مع انعقاد أولى جلسات محاكمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء 21 يناير/كانون الثاني، في مجلس الشيوخ، يسعى فريق الدفاع عنه لجعل الإجراءات الأسرع في التاريخ؛ تفادياً لحدوث مفاجآت غير سارة، لكن الأمر ربما لا يكون بالسهولة التي يتمنونها، فمن بإمكانهم إحداث تلك المفاجأة؟
ماذا فعل زعيم الأغلبية حتى الآن؟
انتهت المراحل التحضيرية لمحاكمة ترامب، أي تجهيز مواد الاتهامات الموجهة له وهي بالتحديد مادتين، وذلك بعد قيام لجان مجلس النواب (لجنة الاستخبارات ولجنة الشؤون التشريعية) باستدعاء شهود وتقديم أدلة الاتهام وبعدها تم التصويت في مجلس النواب وفاز قرار إدانة ترامب بالأغلبية (الأمر طبيعي حيث يتمتع الحزب الديمقراطي بالأغلبية)، وتم إرسال مادتي الاتهام إلى مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي.
ما إن وصلت مادتا الاتهام إلى مجلس الشيوخ، أصبحت الكرة في ملعب الجمهوريين الذين يتمتعون بالأغلبية، وقام رئيس المجلس ميتش ماكونيل بوضع قواعد الإجراءات المنظمة لجلسات المحاكمة بصورة تضمن أمرين أساسيين: أولهما أن تجري الجلسات في أوقات متأخرة من الليل (بعضها بعد منتصف الليل حسب توقيت واشنطن)، والثاني عدم وجود شهود أو السماح بالأدلة التي تم جمعها في مجلس النواب.
ما الهدف من تلك الإجراءات؟
أن تجري الجلسات في أوقات متأخرة الهدف هو ألا يشاهدها أغلبية الناخبين بشكل مباشر، وألا يتم استدعاء شهود أو عرض الأدلة التي تم جمعها على مدى أربعة أشهر تقريباً في مجلس النواب يعني جعل جلسات المحاكمة تجري بسرعة غير مسبوقة، ومن ثم التصويت وانتهاء الأمر.
كي تتم إدانة ترامب لابد من تصويت ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ بالموافقة، وفي ظل وجود 53 عضواً جمهورياً مقابل 47 عضواً ديمقراطياً، فالنتيجة محسومة سلفاً لصالح ترامب، والديمقراطيون يعرفون ذلك فهو ليس سراً، لكنهم يسعون إلى استدعاء شهود وخصوصاً مستشار الأمن القومي المقال جون بولتون والقائم بأعمال كبير موظفي البيت الأبيض مايك مولفاني (كلاهما رفض المثول للشهادة أمام مجلس النواب بأمر ترامب)، وساعتها ربما تختلف الأمور بصورة كبيرة.
هل سيتم استدعاء بولتون للشهادة؟
مسألة استدعاء الشهود أمام مجلس الشيوخ هي النقطة المفصلية الآن، وكي تكون الصورة واضحة نذكر هنا أن الجلسة الافتتاحية التي ستجرى اليوم الثلاثاء سيرأسها رئيس المحكمة العليا القاضي جون روبرتس، ورغم أن دوره تنظيمي بدرجة كبيرة إلا أن له دوراً هاماً في ضبط قاعة المحكمة التي هي عبارة عن مقر مجلس الشيوخ.
تبدأ المحاكمة بوجود أعضاء مجلس الشيوخ كهيئة محلفين، ثم يقوم فريق الادعاء (سبعة نواب ديمقراطيون يقودهم آدم شيف رئيس لجنة الاستخبارات) بإلقاء البيان الافتتاحي والذي يتضمن لائحة الاتهام (ترامب متهم بإساءة استخدام سلطته للضغط على أوكرانيا من أجل مكاسب سياسية شخصية وأيضاً بعرقلة العدالة بمنعه الشهود من الظهور أمام مجلس النواب) وتقديم ما يؤيد تلك الاتهامات بشكل عام.
بعد أن ينتهي فريق الادعاء، يأتي الدور على فريق الدفاع عن ترامب لتفنيد تلك الادعاءات من خلال البيان الافتتاحي أيضاً.
وهنا تأتي اللحظة الحاسمة في تلك المحاكمة التي انطلقت قبل أكثر من خمسة أشهر، حيث سيكون هناك تصويت على ما إذا كان يجب استدعاء شهود (على الأرجح لن يظهروا شخصياً في قاعة المحكمة بل سيتم تسجيل الشهادة وعرضها في المحكمة من خلال الفيديو المسجل)، وهذا التصويت لا يستدعي موافقة ثلثي الأعضاء بل يحتاج لأغلبية بسيطة أي 51 عضواً.
