يأتي الادّعاء الخطير بأن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان كان متورطاً في عملية اختراق الهاتف المحمول للرئيس التنفيذي لشركة أمازون، جيف بيزوس، ليعيد توجيه سهام الانتقادات إلى الأمير الشاب المثير للجدل، تحديداً في الوقت الذي كان يسعى فيه لإصلاح ما أحدثه عامه السابق، والتأسيس لعام جديد يعود فيه إلى دائرة الضوء العالمية، كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
ودعا خبراء من الأمم المتحدة، الأربعاء، إلى التحقيق في المزاعم، التي كانت صحيفة The Guardian البريطانية قد نشرتها لأول مرة. وأشاروا إلى المعلومات التي تشي بدور محتمل للأمير محمد، صاحب الـ34 عاماً، في التجسس على بيزوس، الذي يمتلك أيضاً صحيفة The Washington Post، ضِمن مساعٍ مفترضة للتأثير على تناول الصحيفة لأخبار المملكة، وفي ضوء مزاعم أخرى عن تورط للأمير في جريمة قتل الكاتب بالصحيفة، جمال خاشقجي، في عام 2018.
أضرار كبيرة أخرى
قد يستغرق التحقيق والتثبت من الأمر بعض الوقت، لكن الأضرار التي ما لبثت تلك المزاعم تُلحقها بصورة السعودية ربما أعجل بكثير، وذلك بالنظر إلى التكهنات والاستنتاجات الآخذة في الانتشار في وقت تستعد فيه المملكة لاستضافة وزراء مالية مجموعة العشرين الشهر المقبل. وقد كانت تلك واحدة من عشرات الفعاليات الرامية إلى استعراض البرنامج الاقتصادي لولي العهد، والذي يهدف إلى تغيير وجه البلاد، ساعياً لجذب مليارات من الاستثمارات الأجنبية قبل القمة الأساسية لقادة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
يقول كامران بُخاري، المدير المؤسس لـ "مركز السياسة العالمية" في واشنطن، إن هذه المزاعم تعزز التصور الحالي عن ولي العهد لدى البعض بأنه "ليس رجلاً جيداً". فقد شكّل الناس بالفعل قناعتهم عن الأمير محمد، الحاكم الفعلي للسعودية، وما لم يسنّ إصلاحات سياسية كبرى، فمن المستبعد أن يتحول الرأي العام في الغرب عن قناعاته فيه.
جهود إعادة ترميم سمعة السعودية قد تُنسف
وقد أمضى المسؤولون السعوديون العام الماضي يبذلون الجهود لإعادة بناء سمعة البلاد بعد جريمة قتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول. وحصلوا على دعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي دافع عن الأمير وعمل على وقاية المملكة من أي عقوبات كبيرة من جانب النواب الأمريكيين. كما أطلقت المملكة مؤتمراً استثمارياً رئيسياً في أكتوبر/تشرين الأول، ثم باعت حصة أولية في شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو على الرغم من الهجوم الصاروخي الذي أفضى إلى توقف مؤقت للعمل في إحدى أكبر المنشآت النفطية لديها.
وكذلك حاولت الرياض التفكك من المشاكل الإقليمية التي لم تعد عليها بفائدة كبيرة. ومن ثم أظهرت انفتاحها على إجراء محادثات فيما يخص النزاع الخليجي المتواصل منذ فترة طويلة مع قطر، وأسهمت في إنهاء القتال بين فصيلين سبق لهما التحالف معها في حربها على اليمن، وسعت إلى نزع فتيل التصعيد مع خصمها الرئيسي إيران، التي سبق أن اتهمتها السعودية بالمسؤولية عن الهجوم الصاروخي الذي وقع على منشآتها النفطية، رغم نفي طهران لذلك.
وفي السياق نفسه، أصدرت محكمة سعودية حكمها على خمسة أشخاص بالإعدام في جريمة مقتل خاشقجي، الذي كان قد انتقد بن سلمان في كتاباته، وحكمت على ثلاثة آخرين بالسجن 24 عاماً، في خطوة تهدف إلى إغلاق مسألة كانت لها تداعيات مدمرة، ولو على الأقل محلياً. هذا في حين نفت المملكة تورط الأمير في جريمة القتل، كما برأت المحكمة كبار مساعديه السابقين.
ويعلق جيمس دورسي، وهو باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة نانيانغ التقنية بسنغافورة، على ذلك بالقول: "لقد رأينا في الأشهر الأخير نهجاً أكثر تشاورية وتعددية، وقد نتج ذلك جزئياً عن شكوك سعودية في موثوقية الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة، ونظراً كذلك إلى حقيقة تولي البلاد لرئاسة مجموعة العشرين".
لكن دورسي يشير إلى أن التقارير المتداولة عن عملية الاختراق تضر بالمساعي الرامية إلى الترويج لصورة جديدة للملكة ولولي العهد محمد بن سلمان. فإذا كان بيزوس، وهو أغنى رجل في العالم، يمكن أن يصبح عرضة للاستهداف، فما بالك إذاً بالأشخاص الآخرين العاديين الذين لديهم أعمال تجارية في المملكة؟
ويقول دورسي: "إذا كنت رجل أعمال له مصالح تجارية وتواصل مع السعوديين، فستصبح أكثر حذراً بطبيعة الحال، وتسأل نفسك: هل أنا مُراقب وعرضة للتجسس؟".
