍّ إزاء هذا التدخل السافر". لكن ترامب كان متحمساً. وقال: "هي خطة رائعة، خطة ستنجح حتماً".