من يمكنهم إحداث المفاجأة غير السارة لترامب؟
هذه النقطة تحديداً ربما تقلب الأمور رأساً على عقب وتطيح بخطة ماكونيل لإجراء محاكمة شكلية تنتهي بسرعة، حيث إن هناك عدداً من الأعضاء الجمهوريين الذين ربما يصوتون لصالح استدعاء شهود، وحيث إن الديمقراطيين بحاجة لأربع أصوات فقط (على أساس أن لديهم 47 بالفعل) كي تنهار خطة زعيم الأغلبية، يبدو كل شيء ممكن.
ميت رومني: المرشح الرئاسي السابق الذي خسر أمام باراك أوباما في 2012 وعضو مجلس الشيوخ عن يوتاه يبلغ من العمر 72 عاماً وهو أبرز الجمهوريين الذين ينتقدون ترامب علانية ووصفه أثناء حملة انتخابات 2016 بأنه "زائف ومحتال"، ومؤخراً وصف ترامب رومني بأنه "وغد متكبر"، وفيما يتعلق بالعزل، لم يُدلِ رومني بأي تصريح يُفهم منه أنه يساند ترامب وموقفه الذي أعلنه الشهر الماضي هو أنه "منفتح على كل الاحتمالات وسأقرر بعد أن أستمع لحجج الجانبين (في مجلس الشيوخ)".
ليزا ميركويسكي: عضوة مجلس الشيوخ الجمهورية عن ألاسكا للدورة الرابعة على التوالي ولها تاريخ في التصويت أحياناً ضد قرارات قيادة الحزب الجمهوري، وقد عبرت عن انزعاجها من تصريحات ماكونيل بشأن محاكمة عزل ترامب عندما قال إن "هناك تنسيقاً تاماً بينه وبين البيت الأبيض"، مطالبة بضرورة الفصل بين السلطات، وفيما يخص مسألة استدعاء الشهود قالت إنها "لم تقرر بعد كيف ستصوّت وإنها تنتظر بدء المحاكمة في مجلس الشيوخ كي تستمع للجانبين وتقرر بعدها".
سوزان كولينز: عضوة جمهورية عن ولاية مين لها موقف مستقل في قضية العزل وتقول إنها تنتظر أن تستمع للائحة الاتهام وأيضاً بيان الدفاع قبل أن تقرر، وانتقدت ماكونيل في أكثر من مناسبة لإصراره على براءة ترامب قبل حتى أن تبدأ المحاكمة كما تنتقد الديمقراطيين لإصرارهم على أنه مذنب قبل المحاكمة. كولينز في مجلس الشيوخ للدورة الرابعة وكانت موجودة أثناء محاكمة عزل بيل كلينتون، ويعول الديمقراطيون على أنها ستصوت لصالح استدعاء الشهود.
لكن موقف كولينز الانتخابي في نوفمبر/تشرين الثاني القادم سعياً لدورة خامسة في مجلس الشيوخ -كما أعلنت- ربما يمثل عامل ضغط عليها، حيث إنها تواجه منافسة شرسة من الديمقراطيين في ولاية منقسمة بين الحزبين، وبالتالي تحتاج لدعم الحزب الجمهوري كي تحتفظ بمقعدها (بعض أصحاب نظرية المؤامرة يرون في ذلك فرصة يمكن أن يستغلها الديمقراطيون بأن يقدموا وعداً لكولينز بضمان مقعدها، وهي أمور ليست مستبعدة في السياسة بشكل عام).
كوري غاردنر: عضو جمهوري من كولورادو يواجه خطر فقدان مقعده في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بسبب أن ترامب لا يتمتع بشعبية في الولاية، ولهذا التزم غاردنر الصمت منذ بداية محاكمة عزل ترامب، لكنه انتقد هذا الأسبوع رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بسبب "طريقتها الاحتفالية" في توقيع لائحة الاتهام قبل إرسالها لمجلس الشيوخ، وأعلن أن محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ ستكون "حزبية لكنها عادلة"، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
مارثا ماكسالي: تم تعيينها في مجلس الشيوخ بعد استقالة العضو جون كاي وكانت قد خسرت الانتخابات أمام الديمقراطية كايريستين سيمينا عام 2018 وستواجه منافسة شرسة في نوفمبر/تشرين الثاني أيضاً في ولاية متأرجحة بين الحزبين، وهي من المنتقدين للتعامل الحزبي مع مسألة العزل التي تراها "أمراً خطيراً" ولا يجب أن يكون عرضة للمناكفات الحزبية.
لامار أليكساندر: عضو جمهوري من تينيسي وصف سلوك ترامب بأنه "غير مناسب"، لكنه قال أيضاً إن عزله سيكون "خطأً"، لكن وضع العضو البالغ من العمر 79 عاماً ولن يترشح مرة أخرى بعد أن أعلن أنه سيعتزل العمل العام يجعله متحرراً من القيود الحزبية وأكثر قرباً من التصويت ضد ترامب.