يجب التوقف عند تصريحات وزير المالية في الحكومة اللبنانية الجديدة بغض النظر عما يمكن أن يكون الغرض من ورائها، فعندما يقول الرجل إن البلاد قد "تصل لمرحلة الإفلاس" خلال أسابيع قليلة، لا بد من التساؤل إذا ما كان ذلك ممكناً؟ وهل يمكن أن تفلس دولة بالفعل؟
ماذا حدث؟
ليلة أمس الثلاثاء 21 يناير/كانون الثاني وبعد دقائق من إعلان تأليف الحكومة برئاسة حسان دياب، قال غازي وزني وزير المالية، إن الأزمة المالية والنقدية التي لم يشهدها لبنان "منذ ولادته" تحتاج إلى دعم الداخل والخارج، وأكد أنه يجب على الحكومة أيضاً اتخاذ قرار بشأن سداد مبلغ 1.2 مليار دولار يستحق في مارس/آذار.
وفي حديثه لمحطة تلفزيون الجديد المحلية أكد الوزير أن استحقاق اليوروبوند بعد شهرين "ويجب أن تأخذ الحكومة قراراً بشأنها؛ لأن الحكومة السابقة لم تأخذ موقفاً منها ورمت كرة النار هذه" إلى الحكومة الجديدة، مضيفاً أنه إذا استمرت هذه الأزمة فسوف "نصل إلى الإفلاس".
هل يمكن أن يحدث ذلك فعلاً؟
البعض ربما فسّر تصريحات وزني في سياق ما يجري في لبنان وبالتحديد الحراك والاحتجاجات الرافضة لحكومة حسان دياب، وبالتالي يمكن قراءة تصريحاته بأنها رسالة للشارع كي تخف حدة المظاهرات وإعطاء الفرصة للحكومة الجديدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
لكن الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه البلاد بإجماع كل الأطراف في الداخل والخارج يشير إلى أن تصريحات وزني لا بد أن تؤخذ على محمل الجد، فمبلغ 1.2 مليار دولار مستحقة مارس/آذار المقبل يمثل تحدياً حقيقياً في ظل الظروف الراهنة واحتمالات سداد المبلغ في الموعد المحدد أقل كثيراً من احتمالات عدم السداد.
ماذا يعني عدم السداد إذاً؟
إذا تخلفت دولة عن سداد الديون الخارجية المستحقة عليها في موعدها، تكون التداعيات مؤلمة للدولة المدِينة، خاصة لو كان الأمر غير متوقع وغير منظم وتؤثر على اقتصادها بشكل فوري، فضلاً عن تأثيرها السلبي لتصنيفها الائتماني.
وهذا يعني أن الحكومة اللبنانية عليها أن تقرر في أسرع وقت ممكن ما إذا كان سيمكنها السداد في الموعد أم لا، حيث يختلف الأمر عندما تعلن الدولة أنها غير قادرة على الوفاء بالدين في موعده عما إذا أعلنت التوقف عن السداد بشكل كامل.
اليونان على سبيل المثال تعرضت لموقف مشابه وصلت ذروته في فبراير/شباط 2012، وتدخل الاتحاد الأوروبي لإنقاذها بحزمة قروض بلغت 130 مليار دولار، بعد أن اضطرت أثينا لطلب فترة سماح لسداد أقساط الدين الخارجي لعجزها عن السداد في الموعد المحدد.
متى تعلن الدولة إفلاسها، وما تبعات ذلك؟
في حالة إعلان الدولة عجزها عن سداد الدين الخارجي، فهذا يعتبر بمثابة "إعلان الإفلاس"، وفي حالة الشركات أو الأفراد، يتم الحجز على الأصول أو الممتلكات لصالح الدائنين، لكن ذلك مستحيل في حالة إفلاس الدول، ولا يوجد قانون دولي ينظم تلك القضية بل تخضع للتفاوض.
والذي يحدث هو أنه بعد إعلان دولة إفلاسها، تحدث هزة اقتصادية قوية على الصعيد المحلي، حيث يندفع المستثمرون وأصحاب المدخرات -الذين يتوقعون هبوطاً قوياً في قيمة العملة المحلية- لسحب أموالهم من الحسابات المصرفية ونقلها خارج البلاد، ومن أجل وقف هبوط قيمة العملة وسحوبات الأموال، تلجأ الحكومة المتعثرة في سداد الديون إلى إغلاق البنوك وفرض قيود على حركة رؤوس الأموال.
أما على الصعيد الخارجي وكعقاب على التعثر في السداد، تفرض أسواق رأس المال إما معدلات اقتراض عقابية أو رفض الإقراض مجدداً، ثم تصدر وكالات التصنيف الائتماني تحذيرات بشأن الاستثمار في الدولة المتعثرة.
هل عجزت دولة ما عن سداد ديونها؟
الإجابة عن هذا السؤال على الأرجح تمثل مفاجأة للكثيرين، فالواقع أن معظم دول العالم تعرضت بالفعل لذلك؛ أي العجز عن سداد ديونها ومن ثم إعلان إفلاسها.
والبداية كانت فرنسا عام 1558 حتى الأرجنتين عام 2001، وطوال تلك الفترة الممتدة لقرون عانت مئات الدول من العجز عن سداد ديونها والوصول لمرحلة الإفلاس، ومن أشهر تلك الحالات ما تعرضت له إسبانيا عام 1557 في عهد الملك فيليب الثاني، والذي كانت نتيجته تعرض البلاد لسلسلة طويلة من العجز عن سداد الديون، كانت آخرها عام 1939.
الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 كان سببه عجز الحكومة المصرية وقتها عن سداد الديون وفتح الباب أمام التدخل الأجنبي في شؤون البلاد ومن ثم ثورة عرابي التي انتهت باحتلال بريطانيا للبلاد لما زاد على سبعة عقود.