هجمات مضادة على مواقع التواصل
أخذت المملكة ترعى حملة ترويجٍ وتأييد لولي العهد في محاولةٍ لحشد الرأي العام المحلي وراء إصلاحاته، وقد صاحبتها حملة أخرى موازية لقمع أي صوت معارض في الداخل.
يوم الخميس، انتشر وسم على موقع تويتر يدعو السعوديين إلى مقاطعة منتجات أمازون، وامتلأت تغريداته بالدفاع عن بن سلمان، واقتراحات بالاتجاه إلى شركات تسوق إلكتروني أخرى، كما تداول المستخدمون صوراً لبيزوس وهو يجلس إلى جانب خطيبة خاشقجي أو يعانقها.
ونفت وزارة الإعلام السعودية، نقلاً عن مسؤول فيها لم تتبين هويته، التقارير الإخبارية عن ضلوع السعودية في عملية قرصنة لهاتف بيزوس، واصفةً الاتهامات بأنها "مزاعم لا أساس لها من الصحة على الإطلاق"، وقالت إنها لا تتصرف أو تتغاضى عن مثل هذه الأنشطة غير المشروعة.
"ادعاءات غير منطقية"
وقال المسؤول السعودي: "نطالب بتقديم أي دليل مفترض، والكشف عن الشركة التي فحصت الأدلة، حتى نتمكن من إثبات مدى افتقار هذه المزاعم إلى أي منطق على الإطلاق".
ومع ذلك، قالت صحيفة The Independent البريطانية إن الشيء الجلي من الأحداث الأخيرة، هو أن القواعد العادية للتريث وافتراض حسن النية لا تنطبق عندما يتعلق الأمر بالمملكة والعائلة الحاكمة، وأنه سيكون من الحكمة عدم التعامل حتى مع أقوى إنكار تبديه السلطات السعودية لارتكابها أي مخالفة على وجهه الظاهر كما هو دون تحرٍّ وانتظار للتحقيقات.
ويكفي تذكر ردة الفعل السعودية الرسمية على التقارير الأولى التي أفادت بأن جمال خاشقجي قد قُتل في القنصلية السعودية في إسطنبول، والتي أخذت تؤكد أن المزاعم "كاذبة تماماً ولا أساس لها من الصحة"، إلى جانب الدعوات بإجراء تحقيق "ليثبت على نحو قاطع للجميع أن هذا لم يحدث".
لكن وبالنظر إلى أن السعودية تعد حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن إدارة ترامب رفضت الحديث عن ضلوع للأمير في جريمة مقتل خاشقجي، على الرغم مما ورد عن أن وكالة الاستخبارات الأمريكية قد توصلت إلى أن ولي العهد هو من أصدر الأوامر بتنفيذ العملية.
ومن ناحية أخرى لا تزال واشنطن تضغط على الرياض ودول الخليج الأخرى لإنهاء الأزمة الدبلوماسية والتجارية المستمرة منذ ثلاث سنوات مع قطر، قائلة إن ذلك يدفعها إلى أحضان إيران في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى إضعاف اقتصاد إيران ونفوذها العسكري.
وقد أبدت المملكة انفتاحاً على إجراء محادثات مع الدوحة قبيل توليها رئاسة مجموعة العشرين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو ما رفع الآمال بين المسؤولين الخليجيين بشأن إنهاء قريب للأزمة.
ثم استضافت الرياض وزير الخارجية القطري أواخر العام الماضي لمناقشة الخلاف الإقليمي، لكن تلك الجهود أخذت تفقد زخمها، وفقاً لثلاثة مسؤولين خليجيين رفضوا الكشف عن هوياتهم. وفي حين يُنظر إلى تقارير الاختراق على أنها تشوه صورة المملكة، فإن من المستبعد أن يتراجع المستثمرون، بعد تجاوزهم بالفعل لتداعيات حادثة مثل مقتل خاشقجي.
التداعيات على أوامر اكتتاب المستثمرين في السندات السعودية
نأت بعض الشركات الغربية بنفسها عن المملكة خلال الأشهر التي تلت اغتيال خاشقجي، وأخذ مسؤولوها التنفيذيون في الابتعاد عن مؤتمر الاستثمار الذي عقد في عام 2018، لكن شركات أخرى استمرت في ضخ الأموال. وهو الوضع الذي استمر بعد ذلك. فقد جمعت الحكومة 5 مليارات دولار مقابل أول بيع لصكوك دولية بالعملة الأوروبية الموحدة أجرته هذا العام يوم الثلاثاء الماضي، مع أوامر سندات تزيد قيمتها على 23 مليار دولار.
وقال عدد كبير من المستثمرين الأجانب في السعودية إنه من السابق لأوانه قياس تأثير المزاعم باختراق هاتف بيزوس، لكنهم قالوا أيضاً إنه من غير المرجح أن يغير ذلك من نظرتهم أو يدفعهم إلى التراجع عن مصالحهم الحالية مع المملكة.
ويذهب أيهم كامل، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "مجموعة أوراسيا" الاستشارية، إلى أنه على الرغم من أن كل دولة على حدة ستمضي في علاقتها مع المملكة وفقاً لما تراه مناسباً لها، فإن المسار العام من المستبعد أن يتغير.
ومع ذلك، يقول كامل: "ستكون هناك حوادث على طول الطريق تُخرج الأمور عن مسارها المرجو لفترات قصيرة من الزمن، وتجعل من الصعب للغاية على المملكة تعيين مدى تأثير تلك الحوادث عليها ومعالجتها بمفردها".